تضليل الصغار وأهل الصغَار للكبار هي أهمّ أسباب الدمار
" "
يستخدم الدلاّلون في سوق الخضار مكبرات الصوت للنداء على بضائعهم في مزادات متنافسة فيحدث من جراء ذلك ضوضاء وصخب تجعل الإنسان لا يكاد يسمع حديث جليسه لا بل صوت نفسه , فماذا يقول الناس لو رأوا واعظا أو خطيبا يقف في وسط ذلك السوق في ساعة ذروته ليخطب بالناس أو يعظهم ؟؟ قطعا سيطلبون له الشرطة لإيداعه في مصحّة للأمراض النفسية لأنّه مصاب بجنون مطبِق , ومع معرفتي بهذه الحقيقة فإنني باقترافي خطيئة الكتابة في هذه الظروف أدرك أنني مثل ذلك الخطيب أو ذلكم الواعظ المجذوب الذي مكانهما الطبيعي مصحّة نفسية , فالتمس لنفسي مسوغات لهذا الجنون فأقول لعلّ وعسى أن تساهم هذه الشمعة الخافتة في تبديد الظلام غير منتبه لشدّة الإعصار الذي يطفيء أنوار الكهرباء , وما يثيره من الغبار والرهج , والعجاج والسافي , والقسطل والعثير فيخسف الكواكب ويكسف الشمس علاوة على أنّ ذلك الغبار يصيب العيون بالرمد واللسان واللوز بالالتهاب الحادّ فيصبح البصر والذوق كما قال البوصيري
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَم
فأقول لتكن إذا من باب قول الحقّ جلّ وعلا : " وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " أوتأسيا بنبي الله صالح عليه السلام حيث ذكر القرآن الحكيم قوله : " وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ " ولكنّ المصيبة أننا في زمن قد عطلنا فيه حواس السمع والبصر فلا نسمع إلاّ أصوات أنفسنا ولا نرى الأمور إلاّ بالصورة التي نريدها أو التي يراد لنا أن نراها بها فكدنا نكون ممن وصفهم الحقّ بقوله : " لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا " ..... ومع كلّ ذلك فإنني أصرّ على الكتابة ربما بدافع حبّ جارف لشعب طيب طاهر نقيّ كاد يفسده المفسدون , وهيام بوطن قادر على أن يكون أمّا حانية على أبنائها فأضطرها المتآمرون للعيش بثدييها , وشغف بقيادة هي الأقدر على أن تكون أبا شفيقا حازما حاميا للجميع فأضطرها الماكرون والمتسلقون لتكون غرضا لسهام أبنائها ... ولكن يجب الاّ ننسى أنّ "الحبّ شعبة من الجنون " , ورحم الله القائل :
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذّة العيش إلاّ للمجانين
الحبّ لا يستفيق الدّهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
إذن يا أيّها الأحباب جميعا أودّ أن أحدثكم عن صنف بصور البشر حذّر منهم الحقّ سبحانه وتعالى وفضحهم ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ " فهذا الصنف من الشياطين الظاهرة بصور آدمية " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " ومرضهم ذاك بسبب امتهانهم الكذب كما نفهم من هذا النصّ الإلهي الكريم , وشرّ داء الكذب وتزييف الحقائق فمن أبتلي بهذا الداء فهو ميؤوس من شفائه ففي الحديث الشريف الذي أخرجه مالك في الموطأ : "أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : " نعم " . فقيل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : " نعم " . فقيل : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : " لا " .......... وهل دمّر الأوطان ونشر الفساد وأشقى العباد إلاّ الكاذبون من مزوري الحقائق ومزيفي الوقائع ومحترفي التدجيل والتضليل ؟؟ والمصيبة كلّ المصيبة والكارثة التي ليس بعدها كارثة إذا تسلل هؤلاء الرويبضات والطفيليات إلى موطن الأمر والنهي واستطاعوا أن يحيطوا بولي الأمر فلا يسمع إلاّ قولهم , ولا يرى إلاّ ما يسمحون له بروؤيته " وفلترة " ما يصل إلى مؤسسة الحكم من آهات المحرومين , وصرخات المظلومين , ونصائح المخلصين الصادقين ..... فكم هو مؤلم ومؤثر قول الرئيس التونسي للشعب " الآن فهمتكم " وقول الرئيس المصري وهو في قفص الاتهام أنّه تفاجأ بحجم الحقائق التي كان يحجبها أولئك الرويبضات عنه !! وقل مثل ذلك في سوهارتو في أندونيسيا وتشاتشسكو في رومانيا , وكم هي مؤلمة تلك المشاهد التي رافقت سقوط بغداد.
إنّ العاقل لينظر لهؤلاء الصنف من الحكّام المخدوعين نظرة شفقة ممزوجة باحتقار لأنّ من أراد أن يكون إماما للناس وحاكما عليه أن يكون يقظا منتبها فقد جاء في الحديث الصحيح جوابا لمن طلبه منصبا فقال صلى الله عليه وسلم [إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه منها ] ... فهي لا تصلح لخائن ولا مغفل ولا ضعيف فرحم الله من قال :
( وإن سياسة الأقوامِ فاعلمْ ** لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويل )
ويقول ابن المقفع :" ولايةُ الناسِ بلاءٌ عظيمٌ " ويقول أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي في كتابه درر السلوك في سياسة الملوك : "إن الملك جدير أن لا يذهب عنه صغير ولا كبير من أخبار رعيته , وأحوال حاشيته , وسيرة خلفائه والنائبين عنه في أعماله بمداومة الاستخبار عنهم , وبث أصحاب الأخبار فيهم سرا وإعلانا ويندب لذلك أمينا يوثق بخبره , وينصح الملك في مغيبه ومحضره , غير شره فيرتشي , ولا ذي هوى فيعتدي ؛ لتكون النفس إلى خبره ساكنة وإلى كشفه عن حقائق الأمور راكنة , فإنه لا يقدر على رعاية قوم تخفى عنه أخبارهم وتنطوي عنه آثارهم فربما ظن استقامة الأمور بتمويه ألحق به فأفضى ذلك إلى هلاك رعيته وانتهز العدو فرصة غفلته واستثار من وهج ناره وشره ما عساه يصعب بعد أن كان سهل المرام ويقوى بعد أن كان ضعيف القوام ...... وإذا كان باحثا عن الأخبار انكشف له غطاء الغفلة وانجلت عنه شبه الحيرة فساس الأمور ببصيرته وحرس الرعية بإيقاظ عزيمته وتهيب أعوانه فعل الجرائر فاستقاموا وتجنبوا قبح المطالب فانصانوا " .
إنّ السياسة هي أشقّ مهنة على الإطلاق لذلك كان من المفترض ألا تسند الأمور إلاّ إلى رجال ممن ينطبق عليهم مواصفات [ رجل الدولة ] ومصطلح [ رجل الدولة ] كما هو معلوم هو "كل إنسان يتمتع بعقلية الحكم , ويتقن فن السياسة الصالحة ، ويستطيع إدارة شؤون الدولة , ومعالجة المشاكلات، والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.... رجل الدولة هو السياسي المبدع الذي لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الأفضل.... رجل الدولة هو الإنسان القادر على أن يشيع في الناس قيما رفيعة تستحق التفاني والتضحية من أجلها , وتأتي قدرته تلك من إيمانه بما يدعو إليه , رجل الدولة هو الذي يشعر بإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين شعور الوالد الحازم الشفيق تجاه أبناءه , رجل الدولة هو الذي يبحث عن العقبات والعوائق ليحلّها حلاّ جذريا , ويجتثها من طريق السائرين , بخلاف عقلية الموظف الإداري الذي يتفادى الاصطدام بالعقبات ولا يفكّر بإزالتها .
إنّ النقص في هذا الصنف من الرجال هو سبب دمار الدول , وضعفها واندثارها فقد سئل بزرجمهر وزير كسرى : ما بال ملك بني ساسان صار إلى ما صار إليه ، بعدما كان فيه من قوة السلطان , وشدة الأركان؟ فقال: [ ذلك لأنهم قلدوا كبار الأعمال صغار الرجال] ؛ لذلك قالت الحكماء: موت ألف من العلية أقل ضرراً من ارتفاع واحد من السفلة " , وفي الأمثال: " زوال الدول باصطناع السفل " " .
إذن عدم إحسان اختيار الرجال للمواقع القيادية , وتصدّر الرويبضات هو من علامات نهاية الدول والمجتمعات , فقد جاء في الحديث الصحيح : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال كيف إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " والساعة هنا كما قال العلماء المحققون ليست الساعة الكبرى وإنما هي ساعة الدولة والمجتمع , فذلك علامة نهايتها وخرابها .
إنّ الذين يمارسون سياسة تضليل ولاة الأمر التي أوقعتهم في الأخطاء والخطايا ودمرت البلاد والعباد هم مجرد رويبضات وسماسرة وطفيليات تسللوا إلى مواقع المسؤولية , وحازوا على ثقة ولي الأمر ولم يكونوا يملكون أبسط مؤهلات رجال الدولة المتمثّل بالإحساس بالحد الأدنى من المسؤولية والشعور بالانتماء للوطن , فعاثوا فسادا وافسادا في كلّ موقع طيلة عقود حتى تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة شاكية من الذين يديرون الأوطان بعقلية مديري الشركات , وهؤلاء بكلّ ألم لا يهمهم إلاّ شيء واحد هو تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية التي يسعون لاحتكارها غير آبهين لخطورة ذلك على كيان الوطن : إمّا لجهلهم بأبسط حقائق علم الاجتماع , وإمّا لعدم اهتمامهم بالنتائج لأنّهم يفتقرون إلى الانتماء الحقيقي , وإمّا لأنّهم يسعون لتدمير الوطن اقتداء بسلفهم الملعون ابن العلقمي الذي تآمر على دولة بني العباس وسلمها للتار .
ومما زاد الطين بلّة أن المنافسين أو المناكفين لهذا الصنف من هؤلاء العلاقمة والبرامكة في إدارة شؤون الدولة هم فئة محكومة بعقلية أمنية , فضاع الوطن بين العقلية الأمنية القائمة على إغلاق فوهة البركان بأيّ وسيلة غير مدركة للتفاعلات التي تجري في الباطن , وعقلية السمسار الذي يريد بيع كلّ شيء في سبيل الحصول على العمولة , وأمّا الذين يملكون مواصفات رجل الدولة فقد أبعدوا عن إدارة الشؤون العامّة ومن أقترب منهم من مركز صنع القرار تآمر عليه طرفا الكارثة حتى فشل !!
سياسة تضليل كبار المسؤولين التي يمارسها الصغار لها صور كثيرة رأيت أن أشير إلى بعضها بالنقاط التالية :
1. سياسة الحجب والخنق : إذا ارتفع صوت مخلص ينادي بالإصلاح , ويحذّر من الأخطاء والخطايا التي يرتكبها الفاسدون _ اجتهدوا على الاّ يصل ذلك الصوت لولي الأمر وعملوا كلّ ما بوسعهم لحجبه , وخنقه .
2. سياسة التكذيب والتشكيك : فإن استطاع ذلك الصوت أن يخترق تلك الحجب الغليظة , ويصل إلى أسماع ولي الأمر فإنّهم يسارعون إلى تكذيب ما يدّعيه فإن كان الأمر غير قابل للتكذيب لجأوا للتشكيك بنوايا صاحب الصوت وأنّ ما يقوله هو من باب " كلمة حقّ يراد بها باطل " واتهموه بالوصولية والتسلق في العلن , ومارسوا معه سياسة الترغيب والترهيب ليصمت.
3. سياسة التهديد والتخوين : فإن تمادى صاحب الصوت واستمر في صراخه وازعاجه لفقوا له تهمة إمّا بالتآمر على مؤسسة الحكم والتعامل مع دولة أجنبية , وإمّا قضية جنائية تسقط اعتباره الاجتماعي وتمسخه .
4. سياسة استعداء الوطنيين : فقد لا حظنا طيلة العقدين الماضيين استهداف شخصيات وطنية بقمع أصواتهم , والتشكيك بهم , واستفزازهم ليصلوا إلى مرحلة اللاعودة مع النظام .
5. سياسة تكذيب المواطنين والافتراء عليهم : إنّهم حريصون على ألا يصل صوت المواطن إلى ولي الأمر , فإن عجزوا عن ذلك كأن يقوم المواطنون بأعمال شغب يعتدون فيها على ممتلكات عامّة وتتناقل ذلك وسائل الإعلام العالمية فإنّهم يلجأون لتزوير الحقائق , والكذب على ولي الأمر , فتجدهم يقولون له : " الذين قاموا بأعمال الشغب في مدينة كذا هم الزعران وتجّار المخدرات وزبائنهم وأتباعهم ؛ لأنّ الجهات الرسمية تريد اعتقال المطلوبين" أو يقولون إنّ أعمال الشغب التي حصلت في محافظة كذا لم تكن بسبب نقص المياه كما يدّعي المواطنون ولكنّها بسبب أنّ الجهات الرسمية المسؤولة عن المياه قد أغلقت بعض المحابس والخطوط المسروقة فثار سارقو المياه !!
6. سياسة إغواء الحاكم واقناعه بتبني سياسات مدمّرة وايهامه بأنّ هذه السياسات ستدر اللبن والعسل وتحقق الرفاه للشعب , والتقدّم للدولة , وأنّ الشعب مؤيد لتلك السياسات , وهم يستعينون على ذلك بجيوش الخبراء والعلماء الضالين المضلين الطامعين بالفتات , وأهازيج الغوغاء المضللة التي تتبع كلّ ناعق وتميل مع كلّ ريح , ورخيصي النفوس من القطط البشرية المتهافتة على ما يتساقط تحت الأقدام الآكلين .
7. سياسة استعداء فئات من المجتمع ما كانت يوما إلاّ من ركائز الدولة, واستعداء تلك الفئات كان ملاحظا منذ عدّة سنوات , وهم يحاولون جاهدين ايغار صدور ولاة الأمر على هذه الفئات , ونظرا لأنّ هذه الفئات تفتقر للحنكة السياسية فإنّها تكاد تنزلق فيما يخطط له أولئك المتآمرون .
8. وأخيرا التشكيك بالحراك السياسي الذي يجري حاليا تارة بالتهوين من شأنه وتارة بتوجيه الإتهامات للقائمين عليه , وتارة باستفزازه , وتارة بتجاهل مطالبه .
9. الإصرار على سياسة جعل الشعب في واد والقيادة في واد آخر : ظهر ذلك جليّا في تلك اللجان التي شكّلت لتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب واللجنة الاقتصادية ...... إلخ وذلك أنّ هذه اللجان مع تقديرنا لها لم تحمل الأمور على محمل الجدّ , وظهر ذلك في نتائج لجنة تعديل الدستور التي لم تكتف بعدم تحقيق طموح الشعب وقواه السياسية ولكنّها جاءت بدستور متناقض كالذي نراه بين المادّة الأولى من الدستور " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ... إلخ "والبند المعدّل من المادة 33 والذي نصّه " معاهدات الصلح والتحالف والتجارة، والملاحة والمعاهدات الأخرى التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئاً من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة .... إلخ " وككذلك ما جاء في المادّة المادة 98 " يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين. و ( 2). "ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وله وحده حق تعيين القضاة النظاميين ويبين القانون صلاحياته في الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة.." فالبند الثاني يتناقض مع البند الأول ويتناقض مع المادّة 40 من الدستور والتي تنصّ على ما يلي : " يمارس الملك صلاحياته بارادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين , يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة " فكيف يكون للمجلس القضائي وحده حقّ التعيين والتعيين لا يكون إلاّ بإرادة ملكية سامية , والإرادة لا تكون إلاّ بتوقيع من مجلس الوزراء ......... إنّ مثل هذا التناقض له دلالة قاطعة على العقليات التي تسند إليها الأمور والتي تتناول القضايا الوطنية بمثل هذا الاستخفاف ..... إنّه داء الافتقار للجدية في بحث القضايا الوطنية الذي أصبح ظاهرة ملحوظة طيلة السنوات الماضية ولا يزال , وقد كان المأمول من الوسط السياسي أن يستيقظ من سباته ولكن كما يبدو أنّه لا يزال في نوم عميق إن لم يكن التناوم مقصودا نكاية بمرحلة هيمن فيها فريق الدجيتال على صنع القرار أو أسباب نجهلها نحن المراقبون عن بعد ولكنّها بالتأكيد ليست في مصلحة الوطن .
"نتائج هذه السياسة المدمرة "
الأمر الطبيعي أن يترتب على تلك السياسة نتائج خطيرة مدمرة من أبرزها ما يلي :
1. بروز شخصيات وطنية إبتدأت منادية بلإصلاح ثمّ تعرضت للتشكيك والتخوين فأضطرت لإعلان العداء للنظام بطريق صريح أو موارب.
2. مئات الشخصيات الوطنية المطالبة بالإصلاح تدفع لأن تنتهي إلى ما انتهت إليه تلك الشخصيات التي أعلنت عداءها بصراحة , ولعلّ تصريحات وزير الداخلية مازن الساكت التي نقلها "موقع عمان بوست" بتاريخ 20/7/2011م , والتي أتهم فيها أبناء العشائر والمتقاعدين العسكريين بأنّهم هم الذين يسعون لتخريب البلد واسقاط النظام - كانت تصبّ في هذا المخطط الخطير .
3. الغالبية العظمى من الشخصيات الوطنية غير راضية عمّا جرى ويجري إلاّ أنّها صامتة لأنّها لا ترغب بأن تكون غرضا لسهام هذه الفئات المضللة .
4. الشعب فقد ثقته بالنظام ويعتقد أنّ الإصلاح ضرب من المستحيل وإن كان لا يصرّح بذلك إلاّ قليلا خوفا من العقوبة .
5. اظهار الأردن أمام العالم بأنّه بلد قائم على الفساد , وأن إصلاحه من المستحيلات .
والسؤال هنا ماذا يريد هؤلاء المنافقون والمضللون والأغبياء من تلك السياسة ؟؟ وكيف يصل الصوت لولي الأمر مرددا ما قاله الشاعر العربي :
مقالة ملؤها الإخلاص أرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
إنّها أمانة أضعها في أعناق كلّ من لهم صوت مسموع من سراة الناس وساداتهم وأهل الحلّ والعقد فيهم , ولكلّ من يهمّه الأمر ليوصلوها لصاحب الأمر ؛ لأنّ الأمر جلل , يضطرني لأتمثل بقول بقول نصر بن سيار والي خرسان عندما بدأت تظهر بوادر ثورة المسوّدة , وبنو أمية في غفلتهم سادرون فأرسل لهم قائلا :
أرى تحتَ الرماد وميضَ نارٍ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكي ... وإن الحرب أولها كلام
فقلت، من التعجب: ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام؟
فلاح أديهم المسلَم بني صخر .
يستخدم الدلاّلون في سوق الخضار مكبرات الصوت للنداء على بضائعهم في مزادات متنافسة فيحدث من جراء ذلك ضوضاء وصخب تجعل الإنسان لا يكاد يسمع حديث جليسه لا بل صوت نفسه , فماذا يقول الناس لو رأوا واعظا أو خطيبا يقف في وسط ذلك السوق في ساعة ذروته ليخطب بالناس أو يعظهم ؟؟ قطعا سيطلبون له الشرطة لإيداعه في مصحّة للأمراض النفسية لأنّه مصاب بجنون مطبِق , ومع معرفتي بهذه الحقيقة فإنني باقترافي خطيئة الكتابة في هذه الظروف أدرك أنني مثل ذلك الخطيب أو ذلكم الواعظ المجذوب الذي مكانهما الطبيعي مصحّة نفسية , فالتمس لنفسي مسوغات لهذا الجنون فأقول لعلّ وعسى أن تساهم هذه الشمعة الخافتة في تبديد الظلام غير منتبه لشدّة الإعصار الذي يطفيء أنوار الكهرباء , وما يثيره من الغبار والرهج , والعجاج والسافي , والقسطل والعثير فيخسف الكواكب ويكسف الشمس علاوة على أنّ ذلك الغبار يصيب العيون بالرمد واللسان واللوز بالالتهاب الحادّ فيصبح البصر والذوق كما قال البوصيري
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَم
فأقول لتكن إذا من باب قول الحقّ جلّ وعلا : " وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " أوتأسيا بنبي الله صالح عليه السلام حيث ذكر القرآن الحكيم قوله : " وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ " ولكنّ المصيبة أننا في زمن قد عطلنا فيه حواس السمع والبصر فلا نسمع إلاّ أصوات أنفسنا ولا نرى الأمور إلاّ بالصورة التي نريدها أو التي يراد لنا أن نراها بها فكدنا نكون ممن وصفهم الحقّ بقوله : " لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا " ..... ومع كلّ ذلك فإنني أصرّ على الكتابة ربما بدافع حبّ جارف لشعب طيب طاهر نقيّ كاد يفسده المفسدون , وهيام بوطن قادر على أن يكون أمّا حانية على أبنائها فأضطرها المتآمرون للعيش بثدييها , وشغف بقيادة هي الأقدر على أن تكون أبا شفيقا حازما حاميا للجميع فأضطرها الماكرون والمتسلقون لتكون غرضا لسهام أبنائها ... ولكن يجب الاّ ننسى أنّ "الحبّ شعبة من الجنون " , ورحم الله القائل :
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذّة العيش إلاّ للمجانين
الحبّ لا يستفيق الدّهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
إذن يا أيّها الأحباب جميعا أودّ أن أحدثكم عن صنف بصور البشر حذّر منهم الحقّ سبحانه وتعالى وفضحهم ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ " فهذا الصنف من الشياطين الظاهرة بصور آدمية " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " ومرضهم ذاك بسبب امتهانهم الكذب كما نفهم من هذا النصّ الإلهي الكريم , وشرّ داء الكذب وتزييف الحقائق فمن أبتلي بهذا الداء فهو ميؤوس من شفائه ففي الحديث الشريف الذي أخرجه مالك في الموطأ : "أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : " نعم " . فقيل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : " نعم " . فقيل : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : " لا " .......... وهل دمّر الأوطان ونشر الفساد وأشقى العباد إلاّ الكاذبون من مزوري الحقائق ومزيفي الوقائع ومحترفي التدجيل والتضليل ؟؟ والمصيبة كلّ المصيبة والكارثة التي ليس بعدها كارثة إذا تسلل هؤلاء الرويبضات والطفيليات إلى موطن الأمر والنهي واستطاعوا أن يحيطوا بولي الأمر فلا يسمع إلاّ قولهم , ولا يرى إلاّ ما يسمحون له بروؤيته " وفلترة " ما يصل إلى مؤسسة الحكم من آهات المحرومين , وصرخات المظلومين , ونصائح المخلصين الصادقين ..... فكم هو مؤلم ومؤثر قول الرئيس التونسي للشعب " الآن فهمتكم " وقول الرئيس المصري وهو في قفص الاتهام أنّه تفاجأ بحجم الحقائق التي كان يحجبها أولئك الرويبضات عنه !! وقل مثل ذلك في سوهارتو في أندونيسيا وتشاتشسكو في رومانيا , وكم هي مؤلمة تلك المشاهد التي رافقت سقوط بغداد.
إنّ العاقل لينظر لهؤلاء الصنف من الحكّام المخدوعين نظرة شفقة ممزوجة باحتقار لأنّ من أراد أن يكون إماما للناس وحاكما عليه أن يكون يقظا منتبها فقد جاء في الحديث الصحيح جوابا لمن طلبه منصبا فقال صلى الله عليه وسلم [إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه منها ] ... فهي لا تصلح لخائن ولا مغفل ولا ضعيف فرحم الله من قال :
( وإن سياسة الأقوامِ فاعلمْ ** لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويل )
ويقول ابن المقفع :" ولايةُ الناسِ بلاءٌ عظيمٌ " ويقول أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي في كتابه درر السلوك في سياسة الملوك : "إن الملك جدير أن لا يذهب عنه صغير ولا كبير من أخبار رعيته , وأحوال حاشيته , وسيرة خلفائه والنائبين عنه في أعماله بمداومة الاستخبار عنهم , وبث أصحاب الأخبار فيهم سرا وإعلانا ويندب لذلك أمينا يوثق بخبره , وينصح الملك في مغيبه ومحضره , غير شره فيرتشي , ولا ذي هوى فيعتدي ؛ لتكون النفس إلى خبره ساكنة وإلى كشفه عن حقائق الأمور راكنة , فإنه لا يقدر على رعاية قوم تخفى عنه أخبارهم وتنطوي عنه آثارهم فربما ظن استقامة الأمور بتمويه ألحق به فأفضى ذلك إلى هلاك رعيته وانتهز العدو فرصة غفلته واستثار من وهج ناره وشره ما عساه يصعب بعد أن كان سهل المرام ويقوى بعد أن كان ضعيف القوام ...... وإذا كان باحثا عن الأخبار انكشف له غطاء الغفلة وانجلت عنه شبه الحيرة فساس الأمور ببصيرته وحرس الرعية بإيقاظ عزيمته وتهيب أعوانه فعل الجرائر فاستقاموا وتجنبوا قبح المطالب فانصانوا " .
إنّ السياسة هي أشقّ مهنة على الإطلاق لذلك كان من المفترض ألا تسند الأمور إلاّ إلى رجال ممن ينطبق عليهم مواصفات [ رجل الدولة ] ومصطلح [ رجل الدولة ] كما هو معلوم هو "كل إنسان يتمتع بعقلية الحكم , ويتقن فن السياسة الصالحة ، ويستطيع إدارة شؤون الدولة , ومعالجة المشاكلات، والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.... رجل الدولة هو السياسي المبدع الذي لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الأفضل.... رجل الدولة هو الإنسان القادر على أن يشيع في الناس قيما رفيعة تستحق التفاني والتضحية من أجلها , وتأتي قدرته تلك من إيمانه بما يدعو إليه , رجل الدولة هو الذي يشعر بإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين شعور الوالد الحازم الشفيق تجاه أبناءه , رجل الدولة هو الذي يبحث عن العقبات والعوائق ليحلّها حلاّ جذريا , ويجتثها من طريق السائرين , بخلاف عقلية الموظف الإداري الذي يتفادى الاصطدام بالعقبات ولا يفكّر بإزالتها .
إنّ النقص في هذا الصنف من الرجال هو سبب دمار الدول , وضعفها واندثارها فقد سئل بزرجمهر وزير كسرى : ما بال ملك بني ساسان صار إلى ما صار إليه ، بعدما كان فيه من قوة السلطان , وشدة الأركان؟ فقال: [ ذلك لأنهم قلدوا كبار الأعمال صغار الرجال] ؛ لذلك قالت الحكماء: موت ألف من العلية أقل ضرراً من ارتفاع واحد من السفلة " , وفي الأمثال: " زوال الدول باصطناع السفل " " .
إذن عدم إحسان اختيار الرجال للمواقع القيادية , وتصدّر الرويبضات هو من علامات نهاية الدول والمجتمعات , فقد جاء في الحديث الصحيح : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال كيف إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " والساعة هنا كما قال العلماء المحققون ليست الساعة الكبرى وإنما هي ساعة الدولة والمجتمع , فذلك علامة نهايتها وخرابها .
إنّ الذين يمارسون سياسة تضليل ولاة الأمر التي أوقعتهم في الأخطاء والخطايا ودمرت البلاد والعباد هم مجرد رويبضات وسماسرة وطفيليات تسللوا إلى مواقع المسؤولية , وحازوا على ثقة ولي الأمر ولم يكونوا يملكون أبسط مؤهلات رجال الدولة المتمثّل بالإحساس بالحد الأدنى من المسؤولية والشعور بالانتماء للوطن , فعاثوا فسادا وافسادا في كلّ موقع طيلة عقود حتى تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة شاكية من الذين يديرون الأوطان بعقلية مديري الشركات , وهؤلاء بكلّ ألم لا يهمهم إلاّ شيء واحد هو تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية التي يسعون لاحتكارها غير آبهين لخطورة ذلك على كيان الوطن : إمّا لجهلهم بأبسط حقائق علم الاجتماع , وإمّا لعدم اهتمامهم بالنتائج لأنّهم يفتقرون إلى الانتماء الحقيقي , وإمّا لأنّهم يسعون لتدمير الوطن اقتداء بسلفهم الملعون ابن العلقمي الذي تآمر على دولة بني العباس وسلمها للتار .
ومما زاد الطين بلّة أن المنافسين أو المناكفين لهذا الصنف من هؤلاء العلاقمة والبرامكة في إدارة شؤون الدولة هم فئة محكومة بعقلية أمنية , فضاع الوطن بين العقلية الأمنية القائمة على إغلاق فوهة البركان بأيّ وسيلة غير مدركة للتفاعلات التي تجري في الباطن , وعقلية السمسار الذي يريد بيع كلّ شيء في سبيل الحصول على العمولة , وأمّا الذين يملكون مواصفات رجل الدولة فقد أبعدوا عن إدارة الشؤون العامّة ومن أقترب منهم من مركز صنع القرار تآمر عليه طرفا الكارثة حتى فشل !!
سياسة تضليل كبار المسؤولين التي يمارسها الصغار لها صور كثيرة رأيت أن أشير إلى بعضها بالنقاط التالية :
1. سياسة الحجب والخنق : إذا ارتفع صوت مخلص ينادي بالإصلاح , ويحذّر من الأخطاء والخطايا التي يرتكبها الفاسدون _ اجتهدوا على الاّ يصل ذلك الصوت لولي الأمر وعملوا كلّ ما بوسعهم لحجبه , وخنقه .
2. سياسة التكذيب والتشكيك : فإن استطاع ذلك الصوت أن يخترق تلك الحجب الغليظة , ويصل إلى أسماع ولي الأمر فإنّهم يسارعون إلى تكذيب ما يدّعيه فإن كان الأمر غير قابل للتكذيب لجأوا للتشكيك بنوايا صاحب الصوت وأنّ ما يقوله هو من باب " كلمة حقّ يراد بها باطل " واتهموه بالوصولية والتسلق في العلن , ومارسوا معه سياسة الترغيب والترهيب ليصمت.
3. سياسة التهديد والتخوين : فإن تمادى صاحب الصوت واستمر في صراخه وازعاجه لفقوا له تهمة إمّا بالتآمر على مؤسسة الحكم والتعامل مع دولة أجنبية , وإمّا قضية جنائية تسقط اعتباره الاجتماعي وتمسخه .
4. سياسة استعداء الوطنيين : فقد لا حظنا طيلة العقدين الماضيين استهداف شخصيات وطنية بقمع أصواتهم , والتشكيك بهم , واستفزازهم ليصلوا إلى مرحلة اللاعودة مع النظام .
5. سياسة تكذيب المواطنين والافتراء عليهم : إنّهم حريصون على ألا يصل صوت المواطن إلى ولي الأمر , فإن عجزوا عن ذلك كأن يقوم المواطنون بأعمال شغب يعتدون فيها على ممتلكات عامّة وتتناقل ذلك وسائل الإعلام العالمية فإنّهم يلجأون لتزوير الحقائق , والكذب على ولي الأمر , فتجدهم يقولون له : " الذين قاموا بأعمال الشغب في مدينة كذا هم الزعران وتجّار المخدرات وزبائنهم وأتباعهم ؛ لأنّ الجهات الرسمية تريد اعتقال المطلوبين" أو يقولون إنّ أعمال الشغب التي حصلت في محافظة كذا لم تكن بسبب نقص المياه كما يدّعي المواطنون ولكنّها بسبب أنّ الجهات الرسمية المسؤولة عن المياه قد أغلقت بعض المحابس والخطوط المسروقة فثار سارقو المياه !!
6. سياسة إغواء الحاكم واقناعه بتبني سياسات مدمّرة وايهامه بأنّ هذه السياسات ستدر اللبن والعسل وتحقق الرفاه للشعب , والتقدّم للدولة , وأنّ الشعب مؤيد لتلك السياسات , وهم يستعينون على ذلك بجيوش الخبراء والعلماء الضالين المضلين الطامعين بالفتات , وأهازيج الغوغاء المضللة التي تتبع كلّ ناعق وتميل مع كلّ ريح , ورخيصي النفوس من القطط البشرية المتهافتة على ما يتساقط تحت الأقدام الآكلين .
7. سياسة استعداء فئات من المجتمع ما كانت يوما إلاّ من ركائز الدولة, واستعداء تلك الفئات كان ملاحظا منذ عدّة سنوات , وهم يحاولون جاهدين ايغار صدور ولاة الأمر على هذه الفئات , ونظرا لأنّ هذه الفئات تفتقر للحنكة السياسية فإنّها تكاد تنزلق فيما يخطط له أولئك المتآمرون .
8. وأخيرا التشكيك بالحراك السياسي الذي يجري حاليا تارة بالتهوين من شأنه وتارة بتوجيه الإتهامات للقائمين عليه , وتارة باستفزازه , وتارة بتجاهل مطالبه .
9. الإصرار على سياسة جعل الشعب في واد والقيادة في واد آخر : ظهر ذلك جليّا في تلك اللجان التي شكّلت لتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب واللجنة الاقتصادية ...... إلخ وذلك أنّ هذه اللجان مع تقديرنا لها لم تحمل الأمور على محمل الجدّ , وظهر ذلك في نتائج لجنة تعديل الدستور التي لم تكتف بعدم تحقيق طموح الشعب وقواه السياسية ولكنّها جاءت بدستور متناقض كالذي نراه بين المادّة الأولى من الدستور " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ... إلخ "والبند المعدّل من المادة 33 والذي نصّه " معاهدات الصلح والتحالف والتجارة، والملاحة والمعاهدات الأخرى التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئاً من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة .... إلخ " وككذلك ما جاء في المادّة المادة 98 " يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين. و ( 2). "ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وله وحده حق تعيين القضاة النظاميين ويبين القانون صلاحياته في الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة.." فالبند الثاني يتناقض مع البند الأول ويتناقض مع المادّة 40 من الدستور والتي تنصّ على ما يلي : " يمارس الملك صلاحياته بارادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين , يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة " فكيف يكون للمجلس القضائي وحده حقّ التعيين والتعيين لا يكون إلاّ بإرادة ملكية سامية , والإرادة لا تكون إلاّ بتوقيع من مجلس الوزراء ......... إنّ مثل هذا التناقض له دلالة قاطعة على العقليات التي تسند إليها الأمور والتي تتناول القضايا الوطنية بمثل هذا الاستخفاف ..... إنّه داء الافتقار للجدية في بحث القضايا الوطنية الذي أصبح ظاهرة ملحوظة طيلة السنوات الماضية ولا يزال , وقد كان المأمول من الوسط السياسي أن يستيقظ من سباته ولكن كما يبدو أنّه لا يزال في نوم عميق إن لم يكن التناوم مقصودا نكاية بمرحلة هيمن فيها فريق الدجيتال على صنع القرار أو أسباب نجهلها نحن المراقبون عن بعد ولكنّها بالتأكيد ليست في مصلحة الوطن .
"نتائج هذه السياسة المدمرة "
الأمر الطبيعي أن يترتب على تلك السياسة نتائج خطيرة مدمرة من أبرزها ما يلي :
1. بروز شخصيات وطنية إبتدأت منادية بلإصلاح ثمّ تعرضت للتشكيك والتخوين فأضطرت لإعلان العداء للنظام بطريق صريح أو موارب.
2. مئات الشخصيات الوطنية المطالبة بالإصلاح تدفع لأن تنتهي إلى ما انتهت إليه تلك الشخصيات التي أعلنت عداءها بصراحة , ولعلّ تصريحات وزير الداخلية مازن الساكت التي نقلها "موقع عمان بوست" بتاريخ 20/7/2011م , والتي أتهم فيها أبناء العشائر والمتقاعدين العسكريين بأنّهم هم الذين يسعون لتخريب البلد واسقاط النظام - كانت تصبّ في هذا المخطط الخطير .
3. الغالبية العظمى من الشخصيات الوطنية غير راضية عمّا جرى ويجري إلاّ أنّها صامتة لأنّها لا ترغب بأن تكون غرضا لسهام هذه الفئات المضللة .
4. الشعب فقد ثقته بالنظام ويعتقد أنّ الإصلاح ضرب من المستحيل وإن كان لا يصرّح بذلك إلاّ قليلا خوفا من العقوبة .
5. اظهار الأردن أمام العالم بأنّه بلد قائم على الفساد , وأن إصلاحه من المستحيلات .
والسؤال هنا ماذا يريد هؤلاء المنافقون والمضللون والأغبياء من تلك السياسة ؟؟ وكيف يصل الصوت لولي الأمر مرددا ما قاله الشاعر العربي :
مقالة ملؤها الإخلاص أرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
إنّها أمانة أضعها في أعناق كلّ من لهم صوت مسموع من سراة الناس وساداتهم وأهل الحلّ والعقد فيهم , ولكلّ من يهمّه الأمر ليوصلوها لصاحب الأمر ؛ لأنّ الأمر جلل , يضطرني لأتمثل بقول بقول نصر بن سيار والي خرسان عندما بدأت تظهر بوادر ثورة المسوّدة , وبنو أمية في غفلتهم سادرون فأرسل لهم قائلا :
أرى تحتَ الرماد وميضَ نارٍ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكي ... وإن الحرب أولها كلام
فقلت، من التعجب: ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام؟
فلاح أديهم المسلَم بني صخر .