الصهيونية والرأي العام العالمي
تنفق الدول والشركات وجماعات الضغط والنخب السياسية والاقتصادية والإعلامية، على اختلاف مصالحها عبر التاريخ، الملايين، إن لم تكن المليارات في بعض الأحيان، لكسب معركة العقول والقلوب وحشد الدعم الرسمي الدولي والتعاطف الشعبي العالمي لقضاياها، عبر إنشاء أذرع إعلامية واتصالية وفكرية وبحثية وغير ذلك، أو التأثير في القائم منها، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف فرض روايتها للأحداث والترويج لمصالحها، ما يمهد الطريق لها لترى النور.
وهذا ما لا يقل أهمية عن إنفاق الملايين والمليارات في تسليح الجيوش وتوفير الأدوات للدفاع عن كينونة هذه الدول والشركات والجماعات والنخب في وجه المخاطر، مع تعدد أسبابها، أو في سعيها لتحقيق مآربها.
ولعل ممن فهم هذه المعادلة، وعملوا على تطويعها لخدمتهم منذ عشرات السنين، الصهاينة، حيث رأى قادتهم في توفير الأدوات لكسب الرأي العام العالمي مقدمة أساسية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المصيرية الكبرى. وهذا تحديدا ما كان مع أحد دهاة التاريخ، وهو المؤسس الحقيقي للصهيونية الحديثة، الصحفي النمساوي اليهودي، ثيودور هرتزل، والذي أولى أهمية خاصة لترويض الإعلام ودور الفكر والأبحاث في العالم، وبالتالي حشد التعاطف الرسمي والشعبي في عواصم صنع القرار العالمي، خصوصا الغربية، دعما للصهاينة لتمرير مخطاطاتهم عبر التاريخ، وصولا لإنشاء وطن قومي لهم، عبر تشجيعه لهجرة اليهود، من مختلف أصقاع المعمورة، إلى فلسطين تمهيدا لاحتلالها. وهو ما كان، رغم وفاته عام 1904 وقبل أن تبدأ فكرة إسرائيل الدولة بالتبلور على يد وزير خارجية بريطانيا آنذاك وبعدها رئيس وزرائها، آرثر بلفور، وصولا إلى ما بات يعرف بوعد بلفور في العام 1917. ويبقى هرتزل "الأب الروحي للدولة اليهودية".
ولعل ممن فهم هذه المعادلة، وعملوا على تطويعها لخدمتهم منذ عشرات السنين، الصهاينة، حيث رأى قادتهم في توفير الأدوات لكسب الرأي العام العالمي مقدمة أساسية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المصيرية الكبرى. وهذا تحديدا ما كان مع أحد دهاة التاريخ، وهو المؤسس الحقيقي للصهيونية الحديثة، الصحفي النمساوي اليهودي، ثيودور هرتزل، والذي أولى أهمية خاصة لترويض الإعلام ودور الفكر والأبحاث في العالم، وبالتالي حشد التعاطف الرسمي والشعبي في عواصم صنع القرار العالمي، خصوصا الغربية، دعما للصهاينة لتمرير مخطاطاتهم عبر التاريخ، وصولا لإنشاء وطن قومي لهم، عبر تشجيعه لهجرة اليهود، من مختلف أصقاع المعمورة، إلى فلسطين تمهيدا لاحتلالها. وهو ما كان، رغم وفاته عام 1904 وقبل أن تبدأ فكرة إسرائيل الدولة بالتبلور على يد وزير خارجية بريطانيا آنذاك وبعدها رئيس وزرائها، آرثر بلفور، وصولا إلى ما بات يعرف بوعد بلفور في العام 1917. ويبقى هرتزل "الأب الروحي للدولة اليهودية".
والأمر لم يقف عنده، بل عملت الحركة الصهيونية العالمية، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، على السيطرة على توجهات وسائل الإعلام والاتصال ودور الفكر والأبحاث المؤثرة في عواصم القرار، خصوصا الأميركية والبريطانية والأوروبية، عبر النفوذ والهيمنة في إدارة أو ملكية هذه الوسائل والتأثير في سرديتها، والأمثلة عديدة.
وكانت الأداة الأخرى، والتي ساعدت في السيطرة على الأولى، نفوذ المال اليهودي، لذلك نرى كيف أن لليهود يدا عليا عبر التاريخ، وحتى الآن، في عالم إمبراطوريات الأعمال والمصارف. فعلى سبيل المثال، وبحسب مجلة فوربس لعام 2023، فإن هناك نحو 267 بليونيرا يهوديا في العالم، بمجموع ثروة تقدر بنحو 1.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العربي الذي بلغ نحو 3.5 تريليون دولار في العام الماضي، وذلك بحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار. ولكم أن تتخيلوا ما يعني ذلك.
وبالاعتماد على معادلة الإعلام والمال، نجحت الصهيونية في استدراج التعاطف العالمي لقضاياها، خصوصا لما بات يعرف بالمحرقة اليهودية أو الهولوكوست، وبالتالي ممارسة الضغط عبر اللوبيات اليهودية للدفاع عن مصالح الدولة العبرية، صغرت أم كبرت.
ورغم كل ما تقدم من دهاء ومكر، فإن قادة وجنرالات تل أبيب يخاطرون اليوم بمستقبل ما أنجزته الصهيونية، عبر غياب العقلانية السياسية لديهم، وإمعانهم في سياسة القتل والتنكيل ضد الشعب الفلسطيني المناضل في غزة الصمود، والذي نجح، والفضل لوسائل التواصل الاجتماعي العابرة للحدود، في قلب الرأي العام الشعبي العالمي لصالحه. وما انتفاضة طلاب الجامعات في العالم، إلا دليل على ذلك، ما يؤطر لخلق جيل عالمي متعاطف مع الشعب الفلسطيني ومتفهم أكثر لقضيته وحقوقه، وهو ما سيؤثر حتما في صناديق الاقتراع مستقبلا، وفي توجهات صناع القرار في العالم، خصوصا الغربي. وهذه فرصة ثمينة علينا استثمارها لكسب الرأي العالمي للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ما يمهد الطريق لنجاح مشروعه التحرري، وقيام دولته المستقلة.
فهل من متدبر فلسطينيا وعربيا لاستثمار اللحظة والبناء عليها، أم أن الفرصة ستمضي كما مضى غيرها عبر التاريخ، وينجح اللوبي الصهيوني من جديد في قلب المعادلة؟