آه من خيبة الأمل

يقول الملك حسين رحمه الله في الكتاب المشهور مهنتي كملك، ( إن الأردن يملك كل مقومات الازدهار، فهو غني بالفوسفات فإنتاجه من هذه المادة سوف يبلغ (2.4) مليون طن في نهاية عام 1975، وقد قدر له إنتاج خمسة ملايين طن في عام 1976، وسبعة ملايين طن في حوالي عام 1980، وهذا ما سيتيح لنا دفع قيمة ثمانين بالمائة من مستورداتنا، وهو غني أيضا بالبوتاس، وسينتج المخصبات الكيميائية وكذلك النحاس والمغنيزيوم بكميات مهمة، ومن الممكن أن يُكتشف البترول قريبا جدا في المناطق الصحراوية في جنوب البلاد، واحتمالات ذلك خمسون إلى خمسين)
ويتابع الملك قائلا ( وهنالك عنصر أساسي في اقتصادنا لا يجوز أن نغفل اعتباره: وهو أن الشعب الأردني هو بلا ريب من أكثر شعوب المنطقة حباً للعمل وإقبالاً ومثابرة عليه، إنه متعطش للمعرفة، تواق إلى الإطلاع، راغب في أن يتعلم وأن يعلم بعدئذٍ أولئك الذين لا يعلمون، إن شعبنا بالغ النشاط صابر مثابر لا تزعزعه الشدائد وليس من بلاد في الشرق الأوسط لم يشارك أردني في تنميته أو تطويرها، فمهندسونا وأطباؤنا وخبراؤنا موجودون في سائر أقطار الأمة العربية، من المغرب إلى أقاصي شبه الجزيرة العربية، يفيدون شعوبنا الشقيقة بعلمهم وخبرتهم، لهذا فإنني أقول، وها هي الأرقام شاهدة على ذلك، بأنني جد متفائل بمستقبلنا، وليس من سبب يدعو لأن لا نصبح في بضع سنين مثلاً يحتذى للبلاد التي تحيط بنا ).
وبعد عقد من الزمان على وفاة الملك حسين ها نحن اليوم نرى شركة الفوسفات تعصف بها اكبر قضية فساد تشغل الرأي العام الأردني، فنهبت من الشعب الأردني تحت اسم الخصخصة وبعقود ابرأ ما يمكن أن يقال عنها إنها غير قانونية، وعندما حاولت جهود الشعب إيصال أبطال لعبة الفوسفات إلى يد العدالة، وقف نواب الأمة وقفة الشهم الكريم ورعاة النخوة فقطعوا الطريق بتصويتهم على عدم إحالة الملف للقضاء، فذهبت الفوسفات إلى جيوب ناهبيها بمصادقة ومباركة مجلس الشعب.
وقد كشف تقرير صادر عن شركة مناجم الفوسفات الأردنية، مؤخرا، عن تحقيق الشركة خلال الخمس سنوات الأخيرة، ضعف الأرباح التي حققتها في 52 عاما من عمرها، وبحسب التقرير، فقد بلغ مجموع صافي أرباح الشركة التراكمية 575,9 مليون دينار في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2011، فيما بلغت أرباح شركة الفوسفات منذ تأسيسها عام 1953 وحتى نهاية العام 2005 ما مجموعه 237,5 مليون دينار.
ويظهر التقرير الفرق الكبير بين صافي حقوق الملكية للشركة في نهاية عام 2005 والتي وصلت إلى 139 مليون دينار (أي أن القيمة الدفترية للسهم الواحد أثناء مرحلة بيع الأسهم الشركات بلغت 1,86 دينار لكل سهم)، مقارنة مع 633,7 مليون دينار حتى نهاية شهر أيلول من العام الحالي (أي أن القيمة الدفترية للسهم الواحد حاليا يبلغ 8,45 دينار لكل سهم).
وقد بلغ مجموع العائد المباشر على خزينة الدولة من شركة الفوسفات خلال الفترة 2006 حتى نهاية أيلول 2011 ما يقارب 437,2 مليون دينار أردني.( عن جريدة الدستور).
فإذا كانت شركة الفوسفات تدر هذه الملايين فهذا يدل على إن الإدارات الحكومية السابقة لشركة الفوسفات كانت عاجزة عن القيام بمهامها الإدارية بالشكل الصحيح، أو إن الأمر كان مفتعلا لإظهار هذه الشركة بأنها عبء على الحكومة ويجب أن تتخلص منها، وبعد إثارة قضية الفوسفات أرى أن هذا الاحتمال هو الأرجح، سيما وان الحقائق التي بدأت تتكشف عن رجالات الوطن تدل على أنهم ما كانوا يولون المصلحة العامة نفس الأهمية التي كانوا يولونها مصالحهم الشخصية، فاستثمروا الوظيفة لتحقيق اكبر منفعة ممكنة وأوصلوا البلاد إلى أزمة مالية جعلت منه متسولا على عتبات قصور الخلايجة والدول المانحة.
فلو تم استثمار الشركات والمؤسسات التي كانت في ملاك الدولة بالشكل الصحيح، وقام كل مسئول بالواجب الموكول إليه بأمانة وحرص على المال العام، لما احتاج المواطن الأردني للوقوف في ساحات الاعتصام مطالبا بمحاسبة الفاسدين، والتي أصبحت ت أعدادهم تتزايد وينكشف مع الأيام إنهم استولوا على مقدرات الوطن، وتشعبت علاقاتهم فأصبحوا يشكلون في جسم الدولة مافيا، وتقاسموا فيما بينهم زوايا الوطن، فأصبح كل مواطن من مواطني هذا البلد يدافع عن لص من اللصوص، أو سمسار من السماسرة، فأكلوا الوطن وهاهم اليوم سيضربون أبناء الوطن بعضهم ببعض، ويخرجون بالغنيمة ويبقى المواطن يحارب الفساد قولا ويحمي الفاسدين فعلا.
فحري بنا اليوم وضع معايير وأسس سليمة في اختيار شاغلي الوظائف العليا بالدولة، والابتعاد عن التعيينات التي تتم بناءا على التوصية أو التوريث، على أن تُراعى في شاغلي هذه الوظائف معايير الأمانة والقوة والكفاءة والعلم، حتى نحافظ على ما بقي من مقدرات الوطن فلم يعد الوطن يحتمل مزيدا من الفساد أو الفاسدين.
وعودا على كلام الملك الراحل أقول يا ترى من هو الذي خيب أمل الحسين، هل هو الشعب الذي ضاعت حقوقه ونهبت مقدرات وطنه وهو يرى، أم هم المسئولين الذين اتخذوا من السلطة في هذا الوطن سفينة، تعبر بهم إلى عالم الترف والثروة، فأحسنوا استغلالها وتركوا وطن العرب غريق في المديونية، وتركوا الشعب غارق بالفقر والغفلة، أم هم أبناؤه الذين كان يأمل بهم النهوض بمسيرة الوطن.
فكيف بالحسين لو يرى حالنا اليوم وقد بيعت الفوسفات، ومديونيتنا تجاوزت كل المؤشرات، ونبحث مستميتين عن المعونة والدعم من القريب والغريب، وسبقنا العلمي بدأت التجارة تقول كلمتها به، وانتكست المسيرة، وتلك الأيام التي كان يجتمع فيها الأردنيين على موائد الأفراح، ذهبت وأصبح الأردنيون يجتمعون في الساحات والطرقات، ينددون بالفساد وأهله ساخطون على الحكومة وعلى رعاية الفساد.
وحتى لا نكون سوداويين أكثر نبشره بأننا سنكون دولة نووية ونحن عطشى، وسيزيد عدد حملة الشهادات العليا أضعاف ما كان يأمل، بعد اشتراط القائمين على التعليم العالي أن يتقن طالب العلم في الدراسات العليا لغة أخرى مع العربية ليهجر وطنه بعد التخرج، ونبشره أن خطوط الكهرباء وصلت إلى كل بيت ويعجز المواطن عن دفع فواتيرها، ونبشره انه لم تسمح السلطات بإدخال أية كميه من المواد الغذائية الفاسدة إلى البلاد، ونبشره بأن المعلم أولى أولويات الحكومة وانه لم يأخذ حقوقه عنوه، ونبشره بان الانتخابات البرلمانية تجري في أجواء من الشفافية والنزاهة وإنها لم تزيف، ونبشره أن رجالات الوطن ورموزه يقدسون ثرا الأردن ولا يرضون بغيره وطنا بديلا.

kayedrkibat@gmail.com