الملك ينزل الى الشارع... ووزراء يقدمون 'ذخيرة' لخصوم الخصاونة وخطة إستعادة الولاية العامة ضعفت
اخبار البلد- بسام بدارين - يحلو لبعض المراقبين السياسيين الذين لا يفترضون حسن النية بالعادة في الأردن التعامل مع إشارات القصر الملكي الناعمة التي برزت مؤخرا تجاه وزارة الرئيس عون الخصاونة بإعتبارها عملية تمهيدية لإقصاء وإزاحة هذه الحكومة المزعجة إلى حد ما وإنهاء تجربتها قريبا.
ويبدو أن وجود إشكالات في الميدان تطلبت مرة أخرى نزول الملك عبد الله الثاني شخصيا إلى الشارع وتلمس الحوار المباشر مع مواطنيه سواء عبر زيارات فجائية أو مرتبة أصبح بحد ذاته حجة على الحكومة التي أعلنت مبكرا أنها ستستعيد الولاية العامة المهدورة سابقا قبل الإنتقال إلى خطاب أنعم قليلا يتحدث عن إستعادة هذه الولاية المخطوفة لحساب مؤسسات أخرى شريكة في القرار والدولة بالتدريج. والهدف من التدريج ونظام التقسيط هنا واضح وهو تكتيكيا بقاء الحكومة لأطول فترة ممكنة في الحكم ومع أقل مستويات التخاصم داخل مربعات النظام.
وإستراتيجيا التمكن من مشاغلة مراكز قوى متنوعة تحاول الإنقضاض على الفريق الوزاري حتى تنضج الظروف الموضوعية لإنتاج حزمة من التشريعات الإصلاحية الإستراتيجية التي ستسجل تاريخيا لصالح الخصاونة لو مكنه الأخرون منها.
وأغلب التقدير أن الإطار الإستراتيجي الذي يتحرك رئيس الوزراء في محيطه وجواره يتأثر سلبا بضعف هوامش المناورة والمبادرة أمام الفريق الوزاري الذي يمتنع حتى الآن عن النزول للميدان وإنتاج حلول سريعة للمشكلات قبل إستعصائها، الأمر الذي يدفع مرة أخرى طاقم القصر الملكي للتحرك أحيانا وللتعامل مع هذه التداعيات أحيانا أخرى خصوصا وان المعترضين في الشارع وهم كثر ويتوالدون يوميا توقفوا عن مخاطبة الحكومة وإسترسلوا في تنظيم الإعتصامات على بوابة المكاتب الملكية على أمل إنصافهم .
ولم يعد سرا في السياق أن بعض وزراء الطاقم الحكومي يثيرون من الإشكاليات والحساسيات مع الشارع وبقية المؤسسات الشريكة أكثر بكثير مما يقدمونه لخدمة الحكومة وبرامجها فإصرار وزير الطاقة قتيبة أبو قوره على 'لغة غير مفهومة' في التعاطي مع أزمة فواتير الكهرباء إنتهى بمذكرة نيابية تطرح الثقة بالوزير قبل تحولها لمشروع يعلن النية لحجب الثقة عن الحكومة بأكملها وخلال 48 ساعة كما أبلغ 'القدس العربي' النائب خليل عطية متبني المذكرة.
وقبل ذلك إنتهت الإدارة السيئة جدا لملف مطالبات المعلمين بإعتصام هو الأضخم أمام رئاسة الوزراء قرعت بسببه كل أجراس الأنذار على مستوى النظام والدولة وليس الحكومة فقط فيما شعر مؤخرا حتى الكادر الوظيفي لوزارة الداخلية بأن مطالبه 'المعيشية' ينبغي أن تتجاوز محطة الوزير ومكتبه لكي تصل إلى مسامع القصر الملكي.
ولوحت لجان المتقاعدين العليا بالعودة للغة التصعيد بسبب محاولات من وزراء للإلتفاف على ما أتفق عليه سابقا.
قبل ذلك أيضا تعاملت الحكومة مع مشروعين لحجب الثقة عن وزير الإتصال بسبب التجاذبات التي يثيرها 'النطق الرسمي' بين الحين والأخر.. مقابل ذلك تنشط الماكينة التي تخاصم الحكومة سياسيا وإعلاميا تحت عنوان المماطلة في التحضير للإنتخابات.
ورغم شكوى مطبخ الخصاونة من غياب الإنصاف عند الماكينة المشار إليها تحديدا يصر المطبخ السياسي والأمني وإلى حد ما التشريعي في الحكومة على تصريحات وأحيانا قرارات تلعب دور 'الذخيرة' التي تقدم مجانا لخصوم الحكومة المتربصين بها .
مؤخرا شمل ذلك إجابات غير مسيسة لوزير التشريع أيمن عوده على تساؤلات لها علاقة بتأخر تشريعات الإنتخاب وإعتقالات أمنية غير مبررة إطلاقا لنشطاء حراك الطفيلة لم يعلق عليها وزير الداخلية الجنرال محمد الرعود . وشمل كذلك تناقضات في رواية الحكومة حول ملف الفوسفات وإتجاهات 'إعتباطية' لرفع أسعار الكهرباء في وقت حساس جدا وبشكل يستفز العصب الحيوي للناس والمجتمع وتحت ذرائع واهية تنقصها الحكمة من طراز إجبار ما نسبته 7 بالمئة من المواطنين على دفع كامل ديون الكهرباء البالغة نحو 220 مليونا من الدنانير حسب النائب المهتم جدا بالملف عطية .
ومجمل هذه القرائن تثبت بأن بعض الأجنحة في الطاقم الوزاري تنتج الإشكالات لدرجة عدم الحاجة لخصوم من الخارج حيث يبدي بعض الوزراء مقاومة صلبة لفكرة إظهار الإنسجام مع إتجاهات رئيسهم الخصاونة الذي يواجه تحديات في الشارع والإقتصاد وداخل النظام والوزارة .
وغياب هذا التوازي في العمل ينتج عنه تشكل التباينات في الجسد الحكومي مما بدفع البعض في المحصلة لرصد ملامح النعومة الملكية تجاه الحكومة بإعتبارها سياسيا توطئة لإنهاء التجربة فوزارة الخصاونة كما صرح رئيسها علنا شكلت 'للإنقاذ' وأداء بعض رموزها اليوم يحول الحكومة لعبء على القصر الملكي وفي توقيت مغرق في الحساسية، وهو عبء يمكن إحتماله لو حققت الحكومة نجاحات ولو ضئيلة على الصعيد الإنقاذي .
ذلك لا يعني إلا حقيقة واحدة بلغة التحليل السياسي.. لا مبرر للمجازفة بنقل 'الولاية العامة' تماما للحكومة الحالية ما دامت غير منتجة فيما يتعلق بأجندة الإنقاذ فقد يأتي يوم قريب يصبح فيه طي صفحة الحكومة الحالية خطوة غير مكلفة إطلاقا فالشارع يواصل غضبه والأزمة الإقتصادية تتفاقم والإستعصاء أصبح وجبة يومية لأصحاب القرار.
فوق كل ذلك يساهم وزراء بعينهم في 'تذخير' التأزم وقد ثبت اليوم بأن الإعتذار من بعض أفراد الطاقم وشكرهم ثم تنحيتهم عبر تعديل وزاري قد يكون المحطة الإجبارية والأساسية إذا قرر الخصاونة إعتماد أي إستراتيجية بعنوان البقاء لفترة أطول في الحكم