الخوارج والدولة الأردنية.. عميد آل هاشم يضع النقاط على الحروف


بدأت معاناة الأمة الإسلامية مع الأفكار المنحرفة والمتطرفة مبكرا .. وكانوا على مر تاريخهم خنجرا في خاصرة الدولة الإسلامية يسهل على العدو استغلال وجودهم لإرهاق الدولة في معارك هي في أمس الحاجة للبعد عنها.

لقد كان الفكر الضال وصمة عار في تاريخ غير المسلمين، ثم ابتلي به المسلمون .. وتكمن خطورته أن بعض الاتجاهات المنحرفة والقائمة على هدم أصول الدين جعلت التهمة بالتطرف سلاحا لها تسم به كل من عارضها أو فضح عوارها.

لن أنكر أن مفاجأة لي من العيار الثقيل ألمت بي حين سمعت مصطلح ( الخوارج) يجري على لسان الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لأول مرة عام 2005 عقب التفجيرات الإرهابية التي استهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة عمان -حرسها الله من كل سوء-.

خاصة حين قارنت فهم جلالته الذي أطلق هكذا مصطلح مع ماتم تداوله على الإعلام من إطلاق التهم جزافا على بعض الحركات الإسلامية بعينها.

ناهيك عن أنني قارنت فهم جلالته العميق بفهم بعض الأساتذة الذين التقيتهم قبلها والذين كانوا يشككون في وجود هذا الفكر في هذا العصر.

والطامة العظمى أن وجود هذا الفكر وهذه الفرقة استغل أبشع استغلال للصق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين في دول العالم، ليحمل عميد آل هاشم راية الدفاع عن الصورة الحقيقية للإسلام في أماكن ومنابر دولية ليس لأي أحد أن يتواجد فيها، فحمل جلالته راية الدفاع عن الإسلام والمسلمين أمام العالم كله وبشتى دياناته. وقد ظهر ذلك جليا في خطابه - وفقه الله - في الجلسة العامة للاجتماع الحادي والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأميركية -في نيويورك بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 2016- فكان لكلماته حول هذا الفكر المنحرف وقع عظيم، والذي لم يسبق لي أن سمعته على لسان أحد من ملوك العرب والمسلمين في هذا العصر!.

 خاصة حين قال: "كيف يمكننا أن نكون فاعلين في هذه المعركة ( يعني المعركة ضد الإرهاب)، ونحن لم نحدد لغاية الآن من هو عدونا بوضوح، ولا نعرف إلى جانب من نقاتل وضد من نقاتل؟".

وأعقب ذلك بقوله:

"أجد نفسي مصدوما من الفهم المغلوط لطبيعة الإسلام لدى العديد من المسؤولين الغربيين والمعاهد الفكرية وقادة الإعلام وصنّاع السياسات، حيث أجد نفسي مضطرا لتوضيح ما هو واضح المرة تلو الأخرى".

هنا اسكت قليلا احتراما وتقديرا لهذا الخطاب الذي يؤكد أن الملك عبدالله الثاني حمل راية جده في الدفاع عن الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. الدفاع عن تعاليم الإسلام من التشويه العالمي والإقليمي أو حتى المحلي.

وتأكيدا على كلام عميد آل هاشم فإنه ومن الملاحظ بشكل أساسي في هذا الفكر وهذه الفرقة أنها لم تحوي في صفوفها أي شخصية ذات شأن في التاريخ الإسلامي أو من لها السبق في الإسلام، ومع ما كان من خلاف بين الصحابة في زمن علي رضي الله عنه حتى وقعت الفتنة أو الحرب بينهم، فإن أحدا من الصحابة لم يظهر في معسكر هذا الفكر الضالة، وهو ما يؤكد الحقيقة الأساسية؛ وهي أن مريدي هذا الفكر وهذه الحركة كانوا من أصحاب الفكر السطحيين البسطاء، محدودي الثقافة والخبرة، معدومي الرؤية، ومتى اجتمعت هذه العوامل تكون كفيلة بخلق فكر وسلوك متطرفين، ولم نسمع على مر تاريخ هذه الفئة الضآلة أنها أنجبت أي مبدع أو مفكر أو مفسر أو أي قيمة فكرية أو اجتماعية إضافية، وهو أمر منطقي ومفهوم بالنظر للتركيبة المتطرفة.

لقد نبه الملك عبدالله إلى خطر هذا الفكر الضال وآثاره حين قال - وفقه الله -:

"عندما يسعى الخوارج لتضليل بعض المسلمين، أو تشويه ديننا عبر تعاليم خاطئة، فإن الخطر سيحدق بمستقبل مجتمعاتنا كلها".

وقوله: "إن  الخوارج عندما يقتلون أو ينهبون أو يستغلون الأطفال أو يحرمون النساء من حقوقهن التي شرعها الله، فإنهم يسيئون للإسلام. وعندما يضطهد الخوارج الأقليات وينكرون الحريات الدينية، فإنهم يسيئون للإسلام".

حين أنظر وأقرأ مابين السطور أجدني أقف أمام معاني عظيمة يدافع عنها أبو الحسين. فليس من السهل - خلال سنوات عمري - أن اجد أحدا ممن يعمل في الساحة الدعوية أو حتى السياسية يرمي كبد الحقيقة كما فعل عميد آل هاشم هنا:

"أؤكد هنا، وبكل وضوح، أن الجماعات المتطرفة خارجة عن الإسلام ولذلك ندعوهم بالخوارج. فهؤلاء يتخذون من العالم المتحضر والناس جميعا، مدنيين أو عسكريين، أعداء، ويرون في ذلك هدفا مشروعا. وهم يحاولون أن يزرعوا في كل دولة من دول العالم "خلافة" مزعومة ليمتد نفوذهم، وهم يتمددون بسرعة وعلى نطاق واسع من خلال مهارتهم في استغلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام الاجتماعي.".

وقوله:

"ولا بد هنا من التأكيد الحاسم، وبما لا يترك مجالاً للبس أو التضليل، بأن الإسلام السنيّ المستند إلى الأصول والتقاليد الصحيحة وبجميع مذاهبه الفقهية يرفض رفضا قاطعا أفكار التكفيريين ومزاعمهم. ويجب على المسلمين المساهمة بشكل فاعل في تعرية الخوارج والتصدي لهم ولنهجهم في انتقاء نصوص دينية وإخراجها من سياقها وتوظيفها بما يخدمهم، فيحرّفوا بذلك تعاليم الإسلام الحنيف.".

هذا كلام رجل فقيه بحال الجماعات الإسلامية والمتأسلمة على الساحة.. 

كلام رجل فقه من هو مع الإسلام ومن هو يعمل ضده.

بل إنه لم يكتف بإطلاق الأحكام فغاص في أعماق الأسباب، وألمح بكل ذكاء معهود منه إلى أس الآفة وأساسها، وحمل العالم الغربي مسؤولية انتشار هذه الأفكار والظواهر فقال:

"لن نستطيع تحقيق النصر ضد آفة الإرهاب والعنف دون أن نستأصل جذريا المظالم التي تشكل تربة خصبة للإرهاب. فمن سجن أبو غريب إلى شوارع كابول ومدارس حلب، نجد أن الظلم والمهانة قد تركا خلفهما معاناة إنسانية كبيرة.".

 وقوله:

"وليس هناك من ظلم بمرارة كبيرة أكثر من حرمان الفلسطينيين من حقهم في الدولة. وأؤكد هنا أن السلام هو قرار يتخذ عن وعي وإرادة، وعلى إسرائيل أن تتقبل السلام، وإلا فإنها سوف تغدو محاطة بالكراهية وسط منطقة تموج بالاضطراب"

فأي كلام بقي لأحد بعد هذا المتكلم الفاهم وبعمق لجذور القضية وأسباب ظواهرها.

بل وبفراسة عهدناها فيه منذ تسلمه مقاليد الحكم وفي كلمته التي ألقاها في المداولات العامة للدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة في سبتمبر عام 2018 وفي سياق تأكيده على ضرورة إنقاذ وكالة الأونروا والجهود الحيوية الأخرى التي تحمي المجتمعات وتحافظ على استقراراها قال: "سيكون من الخطأ الفادح التخلي عن الشباب لقوى التطرف واليأس. ولذلك، هناك حاجة ملحة لهذا الدعم لضمان قيام الأونروا بدورها، بما يتماشى مع تفويض الأمم المتحدة."

ليعلن وبكل صراحة وضوح:

 "المعركة ضد الخوارج لم تنته بعد".

"فإن المعركة ضد هؤلاء الخارجين عن القانون، الخوارج عن الإسلام، لم تنته بعد. فالفوز في الحرب يتطلب نهجا شاملا طويل الأجل، يجمع بين الإجراءات الأمنية والمبادرات القوية التي تدعم الاندماج والأمل. على الإنترنت وخارجه، يجب علينا مواجهة كل، وأقول كل إيديولوجيات الكراهية، بما في ذلك الكراهية الموجهة ضد الإسلام."

اليوم وفي خضم أحداث طوفان الأقصى وتداعياته على المنطقة برمتها، كم نحن بحاجة إلى القراءة في مضامين خطابات عميد آل هاشم خاصة اولئك الذين لا يقرأون كتاب الله أو سنة نبيه أو حتى في تاريخ أمتهم القديم والمعاصر.

أختم مقالي هذا بكلمات لجلالة الملك عبدالله الثاني، في يوم الأحد 21-5-2017، في أعمال القمة العربية الإسلامية الأميركية، التي استضافتها المملكة العربية السعودية، بحضور زعماء وقادة دول عربية وإسلامية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وكان ألقى جلالة الملك كلمة في القمة كان من محاورها ما قاله:

"إن المجموعات الإرهابية توظف هوية دينية زائفة بهدف تضليل واستقطاب مجتمعاتنا وشعوبنا. دعونا هنا نؤكد بوضوح: إن العصابات الإرهابية لا تمثل مجموعة تتواجد على هامش الإسلام، بل هي خارجة تماماً عنه. هؤلاء هم الخوارج. العرب والمسلمون يشكلون الغالبية العظمى من ضحاياهم.

التعصب والجهل يعززان العصابات الإرهابية، ومن المهم أن نساعد الجميع في كل مكان على فهم هذه الحقيقة".

صدقت أبا الحسين .. فما رأينا أحدا دفع ثمن وجود هؤلاء على الساحة كما فعل العرب والمسلمون، فكانوا حرابا سلطت علينا في بقاع الأرض، وما كانوا إلا هدما لكل سبل التنمية في بلادنا بشتى لغاتنا ولهجاتنا.