ومــــــا أدراك ما الكلمـــــــــــــة .. بقلم م. عبدالرحمن
إختيار أجمل الكلمات وأحسنها، وأرق العبارات وألطفها عند مخاطبة الآخرين، فن جميل لا يتقنه إلا القليلون، ويهمله الكثيرون للأسف، ممن غرقوا في لجج اللامبالاة، حتى أصبحوا كمن يأخذون من البحر دون أن ينظروا فيه، فليس مهماً ما يأخذون، أكان طيباً أم خبيثاً، فقط يتكلمون وحسب !!
فنرى من أتقن هذا الفن يحرص على تخير أرق الكلمات والعبارات، تماماً كما يتخير أجمل الثياب وأحسنها، وقد قالوا قديماً: من لانت كلمته وجبت محبته، ومن عذب لسانه كثر إخوانه، وقد جربت هذا بنفسي في العديد من المرات، كان أكبرها أثراً مع والدي رحمه الله، عندما كنت أتصيد جبهته لتقبيلها في كل مرة أراه فيها، وأختار له من الكلام أجمله، وكنت أرى في عينيه مقدار إمتنانه، وفرحته بما يسمع ويشاهد.
سألتني أصغر شقيقاتي يوماً: هل ندمت يوماً على شئ كتبته؟ ليأتي جوابي بالنفي القاطع، ذلك لأننا نتخير أفضل ما في جعبتنا دائماً، مما يمليه علينا ضميرنا، ويصب في مرضاة الخالق عز وجل قبل أي شئ.
وقد سأل أحدهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم الرسول صلى الله عليه وسلم: من أكبر أنت أم رسول الله؟ فأجابه: رسول الله أكبر مني، ولكني ولدت قبله !!
وهاهو سيدنا يوسف عليه السلام، لم يذكر لإخوانه الجرم الذي فعلوه فيه، من إلقائهم له في الجب، وذكر ما سواه، عندما قال: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، إذن فهذا المبدأ الراقي هو من صلب ديننا، وأساسيات تعاليمه، ولنا خير مثال في ذلك، من أوتي جوامع الكلم، وكان يأسر قلوب ألد أعدائه بحسن كلامه، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
تحكي إحدى القصص أن أماً كانت علاقتها سيئة جداً مع زوجة إبنها منذ اللحظة الأولى، فقررت الزوجة في النهاية ترك بيت زوجها، والعودة إلى بيت أهلها، ولكنها عادت بعد عدة محاولات، متمنية موت والدة زوجها، وقررت التخلص منها بالسم، وإتفقت مع صديقتها على الحصول على أقوى سم قاتل، فوافقت صديقتها، ولكن بشرط تنفيذ خطتها بحذافيرها، وفي اليوم التالي جاءت صديقتها بالسم، وطلبت منها أن تضع كل يوم منه قطرة واحدة في طعام والدة زوجها، لمدة شهر كامل، وبعد الشهر سيفعل السم مفعوله، ويقضي عليها بالتأكيد، ولكنها إشترطت على الزوجة أن تحسن معاملة والدة زوجها، وتتحمل إهاناتها بصدر رحب طيلة الشهر، وبالفعل بدأت الزوجة بتنفيذ الخطة، فبدأت تتودد إلى الأم بكلمات المديح والمجاملة، فإذا إستيقظت من نومها، قالت لها: إنك يا عمتي تزدادين جمالاً رغم سنوات عمرك، وأجمل ما تكونين في الصباح، وإن إرتدت ثوباً جديداً أثنت على ذوقها في اللبس، وإن قامت إلى المطبخ ركضت وراءها حالفة عليها الأيمان أن ترتاح، وبعد يومين من هذه المعاملة، بدأت الأم تلوم نفسها على سوء معاملة زوجة إبنها، ولم يمر أسبوع إلا وكانت قد تحولت إلى أم للزوجة، ترعاها وتخاف عليها، وتبتسم في وجهها، وتجاملها بكلمات المديح والإطراء، وبعد عشرة أيام، وبينما كانت الزوجة تحمل إبريق الشاي إلى طاولة الطعام تعثرت وسقطت، وإنقلب الإبريق على الأرض، وهنا هبت الأم بخوف نحو زوجة إبنها، وفي عينيها دموع القلق، تسألها كأم حنون إن كان قد أصابها مكروه، عندها تغير قلب زوجة الإبن، وإمتنعت عن وضع السم، بل وطلبت من صديقتها ترياقاً يبطل مفعوله، فإعترفت لها صديقتها عندها بأن السم ما هو إلا قطرات من الماء فقط، وقد طلبت منها تغيير معاملتها لوالدة زوجها، لأن حسن المعاملة، والكلام الطيب يغير النفوس، وصدق الله عز وجل القائل في سورة فصلت: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) الآيات 34،35.
كان عبد الله بن المبارك عابداً مجتهداً، يسير في يوم من الأيام مع رجل، فعطس الرجل، ولم يحمد الله، فنظر إليه إبن المبارك، يريد لفت نظره إلى أن الحمد بعد العطس سنة محمودة، ولكن الرجل لم ينتبه، فأراد إبن المبارك أن يجعله يعمل بهذه السنة دون أن يحرجه، فسأله: أي شىء يقول العاطس إذا عطس؟ فقال الرجل: الحمد لله، فقال له عندها: يرحمك الله !!
وقد كان الحسن البصري إذا بلغه عن أحد أنه شتمه أهداه طبقاً من أحسن التمر !! ويرسل له: بلغنا أنك تهدي إلينا من حسناتك، فرأينا أن نهديك أحسن تمورنا نظير ذلك.
عند متابعتنا للتعليقات المختلفة على ما ينشر لنا من مقالات، نسعد بتلك التعليقات الراقية التي تناقش لب الموضوع وتحلله، كما أننا نبتسم عندما نرى تعليقات أخرى ليس لها أي علاقة بالموضوع، فذلك يعلق على إحدى مقالاتنا منتقداً وضع الإسم الثلاثي، لأنه أطول من عنوان المقال، دون أن يلتفت إلى قراءة موضوع المقال !! ولم يعلم ذلك الشخص بأن سبب ذلك هو العهد الذي قطعناه على أنفسنا، بكتابة إسمنا الثلاثي في جميع المحافل، براً بالوالد، وفخراً به، وبإسمه رحمه الله تعالى.
وآخر ينتقد مقالة كتبناها عن معالي وزير الشباب، الذي لم نره في حياتنا، معلقاً بأننا لم نكتب عنه إلا لأننا نملك ذقناً خفيفة مثله !!، وآخر يجزم بإنتمائنا للحزب الفلاني، أوالجماعة الفلانية، ولم يعلم بأننا لم نتحزب، أو ننتمي لجماعة في حياتنا، هي إذن فقط كلمات وأحكام مسبقة، نلقيها في بعض الأحيان دون أدنى تفكير فيها للأسف، ورحم الله تلك الوالدة التي غضبت من إبنها الصغير يوماً، فدعت له: (إذهب جعلك الله إماماً للحرمين) ! فإستجاب لها الله الدعاء، وأصبح بعدها إبنها الدكتور عبدالرحمن السديس إماماً للحرم الشريف بالفعل !
ترى هل جرب أحدنا بدلاً من مناداة صغاره بالشتائم والإهانات، يوماً إستخدام عبارات مثل: تعالي يا حبيبتي، أو أحسنت يا بطل، أو نظيراتها، ليرى مدى تأثيرها عليهم، فلنجرب تأثير ذلك مع الصغار والكبار، وسنذهل من روعة النتيجة.
عجبنا على من يضيع أيامه وساعاته ببذئ الكلام، ويصرخ ويعنف، ولا يحرص على التخير من الكلام أجمله، ومن الخلق أحسنه، ولم يعلم بأن القلب مخزن، ومفتاحه الكلمة الطيبة.
تلك الكلمة وماأدراك ما الكلمة، أمانة في أعناقنا، إن شئنا حفظناها، وإن شئنا ضيعناها.
قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ إجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} سورة إبراهيم الآيات {24-26}.
فنرى من أتقن هذا الفن يحرص على تخير أرق الكلمات والعبارات، تماماً كما يتخير أجمل الثياب وأحسنها، وقد قالوا قديماً: من لانت كلمته وجبت محبته، ومن عذب لسانه كثر إخوانه، وقد جربت هذا بنفسي في العديد من المرات، كان أكبرها أثراً مع والدي رحمه الله، عندما كنت أتصيد جبهته لتقبيلها في كل مرة أراه فيها، وأختار له من الكلام أجمله، وكنت أرى في عينيه مقدار إمتنانه، وفرحته بما يسمع ويشاهد.
سألتني أصغر شقيقاتي يوماً: هل ندمت يوماً على شئ كتبته؟ ليأتي جوابي بالنفي القاطع، ذلك لأننا نتخير أفضل ما في جعبتنا دائماً، مما يمليه علينا ضميرنا، ويصب في مرضاة الخالق عز وجل قبل أي شئ.
وقد سأل أحدهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم الرسول صلى الله عليه وسلم: من أكبر أنت أم رسول الله؟ فأجابه: رسول الله أكبر مني، ولكني ولدت قبله !!
وهاهو سيدنا يوسف عليه السلام، لم يذكر لإخوانه الجرم الذي فعلوه فيه، من إلقائهم له في الجب، وذكر ما سواه، عندما قال: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، إذن فهذا المبدأ الراقي هو من صلب ديننا، وأساسيات تعاليمه، ولنا خير مثال في ذلك، من أوتي جوامع الكلم، وكان يأسر قلوب ألد أعدائه بحسن كلامه، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
تحكي إحدى القصص أن أماً كانت علاقتها سيئة جداً مع زوجة إبنها منذ اللحظة الأولى، فقررت الزوجة في النهاية ترك بيت زوجها، والعودة إلى بيت أهلها، ولكنها عادت بعد عدة محاولات، متمنية موت والدة زوجها، وقررت التخلص منها بالسم، وإتفقت مع صديقتها على الحصول على أقوى سم قاتل، فوافقت صديقتها، ولكن بشرط تنفيذ خطتها بحذافيرها، وفي اليوم التالي جاءت صديقتها بالسم، وطلبت منها أن تضع كل يوم منه قطرة واحدة في طعام والدة زوجها، لمدة شهر كامل، وبعد الشهر سيفعل السم مفعوله، ويقضي عليها بالتأكيد، ولكنها إشترطت على الزوجة أن تحسن معاملة والدة زوجها، وتتحمل إهاناتها بصدر رحب طيلة الشهر، وبالفعل بدأت الزوجة بتنفيذ الخطة، فبدأت تتودد إلى الأم بكلمات المديح والمجاملة، فإذا إستيقظت من نومها، قالت لها: إنك يا عمتي تزدادين جمالاً رغم سنوات عمرك، وأجمل ما تكونين في الصباح، وإن إرتدت ثوباً جديداً أثنت على ذوقها في اللبس، وإن قامت إلى المطبخ ركضت وراءها حالفة عليها الأيمان أن ترتاح، وبعد يومين من هذه المعاملة، بدأت الأم تلوم نفسها على سوء معاملة زوجة إبنها، ولم يمر أسبوع إلا وكانت قد تحولت إلى أم للزوجة، ترعاها وتخاف عليها، وتبتسم في وجهها، وتجاملها بكلمات المديح والإطراء، وبعد عشرة أيام، وبينما كانت الزوجة تحمل إبريق الشاي إلى طاولة الطعام تعثرت وسقطت، وإنقلب الإبريق على الأرض، وهنا هبت الأم بخوف نحو زوجة إبنها، وفي عينيها دموع القلق، تسألها كأم حنون إن كان قد أصابها مكروه، عندها تغير قلب زوجة الإبن، وإمتنعت عن وضع السم، بل وطلبت من صديقتها ترياقاً يبطل مفعوله، فإعترفت لها صديقتها عندها بأن السم ما هو إلا قطرات من الماء فقط، وقد طلبت منها تغيير معاملتها لوالدة زوجها، لأن حسن المعاملة، والكلام الطيب يغير النفوس، وصدق الله عز وجل القائل في سورة فصلت: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) الآيات 34،35.
كان عبد الله بن المبارك عابداً مجتهداً، يسير في يوم من الأيام مع رجل، فعطس الرجل، ولم يحمد الله، فنظر إليه إبن المبارك، يريد لفت نظره إلى أن الحمد بعد العطس سنة محمودة، ولكن الرجل لم ينتبه، فأراد إبن المبارك أن يجعله يعمل بهذه السنة دون أن يحرجه، فسأله: أي شىء يقول العاطس إذا عطس؟ فقال الرجل: الحمد لله، فقال له عندها: يرحمك الله !!
وقد كان الحسن البصري إذا بلغه عن أحد أنه شتمه أهداه طبقاً من أحسن التمر !! ويرسل له: بلغنا أنك تهدي إلينا من حسناتك، فرأينا أن نهديك أحسن تمورنا نظير ذلك.
عند متابعتنا للتعليقات المختلفة على ما ينشر لنا من مقالات، نسعد بتلك التعليقات الراقية التي تناقش لب الموضوع وتحلله، كما أننا نبتسم عندما نرى تعليقات أخرى ليس لها أي علاقة بالموضوع، فذلك يعلق على إحدى مقالاتنا منتقداً وضع الإسم الثلاثي، لأنه أطول من عنوان المقال، دون أن يلتفت إلى قراءة موضوع المقال !! ولم يعلم ذلك الشخص بأن سبب ذلك هو العهد الذي قطعناه على أنفسنا، بكتابة إسمنا الثلاثي في جميع المحافل، براً بالوالد، وفخراً به، وبإسمه رحمه الله تعالى.
وآخر ينتقد مقالة كتبناها عن معالي وزير الشباب، الذي لم نره في حياتنا، معلقاً بأننا لم نكتب عنه إلا لأننا نملك ذقناً خفيفة مثله !!، وآخر يجزم بإنتمائنا للحزب الفلاني، أوالجماعة الفلانية، ولم يعلم بأننا لم نتحزب، أو ننتمي لجماعة في حياتنا، هي إذن فقط كلمات وأحكام مسبقة، نلقيها في بعض الأحيان دون أدنى تفكير فيها للأسف، ورحم الله تلك الوالدة التي غضبت من إبنها الصغير يوماً، فدعت له: (إذهب جعلك الله إماماً للحرمين) ! فإستجاب لها الله الدعاء، وأصبح بعدها إبنها الدكتور عبدالرحمن السديس إماماً للحرم الشريف بالفعل !
ترى هل جرب أحدنا بدلاً من مناداة صغاره بالشتائم والإهانات، يوماً إستخدام عبارات مثل: تعالي يا حبيبتي، أو أحسنت يا بطل، أو نظيراتها، ليرى مدى تأثيرها عليهم، فلنجرب تأثير ذلك مع الصغار والكبار، وسنذهل من روعة النتيجة.
عجبنا على من يضيع أيامه وساعاته ببذئ الكلام، ويصرخ ويعنف، ولا يحرص على التخير من الكلام أجمله، ومن الخلق أحسنه، ولم يعلم بأن القلب مخزن، ومفتاحه الكلمة الطيبة.
تلك الكلمة وماأدراك ما الكلمة، أمانة في أعناقنا، إن شئنا حفظناها، وإن شئنا ضيعناها.
قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ إجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} سورة إبراهيم الآيات {24-26}.