معهد واشنطن: لهذه الأسباب لن تتدخل تركيا عسكرياً في سوريا

في مقال له بموقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قال الكاتب سونر ساغابتاي إنّ الإستجابة التركية الأكثر جرأة تجاه الأزمة في سوريا جاءت الأسبوع الماضي، عندما دعا رئيس وزرائها رجب طيب إردوغان إلى إنشاء ممرات إنسانية لتقديم المساعدة إلى المدنيين هناك. لكنّ من تأملوا أن تلجأ تركيا إلى خطاب عدواني تجاه سوريا يقترن بخطوات ملموسة سيصابون بإحباط شديد. فإذا كان لتركيا أولوية وحيدة هذه الأيام فهي المحافظة على قوتها الناعمة والشعبية في الشرق الأوسط، وأي نوع من التدخل العسكري تتورط فيه تركيا في سوريا سيدمر مباشرة ما تحافظ عليه أنقرة.

وأضاف الكاتب أنّ استطلاعاً للرأي أجراه مركز أبحاث "تي إي أس إي في" ومركزه إسطنبول، مؤخراً كشف أنّ 78 في المئة من سكان الشرق الأوسط اعتبروا أنّهم يحبون تركيا أكثر من أيّ بلد آخر. بينما نالت إيران المنافسة العسكرية والسياسية الوحيد لتركيا، 45 في المئة، أما الولايات المتحدة فنالت 33 في المئة.

فما الذي يفسر ارتفاع شعبية أنقرة؟ هو بالتأكيد لجوء البلاد إلى سياسة القوة الناعمة تجاه الشرق الأوسط في العقد الماضي. كما منحت المنتجات التركية، التي تسيطر على أسواق المنطقة، أنقرة نفوذاً مشابهاً لما كان لليابان من احترام عالمي في السبعينات والثمانينات من خلال سياراتها. كما أنّ تركيا بما أنّها كانت يوماً ما شبيهة بالبلدان العربية تعطي شعوب تلك البلدان النموذج الذي يمكن أن يتطلعوا إليه.

وفي أسباب أكثر عمقاً لهذه الشعبية تبرز السياسة الخارجية الكبيرة التي تنتهجها تركيا تجاه الشرق الأوسط، والتي يعتبرها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بمثابة استرجاع لهيمنة البلاد إقليمياً. وبذلك يمكن لنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يؤديه احتلال تركيا لسوريا من ضرر على هذه الشعبية. وحتى وإن تمكن التدخل التركي من الإطاحة بالأسد سيحول الأتراك إلى قوة احتلال في عيون السوريين، وهو الفخ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في العراق. وسيثير مثل هذا التدخل التركي ذكريات السلطنة العثمانية التي هيمنت على الشرق الأوسط، ما سيخلق عداوة أكبر، وهو ما تعيه تركيا جيداً إذا ما أرادت المحافظة على شعبيتها في المنطقة.

في ليبيا تمكنت أنقرة من تجنب هذه المعضلة عبر تقديمها دعماً سياسياً قوياً للتغيير مع المحافظة على تدخل عسكري محدود. وبحسب مركز الأبحاث التركي مجدداً فإنّ "تركيا ينظر إليها على أنّها الدولة التي لعبت أكثر دور إيجابي" في الربيع العربي مع 77 في المئة من أهل المنطقة الذين يعتبرون أنّهم يحبون ما قامت به أنقرة حتى اليوم. ويرتفع الرقم بالنسبة لليبيا إلى 93 في المئة.

لكنّ أيّ تدخل عسكري في سوريا سوف لن يلقى نفس الحفاوة. واليوم بالتحديد تدنت أسهم تركيا في عيون السوريين كثيراً، فعلى سبيل المثال عبّر 93 في المئة من السوريين عام 2010 عن حبهم لتركيا، بينما تدنت النسبة عام 2011 إلى 44 في المئة مع رؤية السوريين ما تقوم به تركيا تدخلاً في شؤونهم.

ويمكن رؤية هذا العداء لتركيا في أوجه اليوم لدى العلويين السوريين الذين يشكلون 15 في المئة من السكان، وهو ما يؤكد الكاتب أنّه رآه في أنطاكية على الحدود التركية مع سوريا حيث كان هنالك سوريون مؤيدون للأسد انضم إليهم علويون من العرب الأتراك وهتفوا بشعارات مؤيدة للأسد ومعادية لأنقرة. كما يبرز الأمر نفسه بدرجة أقل لدى السوريين المسيحيين والدروز والطبقة السورية الراقية من كافة المذاهب وهم من لم يقتنع بعد بأنّ الإنتفاضة ستنجح وهم بالتالي حذرون تجاه أي تدخل تركي. وتواجه تركيا أيضاً مقاومة إضافية من جانب أكراد سوريا الذي يعتبرون القضية جزءاً من سياسة تركيا تجاه الأكراد وسيعارضون تدخلاً تركياً حتى وإن كان سيحررهم من نير الأسد.