تناقض

يحتار المرء في مواقف بعض الناس ، ولا يستطيع أن يجد لها تفسيرا مقنعا ، وتزداد هذه الحيرة عندما يكون هؤلاء من الطبقة السياسية أو من المثقفين . فهم اليوم يقولون رأيا ويعملون خلافه في نفس الوقت أو في اليوم الذي يليه . كما أنّهم يتبنّون موقفا ويعتبرونه مبدئيّا في مكان ويأخذون الموقف المضاد في مكان آخر .
فهؤلاء يعتبرون أنفسهم من أنصار الحريّات العامّة للأفراد والشعوب عامّة ، لذلك تراهم يتقدّمون الصّفوف في المسيرات والمهرجانات ويهتفون بما آتى الله سبحانه حناجرهم من قوّة واتّساع مطالبين بالحريّة والديمقراطيّة والكرامة،بينما يستكثرون على الآخرين مطالبتهم بنفس الحقوق ليكونوا كغيرهم من عباد الله . بل يزيد بهم الشّطط في اتّهام هؤلاء في ولاءهم وحبهم لوطنهم . طالبين منهم الخضوع للظلم والقمع والرضى بالدكتاتورية .
لقد كثر هذه الأيام المطالبون بالإصلاح ومحاربة الفساد ، وطبعا لا يطالب في الإصلاح إلا صالح ولا يحارب الفساد إلا من لم يتلوث به . وترتفع الأصوات وتقام الندوات ملحّين على الإصلاح وضرورة محاربة الفساد واجتثاثه من جذوره ، حتى إذا وصل الأمر إلينا أو حوالينا ، وكان أحد المتهمين بالفساد من أقرباءنا أو من مدينتنا انتفضنا وغضبنا غضبة مضريه . فالأمر مقبول ما لم يصلنا أثره أو يطالنا فعندئذ يصبح أمرا مدبّرا ومسيّسا .
نطالب جميعا بالعدالة وتكافؤ الفرص ، فكلنا متساوون في الحقوق والواجبات حسب نص الدستور . فازا شغر منصب رفيع في وزارة أو مؤسسة أو سفارة ، بذلنا الجهود وأعملنا الواسطة من أجل أن يكون الموقع من نصيب قريب أو نسيب أو حبيب وتناسينا ما كنا نشكو منه أو نطالب بمحاربته .
إنها حالة من التناقض نعيشها ونراها رأي العين ونمارسها باستمرار ولكننا نعيبها ونهاجمها إذا كانت في غيرنا ، ونلتمس الأعذار ونجد التبريرات حين نمارسها . هذه نماذج ويستطيع كل منا ذكر أمثلة أخرى كثيرة . ورحم الله الأمام الشافعي الذي قال :
نعيب زماننا والعيب فينا ********* وما لزماننا عيب سوانا