الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط: «مُرهَقة» أم مُتواطِئة ومُنحازَة؟
لافت حدود المُجاملة وإنعدام الدقة, الوصف الذي أطلقه جوزيب بوريل/ مفوض الشؤون الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي. إذ قال في كلمة ألقاها بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا قبل ايام: إن الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط «بدأت» تُظهِر مؤشرات «إرهاق»، في الوقت ذاته الذي إنتقد فيه «مُجدداً», الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 7 أشهر.
وصفٌ كهذا يستدعي التوقف عنده, ليس فقط في ان المسؤول الأوروبي الرفيع, جانبَ الصواب في وصف وتشخيص «حقيقة» الموقف الأميركي, من حرب الفاشية الصهيونية على القطاع الفلسطيني المنكوب, بل خصوصاً في تجاهله الإنخراط الأميركي المباشر في حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير, على نحو لم تُنكره إدارة الرئيس بايدن, خصوصاً في حشد أساطيلها بما فيها حاملتيّ طائرات والمجموعات المساندة التي ترافقها, بل ودائما في مشاركة الرئيس الأميركي ووزير خارجيته/بلينكن, ومستشاره للأمن القومي/سوليفان, ناهيك عن الجنرال اوستن/ وزير الدفاع وكوكبة من جنرالاته في إجتماعات «مجلس الحرب» الصهيوني.
زد على ذلك كله.. تواجدهم في غُرف العمليات الصهيونية, وتزويد الكيان العنصري الإستعماري بخرائط ومعلومات إستخبارية, جاءت بها طائرات التجسّس الأميركية (دع عنك البريطانية والناتوية), رامت كلها تحديد أماكن احتجاز الأسرى الصهاينة, وخصوصاً قادة المقاومة الفلسطينية في القطاع المُجوّع والممزق. دون ان نغضَّ الطرف أبداً عن «سيل» صفقات الأسلحة الأميركية الفتاكة, الذي لا يتوقّف للكيان الفاشي, خصوصاً منها القنابل الثقيلة التي يصل وزنها الى «طن» من المتفجرات.
هي إذا شراكة صهيوأميركية لا تنُّم عن إرهاق او مُؤشرات تعب, بل هي واضحة في إنحيازها بما يفوق التواطؤ ويزيد عن «فيض» الحيوية, وصولاً الى الإنخراط الميداني الكامل, وبما ينسحب الى السياسة والنشاط الدبلوماسي المنحاز بل العدواني, الذي لا يتورّع عن إزدراء القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وشرعة حقوق الإنسان, وصولاً الى ممارسة الضغوط حدود تهديد أي دولة او هيئة قضائية أو دبلوماسية, دولية او إقليمية بقطع المساعدات او التمويل, كما حدث مع منظمة الأمم المتحدة نفسها, ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/ الأُونروا, واليونسكو وهيئات ومؤسسات دولية وإقليمية أخرى.
وإذا كان المستر بوريل قد قال انه «يرى إرهاقا لدى الجانب الأميركي على صعيد مواصلة الانخراط في البحث عن حل»، لافتا الى إنهم/ اي الأميركيين «يحاولون مع العرب الدفع باتجاه أن يكون حل الدولتين واقعاَ». فإنه في واقع الحال قد تجاهل ربما عن عمد او رغبة منه في تفادي التعرّض لإنتقادات أميركية, ان واشنطن دأبت ليس فقط على إستخدام الفيتو ضد أربعة مشروعات قرارات قُدمت لمجلس الأمن تدعو الى وقف للنار, بغية تهيئة الأجواء لحلول سياسية, بل خصوصا في تماهيها مع طرح مجرم الحرب نتنياهو, في رفض اي وقف للنار حتى تحقيق جيش النازية الصهيونية «انتصاراً كاملاً", وفرض حكم عسكري على القطاع لمدة عشر سنوات, بما يكفل إدارة من عشائر غزِيّة مُتعاونة او وجود قوات «سلام» عربية, رفضت مُعظمها دورا مشبوها كهذا.
فضلاً عن دعو بوريل اللافتة هي الأخرى, من خلال كلمته امام جمعة ستانفورد الأميركية, «دول الاتحاد» الأوروبي إلى بذل مزيد من الجهود نحو إقامة دولة فلسطينية، علماً أن دولاًً أوروبية بينها إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا ومالطا, أعلنت أنها تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فضلا عن إشارته المثيرة عبر تعليقه على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي, لصالح منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين، قائلاً: إنه «أظهرَ انقساماً كبيراً في الاتحاد الأوروبي حول غزة، على عكس ــ أضافَ بوريل ـ ما هي عليه الحال بالنسبة للحرب في أوكرانيا».
يجدر هنا التذكير بالإنتقادات اللاذعة التي وجهها بوريل في آذار الماضي, لـ"رئيسته» أورسولا فون دير لاين، مُتهماً إياها بالانحياز إلى إسرائيل. ولم يكن يقصد فقط دعمها للكيان الصهيوني، بل عرقلتها لأي محاولة «إعتراف جماعي بالدولة الفلسطينية». حيث بدت وكأنها تتماهى مع الطروحات الأميركية والبريطانية في النزاعات الدولية، وخاصة فلسطين وأوكرانيا، على نحو تبدو فيه ممثلة للأنغلوساكسون، وليس الأوروبيين.
في المجمل ليس ثمة إرهاق تعانيه الدبلوماسية الأميركية, بل هو إنسجام وتماهٍ مع ما دأبت عليه السياسة الأميركية العدوانية, منذ «ملأت» واشنطن «الفراغ» التي ترتّب على إنهيار الإمبراطوريتيْن الإستعماريتين/ البريطانية والفرنسية, بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956, وخصوصاً خلال الحرب الباردة ما بالك بعد إنتهائها وتوهّم النُخب السياسية والعسكرية والأكاديمية الأميركية,ان القرن الجديد/الـ"21» هو قرن أميركي بإمتياز؟.