لمصلحة من تفتي يا قرضاوي ..؟؟
تاريخاً جرى توظيف الدين لخدمة الأنظمة الحاكمة، أنظمة القمع والاستبداد والنهب والقتل، وتاريخياً أيضاً كانت حركة الإخوان المسلمين خط الدفاع الأول للأنظمة، تحميها وتدافع عنها في وجه القوى الثورية والتقدمية المتصارعة معها على السلطة والحكم والبرنامج والأهداف، جندتها معها تلك الأنظمة في حربها تحت ذريعة ان تلك القوى شيوعية وعلمانية، وخلقت وأوجدت تلك الأنظمة مؤسسات ومرجعيات دينية تفتي وتشرع وفق تمليه عليها من تعليمات وأوامر وقرارات، ليس وفق ما تقوله الشريعة والنصوص الدينية، وجميعنا يعرف صكوك الغفران ودور الكنيسة في القرون الوسطى في خدمة أنظمة القمع والاستبداد، وبالتالي كانت المؤسسات الدينية جزء من بنية النظام، وهي خط دفاعه الأول أمام الجماهير التي تحاول الثورة على الطغيان والظلم، فهي المشرع والمسوق للنظام وما يرتكبه ويمارسه من ظلم واضطهاد وقمع وتنكيل بالجماهير، أو حتى ما يقوم به من تفريط بسيادة الوطنية أو التأمر على الأمة وحتى المشاركة في العدوان عليها، ومثل هذه الفتاوي وجدت لها ترجمات في تسويغ وتبرير اتفاقيات'كامب ديفيد' التي عقدها النظام البائد في مصر مع إسرائيل، والتي دفعت وتدفع مصر والأمة العربية ثمنها ذلاً وهواناً وضعفاً وشرذمة وانقساماً حتى اللحظة الراهنة، وما تبع ذلك من غياب وتهميش لمصر ولدورها القومي القائد وحضورها وفعلها الإقليمي والدولي بسبب تلك الاتفاقيات، ورغم ذلك شرعها وبررها رجال الدين والإفتاء في تحريف واضح لمعنى الآية الكريمة 'وان جنحوا للسلم فجنح لها'، ومن بعده كانت فتاوي جواز التحالف مع الشيطان او العدو من اجل 'تحرير' الكويت أو جواز التحالف مع العدو من اجل احتلال العراق، والغريب أن تلك الفتاوي فقط تجري في إطار تسعير الخلافات العربية- العربية أو العربية – الإسلامية، ولا نسمع عن أية فتاوي لها علاقة بتحرير الأوطان او تحريم التطبيع وتجريم من يقومون به او عدم احتلال البلدان والأوطان واستباحتها وجعلها قواعد ومقرات للقوات الأجنبية والأطلسية، ولا نسمع عن تلك الفتاوي فيما يخص تحرير القدس وفلسطين او تحرير الأقصى، او طرد سفراء إسرائيل من البلدان العربية، أو معاقبة الغرب وأمريكيا اقتصاديا بسبب مواقفها المنحازة كلياً الى إسرائيل ضد القضايا والمصالح العربية، بل سبحان الله كل ما له علاقة بصمود وثبات الامة او المقاومة تصدر له فتاوى بتحريمه او تجريمه او تكفير وتخوين من يقومون به او يمارسونه، والقرضاوي ومن لف لفه من مفتي السلاطين وقابضي الملايين وسارقي وناهبي مال الشعب، فجأة اكتشفوا أن إيران شيعية ومجوسية وفارسية، واخرجوا وحذفوا من قاموسهم الحديث الشريف لا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى، فلربما عندما كانت ايران تدور في الفلك الأمريكي وتربطها بإسرائيل علاقات إستراتيجية كانت مسلمة سنية، وكان شاهها الراحل'مسلماً تقياً ورعاً'وفق منهج القرضاوي ومن يتبعه ويواليه من شيوخ ومفتي الدولار والدينار والدرهم، وكذلك حزب الله اللبناني فجأة وبعد أن أصبح في طليعة القوى العربية المقاومة، والذي استطاع أن يكتسب الجماهير العربية البسيطة المتعطشة الى نصر يعيد لها عزتها وكرامتها ويحفظ أوطانها من ان تتحول الى مرتع للجواسيس وتنتهك سيادتها جوا وبرا وبحرا ليل نهار، وتحكم من قبل عصابات ومافيات، وبعد أن استطاع أيضاً ان يكسر هيبة الجيش الذي لا يقهر في حرب تموز العدوانية 2006، وبعد أن أصبح قوة تشكل خطر على وجود ومصالح ما يسمى بأنظمة الاعتدال العربي في المنطقة ولبنان تحديداً، وبعد قيام التمردات الاجتماعية العربية الكبيرة المتشظية والتي اتت بشتاء إسلامي قاد لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في العديد من الأقطار العربية تونس والمغرب وليبيا ومصر بموافقة ومباركة أمريكية، ضمن صفقة يتعهد فيها الإخوان بالحفاظ على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، والعمل على حرف الصراع من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي- فارسي، ونقلة من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي سني- شيعي، بما يخلق فتن مذهبية وطائفية من شأنها ان تفكك وتعيد تشكيل الجغرافيا العربية لكيانات اجتماعية ضعيفة مصادر قرارها سياسيا وتقود اقتصاديا من قبل المركز الرأسمالي العالمي وبحماية واتفاقيات أمنية أمريكية وغربية، ومن بعد هذا الاتفاق صعدت وسعرت جماعة الإخوان من هجومها على المشروع القومي العربي، وكل من يقول بالمقاومة والممانعة والقومية العربية، ووظفت مرجعياتها الدينية لهذا الغرض، ومن هنا نرى ان فتوى القرضاوي رئيس المجلس الإسلامي العالمي والمرجع الديني السني، واحد أقطاب حركة الإخوان، اخذ يفتي وفق ما يخدم الجماعة وأهدافها ومصالحها، وليس مصلحة الأمة العربية ولا الاسلامية، وآخر فتوى له بدعوة العرب للوقوف معا ضد ايران وحزب الله على خلفية ما يجري من تأمر على سوريا راس حربته جماعة الإخوان المسلمين، هي دعوة للفتنة وتاطير وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي وشعبنته، ونحن نقول للقرضاوي المترف والمشبع بأموال حمد ومشيخات الخليج، والمؤمن بأفكار انغلاقية والمغرق بفئويته وحقده على القومية العربية، من العار والعيب على شخص بحجمك أن يتحول إلى بوق للسلاطين ولحمد وكل القائلين بتدمير المشروع القومي العربي وتفكيك الأمة وتحطيم ونهب كل خيراتها وثرواتها خدمة لأجندات وأهداف مشبوه، فمن يفتي بهدم تمثال الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في بنغازي ليس من الإسلام بشيء، ومن يفتي بجواز استقدام القوات الأطلسية والأمريكية لاحتلال سوريا كما احتلت العراق ومن بعدها ليبيا ليس له علاقة بالإسلام، ومن يفتي بتأجيج الصراعات المذهبية وتقسيم وتجزئة الأمة العربية وتذريرها ليس بمسلم، والغريب كأن سوريا هي سبب مأساة الأمة والعرب والمسلمين؟؟، فهؤلاء لا يريدون لأي نظام يقول لا لأمريكا أن يكون موجوداً، وكأن إيران هي من تحتل فلسطين والعراق وفلسطين!!، لماذا لا يفتون بتحرير القدس وفلسطين والأقصى؟، ولماذا لا يفتون بطرد القوات الأمريكية وتحرير الخليج العربي من القواعد العسكرية الأمريكية والغربية؟ولماذا لا يدعو القرضاوي الى وقوف العرب صفاً واحداً من أجل فلسطين أو العراق؟ ولماذا لا يدعو الى إلغاء وعدم شرعية اتفاقية 'كامب ديفيد' أو تحريم وتجريم التطبيع مع إسرائيل المحتلة لفلسطين؟، فهل المشكلة في إيران وسوريا وحزب الله، هل هم المفرطين بحقوق العرب والمسلمين؟أم أن وراء الأكمة ما وراءها، نعم هذه دعوات مشبوهة، ودعوة صريحة الى شعبنة الصراع المذهبي والطائفي، صراع ليس من شأنه سوى أن يحول أمتنا ويعيدها إلى عهد العصبيات القبلية والجهوية والطائفية.
ما يجري ويمارس تحديداً من قبل وكلاء الأمريكان في الخليج جداً خطير، وما يصدر عن ابواق ومراجع دينية متنعمة ومترفة بأموال شيوخ وسلاطين الجهل والتخلف من شأنه أن يعيد الأمة الى ما قبل مئة عام أو أكثر، والآن نحن أمام خطر جدي وحقيقي على الامة العربية، خطر تفكك الأمة ضمن مشروع استعماري جديد يقسمها على أساس الثروات والموارد، ويمنع توحدها لمئة عام قادمة.