رؤية حزبية


عندما تُنشأ الأحزاب تكون للحاجة الملحة ، والسبب مصلحة الوطن العليا والشعب معا ، الذي جاءت منه كوادر الحزب ، ولأن الحزب هو البوتقة السياسية في الدرجة الأولى التي ينصهر فيها كل أعضاء الحزب ، حتى يتخيل العضو نفسه أنه مولود هذا الحزب ، ويرى العضو بالمقابل أن الحزب هو عشيرته أو قبيلته مع تقديرنا لكل عشائرنا الأردنية ، أولئك الناس الذين يؤمنون بذلك حقا هم قلّة في هذا الزمن ، كما أنه لا يكفي أن يكون عضو الحزب مثقفا سياسياً أو مؤمناً بمباديء حزبه ، بل عليه أن يتميز بإيمانه العميق بالعمل العام ، الذي يجعل منه عضواً فاعلاً ومؤثراً في بقية دوائر حزبه وفي الحياة العامة ، والتنافس في ذلك مع رفاقه أو زملائه في الحزب .
وأن من الأبجديات في العمل الحزبي ، أنه حين تكون لدى عضو الحزب طموحات مشروعة يسعى لتحقيقها، أن يلجأ إلى الطريق القويم ، الذي يجعل من الحزب مظلةً كبيرةً لأعضائه بمجموعهم ، حتى يحققوا طموحاتهم بالطريقة المشروعة ، وهذا أمر مشروع في كل أحزاب الدنيا، فالحزب طريق الطموح، وبالمقابل حين يقدّم العضو للحزب وقته ومستقبله ، وجب على الحزب أن يقف إلى جانبه ليكفّ الظلم عنه ، من قبل شخوص بعض المؤسسات في الدولة، وعلى الحزب أن يساند عضوه في الأمور المشروعة التي لاتخالف القانون، ولا تخالف حتى الأعراف والتقاليد، وأن لا يتخلّوا عنه وتبقى الأمور معلقة في رقبة شخص واحد .
ولأن الأحزاب هي من ضمن فئة مؤسسات المجتمع المدني الفاعل ، والمحرك للحياة السياسية والثقافية ، والتأثير في القرارات التي يرى أنها ليست من مصلحة الشعب ، فهو بالتالي يصبح من أحد أدوات أو مجموعات الضغط ، التي لايمكن نكران دورها في التأثير على أصحاب القرار في الحكومات ، ولأن التشريع الدستوري يُجيز لمثل هذة المؤسسات القيام بواجباتها ضمن القوانين التي لاتخالف الدستور ، فأنه يكون لهذه الأحزاب تأثيرا مباشرا في قضايا الحياة المختلفة اليومية ، ولا ننسى أن التنافس النزيه فيما بين أعضاء الحزب للوصول إلى أعلى سلطة في الحزب، هو أمر مشروع أيضا ، أما عندما ترى بعض القيادات الحزبية في نفسها أنها أكبر من الحزب وأعضائه، وأن الحزب دوره مختزل فيهم ، والحزب يشكّل ورقة التوت التي تواري سوءات البعض ، فإن الخلل ينتشر في جسم هذا الحزب كالسرطان ، فلا أعضاء الهيئة العامة في حينها يهتمون بالحزب ، ولا قيادات الحزب يلقي أحد بالا لها ، ولا بأعضاء الهيئة العامة ، والأدهى والأمرّ من ذلك أن هذه القيادات التي تسلمت مناصب وزارية تظن نفسها أنها تعيش حقيقة القيادة ، وهي عاجزة عن أن تقدّم لحزبها شيئا ، وتضع على الطاولة مصلحتها قبل كل شيء ، ولذلك تبقى تجتر وهم القيادة وقدرتها على التأثير في الشارع السياسي .
وإذا كانت قوة الحزب مستمدة من أجهزة الدولة فأن عُمر الحزب يكون قصيراً ، لأن مصالح الأشخاص القائمين على مؤسسات الوطن قد تتضارب أو تصطدم بحزب ترى فيه التأثير على مستقبلها، فتضطر تلك المؤسسات إلى محاولة إسقاط الحزب وتفكيكه ، مما ينعكس سلباً على الحزب وعلى قدرته في النهوض وإعادة بناء نفسه.
أما أذا كانت قوة الحزب مستمدة من الجماهير أو الشعب مصدر السلطات، فإنه يستمد قوةً حقيقةً وشرياناً دائماً متدفق العطاء ، وهذا يعطي الحزب مناعة ضد تدخل مؤسسات الدولة فيه والتأثير عليه ويمنع أنهياره ، وتبقى قدرته على مواجهة قيادات مؤسسات الدولة قوية وصلبة ، لا نقول مواجهتها بأدوات القوة والإكراه ، لأن الحزب لا يمتلك تلك الأدوات ، لكنه يمتلك قوة معنوية وإرادة شعبية تستطيع أن تؤثر في صانعي القرار، وأن تحمي جسد هذا الحزب من الترهل والإنحلال ، وحماية أعضائه من التعرض للظلم والعبث بهم وإعادة النظر في القيادات التي ترى في نفسها أنها منفعة للحزب ، وفي الحقيقة أنها تشكل خطراً داهماً على الحزب وأعضائه.
ولذلك فأن الأحزاب التي لا تهتم بمجريات الأحداث اليومية للوطن وللشعب ، هذه أحزاب لطبقة ترى في نفسها أن الشعب دونها ، وأنها ليست معنية بكل ما يجري في الوطن وللشعب، كما أنها لا تأخذ شكلاً في سلطات الدولة يؤكد على مجموع هويتها أنها من الموالاة أو المعارضة، ................ وعلى هذا الأساس فأن الحكومات لا تضعها في حساباتها ، ولاتعتبرها ضمن مجموعة كوابح دواليب السيارة ، بل الدواليب التي تسير عليها ، ولذلك فأن نمطية هذة الأحزاب ستصبح في ذيل القافلة السياسية ، وإن لم تُعد صياغة نفسها من جديد وبثوب جديد ، ولا تنتظر بلاء ثوبها القديم ، فإنه يصعب عليها أن تحصل على ثقة المواطن لفقدانها مصداقية العمل الحزبي ، فتكون كالراعي والذئب
النائب السابق  يونس الجمرة