تخفيف تدريجي للسياسة النقدية
اختار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الاحتفاظ بمعدلات الفائدة القصيرة الأجل ضمن نطاق بين 5.25٪-5.50٪، ويعكس هذا القرار الجهود المتواصلة للبنك في مواجهة الضغوط التضخمية التي أصبحت أكثر تحدياً مؤخرًا، بسبب جمودها عند مستويات أعلى من المستهدفة. وعلى الرغم من الجهود المستمرة، لاحظ الاحتياطي الفيدرالي «عدم وجود مزيد من التقدم» في إعادة الضغوط التضخمية إلى هدفها المتمثل في 2٪. يشير ذلك إلى أن التضخم يظل مصدر قلق كبير، مما يدفع الاحتياطي للحفاظ على موقفه الحالي بشأن معدلات الفائدة.
تشير المؤشرات الرئيسية للاحتياطي الفيدرالي إلى أن التضخم يسير بمعدل سنوي يبلغ 2.7%–2.8% عند استبعاد الغذاء والطاقة في المقياس الأساسي الحرج الذي يركز عليه الفيدرالي بشكل خاص كإشارة للاتجاهات على المدى الطويل. في الوقت نفسه، نما الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة أقل من المتوقع بنسبة 1.6% سنويًا في الربع الأول هذا العام، مما أثار مخاوف بشأن إحتمال وقوع حالة ركود تضخمي مع ارتفاع التضخم وبطء النمو.
وبينما بقيت معدلات الفائدة دون تغيير، قامت لجنة السوق المفتوحة للفيدرالي بتخفيف وتيرة تقليص الأصول في الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يُنظر إليه كتخفيف تدريجي للسياسة النقدية. قرار ابطاء وتيرة تقليص رصيد السندات يمثل تحولاً استراتيجياً في السياسة النقدية. يهدف هذا التحرك إلى التخفيف من ضغوط التضييق على الظروف المالية مع مواجهة مخاوف التضخم. ففي برنامج بدأ في يونيو/حزيران 2022 والمعروف بـ «التشديد الكمي»، كان الاحتياطي الفيدرالي يسمح بتدفق نقدي ما يصل إلى 95 مليار دولار شهريًا من عائدات السندات الحكومية وأوراق الرهن العقاري التي تنتهي صلاحيتها كل شهر. أدت هذه العملية إلى تراجع حجم الأصول الموجودة في الاحتياطي الفيدرالي إلى حوالي 7.4 تريليون دولار، أو أقل بمقدار 1.5 تريليون دولار من ذروتها في منتصف عام 2022.
بموجب الخطة الجديدة، سيخفض الاحتياطي الفيدرالي الحد الشهري للسندات الحكومية إلى 25 مليار دولار من 60 مليار دولار. وبذلك سيكون التخفيض السنوي في الأصول 300 مليار دولار، مقارنة بـ 720 مليار دولار منذ بدء البرنامج في يونيو/حزيران 2022. سيظل احتمال تخفيض ممتلكات أوراق الرهن العقاري دون تغيير عند 25 مليار دولار شهريًا، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه إلا في حالات نادرة.
وقد كانت سياسة «التشديد الكمي» إحدى الطرق التي استخدمها الاحتياطي الفيدرالي لتشديد الظروف بعد ارتفاع التضخم، حيث ابتعد عن دوره في ضمان تدفق السيولة من خلال النظام المالي من خلال شراء وحتى تملك كميات كبيرة من الديون الحكومية وديون المؤسسات الحكومية المستقلة. يمكن اعتبار تخفيض التخلص من الأصول في الاحتياطي الفيدرالي إجراء لتخفيف التشدد النقدي بشكل طفيف.
علاوة على ذلك، فان الأمر الذي هدأ من مخاوف الأسواق هو ما أكده رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بأنه وعلى الرغم من التحديات المستمرة التي تثيرها الأسعار المرتفعة بشكل مفرط، فأن الخطوة التالية للفيدرالي «مرجحة» ألا تكون زيادة في معدلات الفائدة. ونعلم أن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة قاموا، في شهر آذار/مارس الماضي، بتوقع إجراء ثلاثة تخفيضات في معدلات الفائدة هذا العام، بفترات فارقة بنسبة ربع نقطة مئوية، ولكن لن يتاح لهم فرصة لتحديث هذا القرار حتى اجتماع 11-12 يونيو/حزيران القادم، والذي سيحدد استمرارية هذه التوجهات بناءً على التطورات الاقتصادية الكلية وخاصة فيما يتعلق باتجاهات معدلات التضخم ومستوياتها.
ونظراً لأن قرارات الفيدرالي مبينة على البيانات الحقيقية والمتوقعة، سيستمر الاحتياطي الفيدرالي بمتابعة البيانات بدقة لتوجيه القرارات المستقبلية بشأن السياسة النقدية، وبنفس الوقت يستمر بتقييم فعالية السياسات الحالية في مواجهة الضغوط التضخمية ودعم النمو الاقتصادي. ويعتبر التواصل الشفاف والواضح من قادة الفيدرالي بشأن توجهات السياسة النقدية واستراتيجياتهم أمر ضروري للحفاظ على استقرار الأسواق وثقة المستثمرين. فيمكن أن تساهم هذه الشفافية في إدارة توقعات السوق بشكل فعال. وهنا يجب التأكيد على أنه من المتوقع أن يبقى الاحتياطي الفيدرالي مرنا في أسلوبه في إدارة دفة السياسة النقدية، والتكيف مع التغيرات في الظروف الاقتصادية المتغيرة. ويشمل ذلك النظر في مجموعة متنوعة من أدوات السياسة النقدية بخلاف معدلات الفائدة لتحقيق أهدافه الثنائية من استقرار الأسعار وتحقيق العمالة الكاملة.
و كما ذكرنا في مقال سابق، كلما سارع الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بتخفيف تشدد السياسة النقدية كلما اقتربنا أكثر في الاردن من امكانية بدء تخفيض اسعار الفائدة محلياً لما لذلك من انعكاسات إيجابية في تحفيز الاقتصاد وزيادة معدلات النمو وخلق فرص عمل أكثر.