ما لم تقله "مينوش" لريك ألين..!
يجري تداول فيديو ملفت من إحدى جلسات الاستجواب التي عقدها الكونغرس لأكاديميين ورؤساء جامعات حول «معاداة السامية» المفترضة في جامعاتهم بسبب الاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين. وفي الحقيقة، تدعو نداءات الطلاب المحتجين إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية للكيان الصهيوني، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية أو للطرد بسبب الاحتجاج. ولا يبدو أن في أي ذلك عداء لسامية ولا غيرها.
يعرض الفيديو حوارا جرى بين النائب الجمهوري الأميركي عن جورجيا، ريك ألين، ورئيسة جامعة كولومبيا مصرية الأصل، نعمت شفيق، التي تلقب بـ»مينوش»، في سياق حملة استجوابات يديرها مجلس النواب الأميركي مع الأكاديميين حول ما يسميه «معاداة السامية». وكان الحوار على النحو التالي:
ريك ألين، (بلهجة تعليمية وبمظهر أستاذ يخاطب تلميذا صغيرا): «إنه شيء واضح جدا. إنه عهد أقامه الله مع إبراهيم. وكان ذلك العهد واضحا حقا. إذا باركت إسرائيل سوف أباركُك. وإذا لعنتَ إسرائيل، فسوف ألعنُك. ثم في «العهد الجديد»، تم التأكيد على أن كل الأمم ستكون مباركة من خلالِك (إبراهيم). وإذن، لم تكوني تعرفين عن ذلك».
مينوش: «نعم، لقد سمعت هذا من قبل، وقد سمعتُه الآن بعد أن فسرتَه. نعم، لقد سمعتُ هذا من قبل،
وأصبحَ مألوفا الآن».
ألين، (بابتسامة المنتصر): «إنه كذلكَ بالنسبة لي. هل تعتبرين هذا قضية جدية؟ أعني، هل تريدين لجامعة كولومبيا أن تكون ملعونة من الله؛ من رب الإنجيل؟
مينوش، بخنوع: «بالتأكيد لا». (تضحك بخرَق، ويَضحك هو بانتصار).
ألين: «حسنًا، هذا جيد». (يضحك ويلوح بيديه).
***
من نافلة القول أن أداء «مينوش» كان مخيبًا جدًا. كان أكاديميون ورؤساء جامعات آخروهن أكثر منها شجاعة ووفاء للمبادئ ولم يوقفهم فقدان الوظيفة أو المنصب عن الالتزام بالحق. وجامعة كولومبيا هي جامعة إدوارد سعيد الذي كان نموذجًا لصمود المثقف أمام محاولات التخويف. لكن «مينوش» افتتحت تعليقها في استجواب الكونغرس بقولها: »معاداة السامية ليس لها مكان في حرمنا الجامعي، وأنا شخصيًا ملتزمة ببذل كل ما بوسعي لمواجهتها مباشرة». ثم أكدت فكرتها في رسالة مفتوحة إلى أسرة جامعة كولومبيا، كتبت فيها: «اللغة المعادية للسامية، حالها حال أي لغة أخرى تستخدم لإيذاء وتخويف الناس، غير مقبولة وسيتم اتّخاذ إجراءات مناسبة».
ولم تكتفِ شفيق باعترافها بأن نشاط طلبتها في كولومبيا هو «معاداة للسامية» وشيء ينبغي التنصل منه، فاستدعت شرطة نيويورك التي هدمت «مخيم غزة» الرمزي المتضامِن مع فلسطين في حرم الجامعة، واعتقلت نحو 100 طالب. وكان ينبغي أن تستغل هذه الأكاديمية ذات الأصول العربية الاستجواب لانتقاد تحريف «معاداة السامية» لتبرير ودعم الاحتلال والإبادة الجماعية. وفي النهاية، لم يحمها موقفها المستسلم من هجوم النواب الجمهوريين الذين قالوا إن أفعالها لا تدعم كلماتها، وطالبوها بالاستقالة إن لم تضبط جامعتها.
**
لا أحد يمكن أن يكون مكان أحد، لكنني تصورتُ ما كان يمكن أن تقوله نعمت شفيق للنائب المتغطرس ريك ألين عندما استخدم التوراة والإنجيل لتخويفها. تصورتُ أنها كان يمكن أن تقول شيئًا من قبيل:
«سيد ألين. أنتَ حرّ في ما تؤمن به. ولكن، بما أنك احتججتَ بكتاب مقدس لتوصل لي فكرتك. اسمح لي أن احتج بكتاب مقدس أيضًا لأوصل لك فكرة. ولا أتصورُ أنك ستكذِّبُ كتابًا مقدسًا وأنت تحتج بكتاب مقدس. يقول القرآن في سورة المائدة، هذا شيء واضح جدًا: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون﴾. ويقول أيضًا في سورة الحشر: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾. لم تكن تعرف؟ الآن أصبحت تعرف. هل ترى هذا قضية جدية، هل ترى أن بني إسرائيل يُلعنون مثل كل أحد آخر عندما يعصون ويعتدون؟
«لم أكن لأستخدم هذه اللغة التي لا يجوز استخدامها هنا –فقط لو أنك تذكرتَ أنك تتحدث إلى أكاديمية. هذه الأشياء يمكنك أن تقولها للأولاد في البيت أو في كنيستك أو كنيسك. لكنك تستخف بي وترى نفسك في موقف يجيز لك أن تحاضِر بي بعقائدك. لو كانت أطروحتك صحيحة فلا حاجة إلى كل هذه الأشياء التي يقدّرها بلدُنا أنا وأنت: الدستور، الحرية، القانون الدولي، حقوق الإنسان، منع الإبادة الجماعية، وإنهاء الاستعمار. نحن مواطنون في بلد يُفترض أنه يقود العالم نحو هذه القيم.
«نحن، يا سعادة النائب، أمام قضية حرية التعبير والاحتجاج السلمي، المكفولَين في الدستور الأميركي، ولسنا في مناظرة دينية. لا يجوز لك الإسناد إلى نص من غير الدستور للمصادرة على رأيي وآراء الأميركيين. إن خطابك يجعل أميركا ثيوقراطية -نفس الصفة التي تستخدمها أنت وحزبك عندما تشيطنون إيران أو أفغانستان أو أي دولة شرق أوسطية دستورها الكتاب المقدس؛ إنها ثيوقراطيات. هل تعرف أن هذا هو ما تفعله؟ الآن تعرف.
«و، هل كنت لأقف في هذا الموقف لو كان الذين يحتجون في حرم جامعتي مؤيدين لإسرائيل، حتى بينما ترتكب ما اعتبرته محكمة العدل الدولية، بشكل معقول، إبادة جماعية؟ إن طلابي يحتجون ضد الحرب – ليس ضد اليهود وإنما ضد الصهيونية الإبادية. وهل تظن أن منصبك يجعلك تعرف أكثر مني ومن غيري عن الصواب والخطأ؟ هل تحاكمني على أساس نصوص تفسرها كيفما تشاء؟ هل تقول لي يا سعادة النائب أن الله يبارك ما يعرفه كل العالم على أنه إبادة جماعية وانتهاك لحقوق الإنسان إذا ارتكبته جماعة معينة منحها حصانة حصرية. هل تقول لي أن محكمة العدل الدولية ملعونة من رب الإنجيل لأنها حكمت بجواز اعتبار أعمال إسرائيل في فلسطين إبادة جماعية تستحق الإدانة؟ بالمناسبة، الفلسطينيون أيضًا من أبناء إبراهيم وأديانهم إبراهيمية، المسيحية والإسلام، إذا كان ذلك يهمك.
«سيدي النائب. لا يجوز أن يُسمع هذا النوع من الخطاب في هذا المكان الذي ينبغي أن يكون الحارس على حكم القانون وليس «مرتعًا للتطرف الديني والكراهية» كما تصفون جامعتي. إذا كانت هذه هي الطريقة التي تهددني بها بفقدان منصبي، فإنني أدين لغة التخويف التي تخاطبني بها أيضًا ولا يهمني المنصب. لقد شبعتُ من المناصب كما تعرف. نعم سيدي النائب. لقد سمعت ما قلته عن الإعفاء الإلهي لبني إسرائيل حتى بينما يحتلون أوطان الآخرين ويبيدونهم بشكل جماعي. ولم أقتنع. شكرًا سيدي النائب».
**
لم تقل «مينوش» شيئًا يضيف إلى كرامة الأكاديميين ويدافع عن حرية الرأي الموقف. لكنها خدمت، من حيث لا تحتسب، القضية الفلسطينية حين ساهم خوفها من السلطة في تفجير انتفاضة طلابية على مستوى جامعات الولايات المتحدة.
ريك ألين، (بلهجة تعليمية وبمظهر أستاذ يخاطب تلميذا صغيرا): «إنه شيء واضح جدا. إنه عهد أقامه الله مع إبراهيم. وكان ذلك العهد واضحا حقا. إذا باركت إسرائيل سوف أباركُك. وإذا لعنتَ إسرائيل، فسوف ألعنُك. ثم في «العهد الجديد»، تم التأكيد على أن كل الأمم ستكون مباركة من خلالِك (إبراهيم). وإذن، لم تكوني تعرفين عن ذلك».
مينوش: «نعم، لقد سمعت هذا من قبل، وقد سمعتُه الآن بعد أن فسرتَه. نعم، لقد سمعتُ هذا من قبل،
وأصبحَ مألوفا الآن».
ألين، (بابتسامة المنتصر): «إنه كذلكَ بالنسبة لي. هل تعتبرين هذا قضية جدية؟ أعني، هل تريدين لجامعة كولومبيا أن تكون ملعونة من الله؛ من رب الإنجيل؟
مينوش، بخنوع: «بالتأكيد لا». (تضحك بخرَق، ويَضحك هو بانتصار).
ألين: «حسنًا، هذا جيد». (يضحك ويلوح بيديه).
***
من نافلة القول أن أداء «مينوش» كان مخيبًا جدًا. كان أكاديميون ورؤساء جامعات آخروهن أكثر منها شجاعة ووفاء للمبادئ ولم يوقفهم فقدان الوظيفة أو المنصب عن الالتزام بالحق. وجامعة كولومبيا هي جامعة إدوارد سعيد الذي كان نموذجًا لصمود المثقف أمام محاولات التخويف. لكن «مينوش» افتتحت تعليقها في استجواب الكونغرس بقولها: »معاداة السامية ليس لها مكان في حرمنا الجامعي، وأنا شخصيًا ملتزمة ببذل كل ما بوسعي لمواجهتها مباشرة». ثم أكدت فكرتها في رسالة مفتوحة إلى أسرة جامعة كولومبيا، كتبت فيها: «اللغة المعادية للسامية، حالها حال أي لغة أخرى تستخدم لإيذاء وتخويف الناس، غير مقبولة وسيتم اتّخاذ إجراءات مناسبة».
ولم تكتفِ شفيق باعترافها بأن نشاط طلبتها في كولومبيا هو «معاداة للسامية» وشيء ينبغي التنصل منه، فاستدعت شرطة نيويورك التي هدمت «مخيم غزة» الرمزي المتضامِن مع فلسطين في حرم الجامعة، واعتقلت نحو 100 طالب. وكان ينبغي أن تستغل هذه الأكاديمية ذات الأصول العربية الاستجواب لانتقاد تحريف «معاداة السامية» لتبرير ودعم الاحتلال والإبادة الجماعية. وفي النهاية، لم يحمها موقفها المستسلم من هجوم النواب الجمهوريين الذين قالوا إن أفعالها لا تدعم كلماتها، وطالبوها بالاستقالة إن لم تضبط جامعتها.
**
لا أحد يمكن أن يكون مكان أحد، لكنني تصورتُ ما كان يمكن أن تقوله نعمت شفيق للنائب المتغطرس ريك ألين عندما استخدم التوراة والإنجيل لتخويفها. تصورتُ أنها كان يمكن أن تقول شيئًا من قبيل:
«سيد ألين. أنتَ حرّ في ما تؤمن به. ولكن، بما أنك احتججتَ بكتاب مقدس لتوصل لي فكرتك. اسمح لي أن احتج بكتاب مقدس أيضًا لأوصل لك فكرة. ولا أتصورُ أنك ستكذِّبُ كتابًا مقدسًا وأنت تحتج بكتاب مقدس. يقول القرآن في سورة المائدة، هذا شيء واضح جدًا: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون﴾. ويقول أيضًا في سورة الحشر: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾. لم تكن تعرف؟ الآن أصبحت تعرف. هل ترى هذا قضية جدية، هل ترى أن بني إسرائيل يُلعنون مثل كل أحد آخر عندما يعصون ويعتدون؟
«لم أكن لأستخدم هذه اللغة التي لا يجوز استخدامها هنا –فقط لو أنك تذكرتَ أنك تتحدث إلى أكاديمية. هذه الأشياء يمكنك أن تقولها للأولاد في البيت أو في كنيستك أو كنيسك. لكنك تستخف بي وترى نفسك في موقف يجيز لك أن تحاضِر بي بعقائدك. لو كانت أطروحتك صحيحة فلا حاجة إلى كل هذه الأشياء التي يقدّرها بلدُنا أنا وأنت: الدستور، الحرية، القانون الدولي، حقوق الإنسان، منع الإبادة الجماعية، وإنهاء الاستعمار. نحن مواطنون في بلد يُفترض أنه يقود العالم نحو هذه القيم.
«نحن، يا سعادة النائب، أمام قضية حرية التعبير والاحتجاج السلمي، المكفولَين في الدستور الأميركي، ولسنا في مناظرة دينية. لا يجوز لك الإسناد إلى نص من غير الدستور للمصادرة على رأيي وآراء الأميركيين. إن خطابك يجعل أميركا ثيوقراطية -نفس الصفة التي تستخدمها أنت وحزبك عندما تشيطنون إيران أو أفغانستان أو أي دولة شرق أوسطية دستورها الكتاب المقدس؛ إنها ثيوقراطيات. هل تعرف أن هذا هو ما تفعله؟ الآن تعرف.
«و، هل كنت لأقف في هذا الموقف لو كان الذين يحتجون في حرم جامعتي مؤيدين لإسرائيل، حتى بينما ترتكب ما اعتبرته محكمة العدل الدولية، بشكل معقول، إبادة جماعية؟ إن طلابي يحتجون ضد الحرب – ليس ضد اليهود وإنما ضد الصهيونية الإبادية. وهل تظن أن منصبك يجعلك تعرف أكثر مني ومن غيري عن الصواب والخطأ؟ هل تحاكمني على أساس نصوص تفسرها كيفما تشاء؟ هل تقول لي يا سعادة النائب أن الله يبارك ما يعرفه كل العالم على أنه إبادة جماعية وانتهاك لحقوق الإنسان إذا ارتكبته جماعة معينة منحها حصانة حصرية. هل تقول لي أن محكمة العدل الدولية ملعونة من رب الإنجيل لأنها حكمت بجواز اعتبار أعمال إسرائيل في فلسطين إبادة جماعية تستحق الإدانة؟ بالمناسبة، الفلسطينيون أيضًا من أبناء إبراهيم وأديانهم إبراهيمية، المسيحية والإسلام، إذا كان ذلك يهمك.
«سيدي النائب. لا يجوز أن يُسمع هذا النوع من الخطاب في هذا المكان الذي ينبغي أن يكون الحارس على حكم القانون وليس «مرتعًا للتطرف الديني والكراهية» كما تصفون جامعتي. إذا كانت هذه هي الطريقة التي تهددني بها بفقدان منصبي، فإنني أدين لغة التخويف التي تخاطبني بها أيضًا ولا يهمني المنصب. لقد شبعتُ من المناصب كما تعرف. نعم سيدي النائب. لقد سمعت ما قلته عن الإعفاء الإلهي لبني إسرائيل حتى بينما يحتلون أوطان الآخرين ويبيدونهم بشكل جماعي. ولم أقتنع. شكرًا سيدي النائب».
**
لم تقل «مينوش» شيئًا يضيف إلى كرامة الأكاديميين ويدافع عن حرية الرأي الموقف. لكنها خدمت، من حيث لا تحتسب، القضية الفلسطينية حين ساهم خوفها من السلطة في تفجير انتفاضة طلابية على مستوى جامعات الولايات المتحدة.