شبابنا والفكر التقليدي
يذكر الراحل «ستيف جوبز» أن بداية عمله كانت مع مجموعة من أصدقائه الشباب في كراج بيته الصغير والمتواضع، وكان يحصل على المال إما من ذويه في التبني أو يعمل أي شيء حتى يعيش ويوفر أبسط مستلزمات الحياة، لكنه كان عاشقا لعلوم الكومبيوتر والبرمجة وفي حينها كان أجهزة الكومبيوتر بطيئة وغالية الثمن وفي بداية عهدها و استمر بالعديد من المحاولات حتى نجح في إنتاج شريحة متطورة لينطلق بعدها بجهاز كمبيوتر يربط بالتلفاز .
أيضا نفس الأمر وجدته عند «روبرت مردوخ» صاحب الامبراطورية الإعلامية حيث يملك هذا الرجل عددا مرعبا من الصحف والمجلات ومواقع الانترنت والقنوات التلفزيونية والمحطات الاذاعية في أمريكا وحتى خارجها، وفي سيرته الذاتية يذكر أنه كان يريد العمل كعامل بناء وأنه تعرض لصدمات كثيرة في حياته، حتى استثمر مرة في مشروع إعلامي صغير بمبلغ زهيد في بيت أحد أصدقائه ونجح وقرر بعدها السيطرة على مختلف وسائل الإعلام الواحدة تلو الآخرى. لجني مزيد من الأرباح .
أسماء كثيرة لامعة وناجحة وبدايتهم من الصفر ومن بيوتهم، والمضحك عندما أسمع عن رؤوس الأموال لمشاريعهم التي بدأوها أكتشف أنها أقل من ثمن سيارة مستعملة، أن ما يحزنني وأنا أتابع شبابنا أن طموحاتهم مكررة ليس فيها روح المغامرة والإبداع والتحدي.
أن سألت السواد الأعظم من شبابنا سوف يقولون لك نريد الوظيفة الحكومية أولا وأخيرا، وأن وجدت من يغرد خارج السرب وعددهم قد لا يتجاوز الخمسة بالمائة، فهم يريدون الحصول على قروض بنكية و البدأ بمشروع والمشروع أيضا ليس بالمميز والمغري والكل قام بتنفيذه من قبل و أحتمال الخسارة أكبر من الربح بنسبة لا يستهان بها.
ما أبحث عنه شباب يملكون مشاريع جديدة، ينطلقون من الصفر من بيوتهم و خطوة تلو خطوة تصبح مشاريعهم حقيقية على أرض الواقع، ويقدمون شيء ليس لشريحة صغيرة بل للبشرية كافة .
إن المشكلة فينا نحن وليس في شبابنا المسكين الطيب، فتعليمنا متهالك قديم معتمد على الحفظ ليس فيه أساليب البحث عن المعلومة، والطفل منذ دخوله المدرسة نقتل شخصيته ونجبره بأن لا يلعب ولا يشارك وأن يجلس هادئا في صفه كأنه تمثال جامد في مكانه دون أي حركة، وعند وقت الأمتحان نجعله يحفظ ما في الكتاب بين ليلة وضحاها دون فهم،وبعد أن يفرغ ما في دماغه على ورقة الامتحان ما هي إلا أيام وقد نسى كل شيء تماما، وعندما يكبر يرى أغلب من يعرفهم موظفين يذهبون صباحا إلى عملهم ويعودون من عملهم في الوقت المحدد، ويريد أن يصبح مثلهم تماما دون زيادة أو نقصان وهكذا زرعنا في داخلهم الفكر التقليدي المقيت المقزز .
لهذا نجد شبابنا يغلون وفي داخلهم براكين من الغضب والسخط بعد انتهائهم من الدراسة الجامعية لأنهم لم يحصلوا على الوظيفة الحكومية،ويستسلموا للبطالة رافضين أي عمل مهما كان، وتضيع سنوات حياتهم الجميلة في الانتظار دون عمل أو زواج وأن كرامتهم وحتى انسانيتهم قد انتهكت ولن تعود إلا بالوظيفة الحكومية.