الجزائر تسرّع تشييد مدينة برلمانية جديدة... والمقرّات التاريخية تتحوّل متاحف

تستعد الجزائر لإطلاق مشروع إنجاز المدينة البرلمانية التي تضم مقرات جديدة للغرفتين المشكلتين للسلطة النيابية في البلاد، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.

وقدم وزير الإسكان الجزائري، قبل عام من الآن، في اجتماع للحكومة، عرضاً للمشروع الذي تحدثت عنه الحكومة قبل نحو 10 سنوات، غير أنه تم تجميده آنذاك لأسباب عدة، أبرزها سياسة التقشف التي انتهجتها حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بدءاً من 2014.
 
وأمر الرئيس الحالي عبد المجيد تبون عام 2022 برفع التجميد عن المشروع.
 
وستقام المدينة البرلمانية في منطقة العناصر (الرويسو سابقاً) في بلدية حسين داي، على بعد كيلومترات قليلة من وسط العاصمة الجزائر، وإلى جوار مجلس القضاء ومبنى الإدارة العامة للميترو على واجهة البحر الأبيض المتوسط، لتكون بذلك محور أهم مدن العاصمة الجزائرية وبلدياتها.
 
المخطط الهندسي
وقبل 6 أشهر عُرض المشروع في مكاتب الدراسات المعتمدة، ونوقشت التصاميم بأبعادها الهندسية والفكرية مع ضرورة إبراز الطابع المعماري الجزائري.
وتضم المدينة، بالإضافة إلى غرفتي البرلمان، مقرات إدارية وفندقاً ومكتبة تحاكي مكتبة الكونغرس الأميركي وفق نمط معماري جزائري مغاربي أندلسي.
 
 
وتحاول الحكومة استكمال المشروع قبل نهاية ولاية النواب البرلمانيين الحاليين في حزيران (يونيو) 2026، لذا فهي تعمل على قدم وساق للانطلاق في الإنجاز خلال الصيف المقبل مع تسريع وتيرة الأشغال لتسلم المقرات الجديدة لولاية 2026-2031.
 

100 مليون دولار
ورغم عدم حديث الحكومة عن الموازنة التي تم تخصيصها لإنجاز المشروع، أكدت مصادر مطلعة لـ"النهار العربي" أنها تتجاوز الـ100 مليون دولار.

وقال برلمانيون جزائريون لـ"النهار العربي" إن مبنيي البرلمان الحاليين أصبحا غير قادرين على استيعاب عدد الموظفين، بالإضافة إلى ضيق مساحتهما وتصدع جدرانهما بفعل قدمهما "فهما من التراث الاستعماري في البلاد"، وبالتالي فإن تشييد مقرات جديدة للسلطة النيابية أصبح ضرورياً.
 
وقال النائب علي ربيج في تصريحات إعلامية إن "تقريراً رفعته الهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء أظهر تعرّض مبنى المجلس الشعبي الوطني لأضرار، ما يوجب إخلاءه وإعادة صيانته"، فيما تؤكد الدراسات أن المبنى مصنف ضمن التراث الثقافي الجزائري ولا يمكن "إنجاز أيّ تعديلات عليه إلا بموافقة قطاع حفظ التراث التابع لوزارة الثقافة".
 
ويذهب برلمانيون آخرون إلى اعتبار البناءين القديمين جزءاً من المرحلة الاستعمارية، لذا فإن "سيادة البلاد غير كاملة"، فاتحين النار على حكومات النظام السابق التي تأخرت في تجسيد مشروع المدينة البرلمانية رغم توافر الظروف والإمكانات المالية اللازمة.

رفع الخناق عن وسط العاصمة
تعيش العاصمة الجزائرية اختناقاً كبيراً وكثيفاً على مدار أيام الأسبوع، فالدخول إليها قد يستغرق ساعات وكذلك الخروج منها. ومن شأن تشييد المقر الجديد بعيداً من وسط العاصمة فك بعض الخناق عنها، وهو ضمن رؤية إستراتيجية جديدة تتنفس من خلالها العاصمة، وفق تصريح سابق لوزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد.

وكانت محافظة الجزائر العاصمة قد سارت بنقل مبنى المجلس النيابي الولائي (البرلمان المحلي) المحاذي لمبنى المجلس الشعبي الوطني، إلى الضاحية الشرقية للعاصمة، وتحديداً إلى مدينة المحمدية بالقرب من جامع الجزائر.
 
المقر الجديد للمجلس النيابي لمحافظة الجزائر.
 
وكذلك شرعت الحكومة في إنجاز مقرات جديدة لوزاراتها، على غرار وزارة الإسكان التي تشغل حالياً مبنى ضيقاً بشارع "ديدوش مراد" وسط العاصمة، فيما وصل مشروع المقر الجديد لهذه الوزارة "دالي إبراهيم" في الضاحية الغربية إلى مرحلة متقدمة، والأمر نفسه بالنسبة إلى وزارة السياحة.
 
نموذجالمقر الجديد لوزارة الإسكان.
تحويل المباني القديمة إلى متاحف
وقالت المصادر المطلعة لـ"النهار العربي"، إن مقرات المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية معظمها مصنف ضمن الموروث الوطني ويمكن استغلالها ضمن مسارات تراثية وثقافية وسياحية.
 
وأكد المصدر أن عمليات ترميم واسعة ستشهدها المباني القديمة بعد استكمال مشروع إنجاز المدينة البرلمانية، ليفسح المجال بعدها لتحويلها إلى معالم تاريخية ومتاحف ذات مقاصد سياحية لزوار مدينة الجزائر.
 
وسيكون مبنى "زيغود يوسف" (المقر الحالي للغرفة الثانية للبرلمان)، الذي يعود تشييده إلى ثلاثينات القرن الماضي، فضاءً متحفياً حقيقياً وقطباً سياحياً يسافر بزائريه إلى حقبة تاريخية من تاريخ الجزائر؛ وكذلك مبنى المجلس الشعبي الوطني وكل المباني الأخرى الواقعة ضمن نطاق "التوسع التراثي والسياحي" للجزائر العاصمة.