معضلة العصر: التعليم الإلكتروني بين مطرقة التطور وسندان الجودة
في زمن تتسابق فيه الدول نحو التحول الرقمي، يبرز التعليم الإلكتروني والمدمج كسيف ذي حدين يهدد بتغيير وجه التعليم العالي في الدول النامية بشكل جذري. الطموحات العالية تصطدم بواقع مليء بالتحديات، حيث الأمل في توسيع الوصول إلى التعليم يتخبط مع مخاوف من تدهور جودته، مشكلًا معضلة تقلق بال المراقبين والمهتمين بمستقبل الأجيال القادمة.
جسر فوق هوة تكنولوجية عميقة
تتجلى المخاطر الأولى في الشق الرقمي العميق الذي يفصل بين طلاب الدول النامية، حيث الكثير منهم مقطوعون عن العالم الرقمي، محرومون من أبسط أدوات التعلم الإلكتروني. هذا الوضع ينذر بتعميق الفجوات الاجتماعية ويهدد بإنتاج جيل مهمش تكنولوجيًا وتعليميًا، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول العدالة التعليمية وشموليتها.
ضبابية المستقبل: جودة التعليم على المحك
ما يزيد الطين بلة هو الغموض الذي يكتنف جودة التعليم الإلكتروني والمدمج، حيث يصعب على الاساتذة تقييم التفاعل والفهم العميق للمادة الدراسية عبر الوسائط الرقمية. فقدان الاتصال الوجهي يقوض أسس التعلم التفاعلي ويحرم الطلاب من تجارب ثرية تساهم في تطورهم الشخصي والمهني.
تآكل الأسس: الانتماء والهوية في خطر
أما الخطر الأكبر فيكمن في احتمال فقدان الطلاب لإحساسهم بالانتماء والهوية الأكاديمية والمهنية. التعليم الوجهي لا يعلم فقط بل يشكل، يبني شخصيات وينمي هويات. التحول الرقمي المفرط قد يهدم هذا البعد، مخلفًا جيلًا ضائعًا يفتقد إلى الروابط الإنسانية العميقة والشعور بالانتماء.
تحديات إضافية تحت المجهر
من تأثيراته السلبية على الصحة النفسية وحتى التحديات الجديدة في مجال النزاهة الأكاديمية، يبدو التوجه المفرط نحو التعليم الالكتروني كبوابة لمستقبل مليء بالمخاطر والغموض. لمصلحة من هذا التحول؟ هل يخدم فعلا الطلاب والمجتمع، أم أن هناك أطرافًا أخرى تجني الفوائد على حساب جودة التعليم وتجربة التعلم؟.
بحثًا عن معادلة متوازنة
يتطلب الأمر إعادة تفكير جذرية في سياسات التعليم العالي بالدول النامية، بحثًا عن توازن يجمع بين الفوائد الرقمية وضرورات التعلم الوجهي. الهدف يجب أن يكون بناء نظام تعليمي يحتضن التكنولوجيا دون التضحية بالجوهر الإنساني والأكاديمي للتعليم. فقط حينها، يمكن للتعليم الإلكتروني والمدمج أن يصبح أداة حقيقية للتمكين بدلاً من كونه تهديدًا لمستقبل الأجيال القادمة.
رئيس جامعة آل البيت سابقاً