خصوصية المفردة القرآنية
من عطاء وبركات الختمة القرآنية الرمضانية أنك عندما تتدبر في آياتها وكلماتها تجد القرآن يذكر المفردة الواحدة بحالتين: سلبية و إيجابية،أي يكون عملاً منهياً عنه تارةً،وتارة يعده عملاً محبّذاً يستحب الاتيان به.
فعندما يصل القارئ إلى الآية 187من سورةالبقرة يجد الله تبارك وتعالى يحثّ ويحبّذ [الرفث].
قال عز وجل:
*﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ..﴾* [البقرة: 187]
ولكنك عندما تصل إلى الآية 197 من نفس السورة تجد الرفث عملاً سلبياً منهيا عنه:
*﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾*
[البقرة: 197]
فالرفث الاول:
الاستمتاع بالمرأة وهو كناية عن الجماع.
والرفث الثاني:
كل ما لا يحسن إتيانه من قول أو فعلفي الحج،ومنه الاستمتاع في النساء أو الفحش في القول.
فهو عمل مندوب ومستحب عند ليلة البدء في فريضة الصوم،و منهياً عنه وغير جائز عند فريضة الحج،وكلا الفريضتين واجبة في الاسلام ومن فروع الدين.
وهكذا الأمر في العديد من المواضع التي وردت فيها مفردات متقاربة لكنها مختلفة عند التدقيق فيها.و لهذا نجد العلماء و المفسرين يؤكدون أن القرآن ليس فيه ترادف في الكلمات.فلكل واحدة من كلماته معناها في كل آية من الآيات، وليس ثمة كلمات مترادفة.
وهذا ما نجده عندما يتطرق المولى تبارك و تعالى إلى مفردتَي [الصيام] و[الصوم].
فحينمايتحدث القرآن الكريم عن شهر رمضان المبارك [ونحن نتفيأ ظلاله في هذه الايام] يحث على "الصيام" فيقول:
*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}* (البقرة/183).
والصيام هنا بمعنى الامتناع عن الطعام و الشراب والجماع وباقي المفطرات المذكورة في كتب الفقهاء.ويكون وقته من الفجر حتى الغروب.
اما الصوم فيخص الأمور المعنوية كالكلام وما يرتكبه اللسان كالكذب و الغيبة وقول الزور وقول الباطل وحتى الجدال.
قال تبارك وتعالى:
*{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}* (مريم/26)
فاقترن صوم مريم بأمر الله لها *{فَكُلِي وَاشْرَبِي}* وفي الوقت نفسه أمرها بالصوم وليس الصيام.
من ذلك يستنتج المرء أن فعل الصيام لا يؤدي الغرض منه إن لم يرافقه الصوم عن المنكر والباطل والزيغ.
ولذلك ورد في الحديث القدسي[كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّوم فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ](القواعد و الفوائد ،الشهيد الأول،ج ٢ ،ص ٣٧)وفي هذاقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء ،والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه. و قال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلَّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ، بخلاف الصوم.
إن كلام الله تعالى لانفاد له ،وآيات القرآن ومفرداته لها فرادة وخصوصية لا تشبه كلام البشر العادي؛
*{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}*
(الكهف/109)