المطبخ العالمي في غزة يثير التساؤلات بعد تقديمه وجبات مجانية لجيش الاحتلال
بينما يقدم "المطبخ المركزي العالمي" وجبات غذائية إغاثية في قطاع غزة، فإنه في الوقت ذاته يقدّم دعماً لمطاعم إسرائيلية عدة لتوزيع وجبات داخل الأراضي المحتلة، وبعض هذه المطاعم، التي تتبعَ "عربي بوست" نشاطها، قدمت جزءاً من وجباتها الغذائية إلى جنود بجيش الاحتلال الذي يخوض حرباً على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، ويفرض عليه حصاراً مطبقاً.
على موقعه الإلكتروني يتحدث "المطبخ العالمي" عن أن فريقه يعمل مع "شبكة قوية من المطاعم المحلية" في إسرائيل، إضافة إلى العمل مع شركاء محليين، من أجل تقديم "الطعام لآلاف من الإسرائيليين"، وهم المستوطنون، الذين غادروا مستوطنات حدودية عقب الهجوم الذي شنته فصائل فلسطينية على منطقة غلاف غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجراء التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني.
على الرغم من أن نشاطات "المطبخ المركزي العالمي" تظهر أنها مقتصرة على تقديم الدعم للمدنيين المتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية، فإن قراره بالشراكة مع مطعمين إسرائيليين ودعمهما، رغم إعلانهما الواضح لجيش الاحتلال وتقديمهما وجبات لجنوده، يثير أسئلة عدة.
"عربي بوست" وجّه مجموعة من الأسئلة إلى إدارة "المطبخ المركزي العالمي"، من بينها سؤال حول سبب قراره الدخول في شراكة مع مطاعم إسرائيلية ودعمها رغم موقفها الداعم لجيش الاحتلال الذي يخوض الحرب على غزة، إلا أن إدارة المطبخ لم تجِب عن أسئلتنا حتى لحظة كتابة هذه السطور، رغم إرسالنا الأسئلة منذ أيام.
وذاع صيت "المطبخ المركزي العالمي" في الشرق الأوسط، بعدما بدأ بتوزيع الطعام داخل غزة، وأقام في القطاع نحو 60 مطبخاً لتقديم الوجبات الغذائية للسكان، ويقول المطبخ إنه يقدم 175 ألف وجبة يومياً، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان غزة نحو 2.3 مليون نسمة.
مطعم أسسته مجندة سابقة بالجيش
يُعد مطبخ Citrus & Salt الإسرائيلي، من بين أبرز الشركاء المحليين لـ"المطبخ المركزي العالمي"، وأسس هذا المطبخ الإسرائيلي ما سمّاه "مطبخ المواطن" (CITIZEN'S KITCHEN)، والذي يتولى مهمة توزيع الوجبات الإغاثية على الإسرائيليين، بما في ذلك الوجبات التي تذهب إلى جنود بالجيش.
تأسيس "مطبخ المواطن" جاء في الأساس عقب بدء الحرب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحت مهمة أساسية هي تقديم الطعام للجنود والنازحين الإسرائيليين، بحسب ما أعلنه المطعم نفسه، ويعود المطبخ إلى شقيقتين إسرائيليتين أصولهما أمريكية، وهما "أليا فاستمان" التي سبق أن كانت جندية في الجيش الإسرائيلي، وشقيقتها "شندل ديفيس".
منذ تأسيسه أعلن "مطبخ المواطن" عن دعمه الصريح على حساباته في شبكات التواصل للجيش الإسرائيلي، ونشر العديد من الفيديوهات والصور التي تظهر تحضيره وجبات الطعام للجنود، وذلك قبل أن يدخل "المطبخ المركزي العالمي" في شراكة مع المطعم، ما يؤشر إلى أن دعم المطعم الإسرائيلي للجنود لم يكن مخفياً أو مبهماً.
كذلك يحتوي ملف تعريفي بالمطبخ الإسرائيلي منشور على موقعه الإلكتروني، على إشارة واضحة إلى أنه يقدم دعماً للجنود الإسرائيليين.
في يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشر المطبخ الإسرائيلي أول فيديوهاته لإعداد طعام لجنود بجيش الاحتلال، وطلب المطبخ تقديم دعم لأعماله، وفي منشور على حساب المطبخ في موقع إنستغرام نُشر يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، طلب المطبخ الإسرائيلي التبرع علناً لإطعام الجنود الإسرائيليين، مشيراً إلى أنه بحاجة للدعم المادي الذي يمكنه من إطعام وحدات عسكرية بأكملها في جيش الاحتلال.
وفي مقطع فيديو نشره المطبخ الإسرائيلي على حسابه في إنستغرام يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يظهر مجموعة من الجنود الإسرائيليين، وهم يمسكون بالوجبات التي أعدها المطعم ويوجهون شكراً له، وفي فيديو آخر نشره المطبخ يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول يظهر تناول جنود إسرائيليين لوجبات أعدها المطعم.
وطوال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 توالت منشورات المطعم على شبكات التواصل الداعمة للجيش الإسرائيلي، ثم أعلن المطبخ الإسرائيلي يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أنه دخل في شراكة مع "المطبخ المركزي العالمي"، وذكر أن هذه الشراكة ستساهم في "إطعام المزيد من العائلات الإسرائيلية"، في إشارة لعائلات المستوطنات.
موقع "تايمز أوف إسرائيل" أشار خلال حديثه عن الشراكة بين المطبخ الإسرائيلي و"المطبخ المركزي العالمي"، إلى أن الأخير يقدم دعماً لوجستياً ومادياً أيضاً، وأضاف الموقع أن "المطبخ المركزي" يغطي تكاليف الطعام المصنوع للمدنيين (الذين نزحوا من المستوطنات)، وأن الطعام الذي يتم طهيه للجنود يتم التعامل معه من قبل المطبخ الإسرائيلي، الذي يجمع تبرعات لتغطية تكاليفه.
عقب إعلان الشراكة، بدأ مسؤولون وعاملون في المطبخ الإسرائيلي يرتدون ملابس الطبخ وعليها شعار "المطبخ المركزي العالمي"، وسأل "عربي بوست" المطبخ المركزي عما إذا كانت لديه آلية تضمن ألا يؤدي دعمه للمطبخ الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال إلى إطعام الجنود أو المساهمة باستمرار توفير الطعام لديهم، ولم يجِب المطبخ على سؤالنا.
كذلك لم يجب "المطبخ المركزي العالمي" على سؤالنا، حول ما إذا كان يجري بحثاً عن الجهات التي يدعمها قبل أن يتخذ قراره بمساندتها والدخول في شراكات معها، ولم يجب أيضاً على هذا السؤال.
ويظهر نشاط المطبخ الإسرائيلي أنه واصل نشر فيديوهات وصور تظهر إعداده طعاماً للجنود الإسرائيليين حتى بعد إعلان الشراكة مع "المطبخ المركزي العالمي"، بما في ذلك، فيديو تظهر فيه مؤسسة المطبخ الإسرائيلي وهي تُعد الطعام للجنود بنفسها، فيما يواصل "المطبخ المركزي العالمي" دعمه للمطبخ الإسرائيلي حتى اليوم.
وتشير تقارير إلى أن "المطبخ المركزي العالمي لديه شراكات مع 20 مطعماً إسرائيلياً و8 شركات لتقديم الطعام في جميع أنحاء إسرائيل"، بحسب تعبيرها.
هنالك مطعم إسرائيلي آخر، رصد "عربي بوست" نشاطه، وتبيّن أنه هو الآخر كان يقدم وجبات طعام إلى جنود بجيش الاحتلال، ويحظى المطعم الآن بشراكة ودعم من قبل "المطبخ العالمي المركزي".
هذا المطعم يُطلق عليه "هاتشيم"، وعلى نحو مشابه للمطبخ الإسرائيلي Citrus & Salt، أنشئ مطعم لإعداد وجبات طعام للجنود وللمستوطنين الذين غادروا منازلهم، وسُمي "الإخوة".
يُشير المطعم في منشور له على حسابه في فيسبوك إلى أنه بدءاً من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحول إلى مطبخ لإعداد الطعام للجنود، وأنه منذ ذلك التاريخ بدأ يطلب المساعدة من المتطوعين للانضمام إليه، وعقب أسابيع من تقديمه الطعام للجنود يقول المسؤولون عن المطعم إن الجيش طلب منهم التوقف عن نقل الطعام لجنوده لأسباب تتعلق بالمعايير.
من صفحة مطبخ "هاتشيم" على فيسبوك – فيسبوك
وعلى الموقع الرسمي لـ"المطبخ المركزي العالمي" ذكر المطبخ شراكته مع مطعم "هاتشيم"، ونشر صوراً لأنشطته مع شركاء محليين إسرائيليين آخرين، من بينهم رئيسة كيبوتس، تؤوي نازحين إسرائيليين من المستوطنات الحدودية.
المطبخ العالمي في غزة يثير تساؤلات
تأسس المطبخ المركزي العالمي في عام 2010، من قبل الطباخ الإسباني – الأمريكي خوسيه أندريس، والذي كانت له مواقف متضاربة حيال الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في بداية الحرب على غزة، هاجم أندريس وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية السابقة، إيوني بيلارا، وذلك بعدما أدانت في تغريدة لها، جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، من خلال القصف المكثف، وقطع المياه والكهرباء، ومنع المساعدات.
ردّ أندريس حينها على الوزيرة،وقال في تغريدةإن "إسرائيل تدافع عن مواطنيها"، وطلب أندريس حينها من رئيس الوزراء الإسباني أن يقيل الوزيرة بيلارا كعقاب لها على تصريحاتها التي قالتها عن إسرائيل.
وانتقد أندريس إسرائيل بعد قتلها 7 من موظفي المطبخ في غزة بداية أبريل/نيسان 2024، وأكد أن قتل الموظفين لم يكن خطأً وفق ما تروّج له إسرائيل، بل بشكل ممنهج، وقال أيضاً في تصريحات يوم 2 أبريل/نيسان 2024، إن هجوم غزة لا يستهدف منظمتنا فقط؛ بل المنظمات الإنسانية ويظهر استخدام إسرائيل الغذاء سلاح حرب، وفقاًلوكالة الأناضول.
إلا أن أندريس وبعد يومين من هذا التصريح، نشر مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، وكانت نبرته إيجابية اتجاه إسرائيل، إذ قال: "نحن نعرف الإسرائيليين.. الإسرائيليون في أعماق قلوبهم يعرفون أن الغذاء ليس سلاح حرب"، بحسب تعبيره.
كان سماح إسرائيل لـ"المطبخ المركزي العالمي" بالعمل في غزة دون غيره، قد جاء بالتزامن مع حملة غربية تهدف إلى إضعاف دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا" التي تعمل في غزة.
ومن اللافت أيضاً تمكن المطبخ العالمي من إيصال المساعدات بحراً وجواً وبراً في غزة، إلى جانب السماح له بإنشاء لسان بحري في منطقة البيدر في غزة، ورصيف بحري عائم في خان يونس، بحسب ما كشفهتقرير سابق لـ"عربي بوست"، وهو ما أثار تكهنات حول محاولات أمريكية لجعل المطبخ العالمي بديل الأونروا في غزة.