كواليس موافقة حماس على وقف إطلاق النار في غزة

من جديد التأمت، أمس الأربعاء، في العاصمة المصرية القاهرة، دائرة المفاوضات غير المباشرة لبحث وقف إطلاق النار في غزة بحضور جميع الأطراف، المقاومة والاحتلال الإسرائيلي والوسطاء الثلاثة: مصر وقطر والولايات المتحدة، وذلك بعد أجواء ساخنة، شهدت اقتحام الجيش الإسرائيلي محور صلاح الدين المحاذي لخط الحدود المصرية مع قطاع غزة، وسيطرته على معبر رفح البري، في مشهد "ابتلعته القاهرة بمرارة، حرصاً على عدم إفشال مفاوضات وقف الحرب"، بحسب ما قاله مصدر مصري مطلع على مسار التفاوض.

وعد الأميركيون بالضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لقبول الصفقة في شكلها الحالي

وقال المصدر المصري الذي تحدث إن "الجانبين المصري والأميركي متفائلان بالنتيجة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة خصوصاً أن المسؤولين المصريين عبّروا لنظرائهم الأميركيين عن انزعاجهم الشديد من العملية العسكرية الإسرائيلية عند معبر رفح، وهو ما قابله الجانب الأميركي بوعد بالضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لقبول الصفقة في شكلها الحالي، بما يؤدي إلى تحقيق انتصار دبلوماسي للمصريين". وكان مصدر مصري قد أوضح لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة أرسلت رسالة احتجاج إلى تل أبيب على توغل الجيش الإسرائيلي في معبر رفح ومحور فيلادلفيا، بعد أن أقدمت إسرائيل على اجتياح رفح، محذراً من أن التعنّت الإسرائيلي قد يدفع مصر إلى مراجعة دورها في الوساطة بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة خلال الفترة المقبلة.

رؤية "حماس" حول وقف إطلاق النار في غزة

وقالت مصادر قيادية في حركة حماس إن "التكتيك الذي أعلنت من خلاله الحركة موقفها النهائي من الورقة المقدمة بهدف وقف إطلاق النار في غزة جاء لكشف الحقائق التي حاولت حكومة الاحتلال تزييفها طوال محطات التفاوض المختلفة، وكذلك الترويج الكاذب للإدارة الأميركية بأن حماس والمقاومة هم من يماطلون ويعرقلون التوصل إلى اتفاق".

ولفت قيادي في "حماس"، إلى أن "الموافقة التي أعلنتها قيادة الحركة في اللحظات الأخيرة، أربكت حسابات نتنياهو وكشفت كذبه والتضليل الذي يمارسه، سواء على المجتمع الدولي، أو على عائلات الأسرى والشارع الإسرائيلي، وعلّقت المسؤولية في رقاب المسؤولين الحقيقيين". وأوضح أن "الورقة التي وافقت عليها حماس، عُرضت على إسرائيل وأعطت الإدارة الأميركية ضوءاً أخضر عليها"، مشيراً إلى أن الحركة "وافقت بعد تعديلات أدخلت من جانب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، بمباركة إدارته، وهو ما يعني أن أي رفض لها لاحقاً سيُظهر أن ما كانوا يتحدثون عنه بوصفه جهوداً أميركية ومحاولات إسرائيلية للهدنة أو استرداد الأسرى، مجرد أكاذيب لخداع الشارعين الأميركي والإسرائيلي".

بيرنز أدخل بنفسه تعديلات خلال زيارته الأخيرة للقاهرة على الورقة التي وافقت عليها حماس

وكشف القيادي أن بيرنز "أدخل بنفسه تعديلات خلال زيارته الأخيرة للقاهرة على الورقة التي حملها وفد حماس، الذي عاد إلى العاصمة القطرية الدوحة الخميس الماضي للتشاور بشأنها مع قيادات الحركة والمقاومة، وارتأت حماس أنها لا تبتعد كثيراً عن جوهر الاتفاق الذي تريده، والمبادئ التي حددتها المقاومة بهدف وقف إطلاق النار في غزة وبالتالي جاءت الموافقة". وقال إن "المقاومة باتت واعية بالدرجة الكافية لإدارة عمليات التفاوض بكل ملحقاتها، سواء السياسية أو العسكرية في الميدان"، مضيفاً أن "هناك من أراد أن يهاجم المقاومة بسبب الرشقة الصاروخية التي استهدفت الموقع العسكري في كرم أبو سالم"، لافتاً إلى أن تلك الضربة "كانت لها أهداف متعددة، منها ما هو مرتبط بعملية التفاوض على الطاولة".

العملية العسكرية في رفح

من جهته، قال مصدر مصري مطلع على مسار المفاوضات، إن "نتنياهو يحاول التلاعب بالضوء الأخضر الأميركي الذي حصل عليه للقيام بعملية شكلية محدودة في رفح، من خلال جس النبض واستطلاع الموقف في حال عمّق العملية أو قام بزيادة مدتها لخدمة أهداف خاصة به". وأضاف أن "التعهدات التي قدّمتها الإدارة الأميركية في وقت سابق للعملية، تؤكد التزام واشنطن بدفع مسار عملية الوصول إلى اتفاق بهدف وقف إطلاق النار في غزة وأن الخطوة الخاصة بالعملية هي لاستنفاد كافة المبررات والحجج التي قد تدفع نتنياهو لعرقلة الوصول لاتفاق".

في موازاة ذلك، أكد خبير عسكري مصري، لـ"العربي الجديد"، أن "تحليل مشاهد دخول الدبابات الإسرائيلية إلى محيط معبر رفح ومحور فيلادلفيا، يكشف عن أنها عملية شكلية، وأن أهدافها ليست السيطرة على المعبر أو المحور"، قائلا إن "لقطات الدبابة أم 113، التي كانت تحمل علمين كبيري الحجم، على الحدود المصرية مع قطاع غزة، كانت بمثابة لقطات دعائية، خصوصاً أن تلك الدبابة، خارج الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1982، ويقتصر دورها في الوقت الحالي على الاستعراضات فقط، ولا يمكنها تنفيذ أي عمليات هجومية أو قتالية".

وفي السياق، قال الخبير العسكري والاستراتيجي، الكاتب الفلسطيني يوسف الشرقاوي، إن "المستويين السياسي والعسكري في حكومة الاحتلال لم يحددا أهدافاً معينة للعملية، كما كان يحدث في السابق، بحيث إذا فشلت العملية، أو أنجز جيش الاحتلال فيها أهدافاً متواضعة، سترضخ الحكومة الإسرائيلية لشروط المقاومة بوقف إطلاق نار مستدام، وتنهي احتلالها لغزة وتوقف الحرب، وتفك الحصار، حتى يتم تكثيف قوافل المساعدات، والبدء بالإعمار".

وأوضح أنه "سيتخلل عملية اجتياح رفح، عمليات عسكرية دقيقة ستقوم بها ألوية النخبة، لكنها ستكون عمليات نوعية ليثبت الاحتلال لجبهته الداخلية أن الجيش استعاد قوة الردع، وأن بإمكانه حسم المعركة في وقت قصير، وأنه أصبح قادراً على حماية الجبهة الداخلية"، مضيفاً أن "العملية العسكرية ستكون مكثفة وباتجاه أهداف محددة تتم مهاجمتها من خلال المناورة بالنار والحركة في أماكن ضيقة، وبغطاء ناري كثيف من الجو والبر والبحر".

وتابع الشرقاوي "في المقابل، ربما ستعتمد المقاومة تكتيكاتها القديمة التي نجحت في مهاجمة وقصف قوات الاحتلال بعد تمركزها في أماكن مكشوفة، وستكون مهاجمتها عند تقدمها عبر المحاور أقرب إلى المشاغلة لأن فارق الميزان كبير ما بين المقاومة وجيش الاحتلال، ولن تتصدى أو تهاجم مجموعات المقاومة أرتال دبابات الاحتلال حين تقدمها لأنها لا تمتلك أسلحة مدفعية طويلة المدى، لذلك ستهاجم آليات وقوات الاحتلال بعد تمركزها في المناطق المنوي احتلالها من قِبَل جيش الاحتلال بالأسلحة المتاحة كـ"آر بي جي 7" وقذائف الياسين 105"."العربي الجديد"