خاص "رقمنة الخرافة"... كتب غامضة وتطبيقات "مشبوهة" تروّج للسّحر في مصر
في بحث سريع عبر "فايسبوك ماركت بليس"، وتحديد نطاق جغرافي ضيق داخل القاهرة على سبيل المثال، تظهر لك عشرات الإعلانات الحديثة النشر عن كتب في مجال السحر والروحانيات معروضة للبيع بأسعار متفاوتة.
اقتناء هذه الكتب التي يعود تاريخ تأليف بعضها لقرون مضت، كان أمراً سرياً ومحدوداً للغاية، ويعد عرضها للبيع في العلن عبر الإنترنت، تحولاً لافتاً في هذا المجال المجرَّم في مصر. أما الأمر غير المسبوق، فهو ما يمكن أن نسميه "الرقمنة" أو التحول الرقمي الملحوظ لهذا المجال المليء بالخرافات والدجل وعمليات النصب.
وتشمل عملية "الرقمنة" تحويل بعض أشهر الكتب في هذا المجال، مثل "شمس المعارف الكبرى ولطائف العوارف"، و"كتاب ديك الجن في الأبواب والفوائد الروحانية" وغيرهما إلى نسخ إلكترونية، وبيعها بأسعار زهيدة مقارنة بالنسخ الورقية التي قد يتجاوز سعر بعضها 10 آلاف جنيه مصري (نحو 210 دولارات)، أو إتاحتها للتحميل مجاناً. وبحسب الأرقام الواردة في بعض مواقع التحميل المجاني فقد تمّ تنزيل تلك الكتب آلاف المرات.
انتشرت إعلانات بيع كتب السحر على نطاق واسع عبر الإنترنت. (النهار العربي)
أيضاً يشمل التحول اتخاذ بعض الأشخاص ممن يدعون ممارستهم للسحر والأعمال الخارقة للعادة، الإنترنت مركزاً للترويج لأنفسهم، وللتواصل مع زبائنهم، ونشر البعض لأرقام هواتفهم في الإعلانات، على رغم علمهم أن هذا النشاط يعاقب عليه قانوناً، غالباً بتهمة النصب، حيث لا تشريع صريحاً يجرم ممارسة السحر.
تحور الخرافة
يبدو غريباً بقاء الكثير من الخرافات في عصرنا الحديث، بل وانتعاشها في بعض الفترات، لكن الأكثر غرابة هو تحورها وتوافقها مع وسائط عصر تكنولوجيا المعلومات، واستخدامها التقنيات الحديثة لاستهدافها مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة المصرية - اليابانية الدكتور سعيد صادق لـ"النهار العربي": "مع انتشار الجهل والتطرف والفقر يلجأ بعض الناس لحلول سحرية لأمراضهم وحظهم العاثر في الحياة".
ويشير عالم الاجتماع إلى أن وجود هذه العوامل (أي الجهل والتطرف والفقر)، يشجع بعض الناس على اللجوء للخرافات وقوى ما وراء الطبيعة، حتى في ظل تطور العلوم والذكاء الاصطناعي، واستخدامهم للهواتف الذكية وأحدث تقنيات العصر.
ويؤكد صادق أنه "بما أن هناك خرافات عن الماضي، ومبالغة فيها، يلجأ هؤلاء الناس لتلك الكتب والممارسات".
يستخدم بعض الأشخاص الإنترنت للترويج لأنفسهم ويدعون قدرتهم على السحر وحل أعقد المشكلات. (النهار العربي)
لماذا انتشرت كتب السحر؟
يقول الباحث المستقل في مجال الميتافيزيقيا والروحانيات مجدي رمضان لـ"النهار العربي": "إن انتشار كتب السحر بهذا الشكل، في الآونة الأخيرة، يعود في الغالب إلى انتقال ملكيتها عن طريق الميراث لبعض الأشخاص من أجدادهم أو آبائهم، ومن ثم فهم يسعون إلى بيعها وجني أرباح منها، فهي أغلى ثمناً دون شك من الكتب التقليدية، وساهم الإنترنت في ذياع صيتها والترويج لها".
ويضيف: "ربما كان هؤلاء الأجداد أو الآباء يمارسون السحر في السر بعيداً من أبنائهم، أو ورثوا الممارسة هم أيضاً عن أسلافهم ولم يرغبوا في بيعها أو إطلاع أبنائهم عليها، خشية الإضرار بهم إذا حاولوا استخدامها في تحضير الجن".
ويشير الباحث إلى أن "البعض يعتقد أنه إذا تم تحضير الجن دون العلم بطريقة صرفه، فإنه يؤذيه. وهذا يحدث رغم أن معظم الكتب المتداولة في الأسواق المصرية محرفة عمداً أو غير حقيقية، فكتاب شهير مثل "شمس المعارف" لم نر مخطوطته الأصلية، وربما تم ابتداعه من الأساس أو أخفيت المخطوطة الأصلية عمداً، لا أحد يعرف".
الكثير من تلك الكتب تدور بشأنها الأساطير، ما يرفع قيمتها لدى المقتنعين بقدرة نصوصها على تحضير الجن، أو تنفيذ الأسحار، ويسهل على بعض الأشخاص النصب على الراغبين في اقتنائها.
وعن هذا يقول رمضان: "ثمة الكثير من الأساطير والأكاذيب التي تحيط بتلك الكتب، ولا نعلم على وجه الدقة أيها حقيقي وأيها كاذب. على سبيل المثال ثمة كتاب اسمه "العزيف" وهو أخطر كتب السحر المعروفة على الإطلاق، ويقال إن مخطوطته الأصلية صنعت من جلد الإنسان".
الكتب المتداولة غير موثوق بمصدرها ومع هذا يؤمن البعض بقدرتها على تسخير الجن. (النهار العربي)
ويضيف: "هذا الكتاب ليس متداولاً مثل الكتب الرائجة الأخرى، ولا توجد منه نسخة حقيقة باللغة العربية، بالرغم من أن مؤلفه يمني الجنسية، ويقال إن جنياً هو من علمه الطلاسم الموجودة بالكتاب، وأن اليهود جمعوا النسخ المكتوبة بالعربية، وتم حرقها جميعاً، ثم أصدرت نسخة لاتينية، وأحرقت أيضاً، لقد تم إحراقه مرات عدة، والآن ما نعلمه أنه لا يوجد منه سوى نسخة واحدة باللغة العبرية".
طلب متزايد
لا يأتي رواج كتب السحر في الآونة الأخيرة بسبب توفر نسخها وانتقالها عن طريق الميراث أو بسبل أخرى إلى أيدي بعض الأشخاص، لكن لأن هناك من يبحثون عن نسخ أصلية من تلك الكتب، ولا يطمئنون للنسخ الرقمية المتداولة على الإنترنت بأسعار مخفضة أو مجاناً.
ويقول مدير مكتبة "شراع" المتخصصة في بيع الكتب النادرة والمستعملة عبد التواب سلامة لـ"النهار العربي": "بحكم عملي في شراء المكتبات والكتب القديمة، كثيراً ما يقصدني من يبحثون عن كتب السحر".
ويضيف: "الباحثون عن هذه الكتب أنماط مختلفة من الناس: إما من يتعاطون العمل بالدجل والسحر والشعوذة، أو بعض القراء والمثقفين الذين سمعوا بهذه الكتب فأرادوا الاطلاع عليها، كما استجد علينا نمط ثالث من الباحثين عن هذه الكتب".
والفئة المستجدة، حسبما يشير مدير المكتبة "هم المراهقون الذين سمعوا بهذه الكتب من بعض الروايات الموجهة لهذه الفئة بالأساس. بعض تلك الروايات تكون التيمة التشويقية لها تعتمد على كتاب سحر، فيبدأ قراء هذه الروايات في البحث عن كتب السحر المذكورة في هذه الروايات بالإسم، مدفوعين بفضول قاتل وخطير".
ويشير سلامة إلى أن بعض المكتبات "المشبوهة"، كما يصفها، "تنصب على قرائها بطباعة مثل هذه الكتب وتبيع منها نسخاً كثيرةً جداً. هذه النسخ تكون مزيفة ولا قيمة لها سوى النصب على المتهافتين عليها، وهم يلجأون لبعض الحيل في ذلك، مثل طباعتها على ورق قديم لإيهام الناس أنها كتب عتيقة وأصلية".
ويؤكد مدير مكتبة "شراع" أنه لا يتعامل في بيع هذه النوعية من الكتب، ويقول: "بالنسبة لي لا أشتريها ولا أبيعها ولا أدل عليها، مهما كان العائد المادي المتوقع منها، لحرمة بيع كتب السحر في الدين الإسلامي".
كانت ممارسة السحر أمراً يتم سرّاً في الماضي. (النهار العربي)
اشتهار الكتب
كان مدخل مجدي رمضان للاهتمام بعالم الميتافيزيقيا والسحر والروحانيات هو عمله في إحدى مكتبات الكتب المستعملة، وكان هذا قبل أكثر من 25 عاماً، وعن هذا يقول الباحث: "كان بعض الأشخاص يأتون ويطلبون مني كتباً مثل "شمس المعارف" وغيرها، ولم تكن تلك الكتب معروفة بالإسم مثل أيامنا هذه".
ويحكي رمضان أنه كان يبيع تلك الكتب بأسعار رخيصة، على أساس أنها كتب مستعملة: "الأشخاص الذين كانوا يشترون هذه الكتب لم يكونوا يصرحون بحقيقة أنها كتب لتحضير الجن، ولكن الفضول تملكني بعد رؤيتي لها، وبدأت في الاهتمام بهذا المجال والبحث عن جذور تلك الكتب".
وعن أسعارها المرتفعة، يقول الباحث: "لا أسعار محددة لهذه الكتب، ومن ثم فهذا يشجع بعض من يمتلكونها على تحديد أسعار باهظة للنصب على المشترين قدر إمكانهم، وهي في الأساس كتب مزورة وليست حقيقية، ولكن لأننا لا نملك مخطوطات لأي منها، فليس لدينا القدرة على مقارنة النصوص الأصلية بما يتم تداوله في الأسواق".