الاحتياطي الفيدرالي يقيّم سياسة التشديد الكمي وتأثيراتها
التشديد الكمي، أي تقليص الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، يعد للأسف أمراً غير مفهوم جيداً. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك سوى محاولة واحدة فقط للقيام بذلك: دفعة التضييق الكمي المشؤومة التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الفترة بين 2017 - 2019، التي انتهت عندما هزت أزمة إعادة الشراء «الريبو» أسواق التمويل. وبمثل هذا السجل الهزيل، يمكنك أن تتصور بشكل منطقي أن الشراء الكمي إما قوة معطلة كبيرة، أو مصدر ثانوي للضوضاء في الخلفية. وليس لدى أحد معلومات أفضل من ذلك.
ولكن منذ أن بدأ بنك إنجلترا سياسة التشديد الكمي في فبراير 2022، تم تقليص الميزانيات العمومية للبنوك المركزية العالمية بشكل كبير. وقد حدث ما يكفي بالنسبة لنا لإجراء تقييم، وكان هذا هو الهدف من منتدى السياسة النقدية الذي حظي بمتابعة كبيرة في نيويورك منذ أيام، الذي تمحور حول ورقة بحثية جديدة مبهرة أعدتها كريستين فوربس من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ووينشين دو من كولومبيا، وماثيو لوزيتي من دويتشه بنك. إنها واحدة من أولى المحاولات الكبرى لتقييم سجل سياسة التشديد الكمي. وبينما تتابعت الخطابات التي ألقاها لوري لوجان من بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس وعضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريس وولر، كان محافظو البنوك المركزية يستمعون.
كانت الورقة البحثية طويلة ومفصلة، ولكن إليكم كيف تلخص فوربس النقاط الرئيسية للموضوع، في مقال افتتاحي لها بصحيفة فاينانشال تايمز: تعمل برامج التشديد الكمي، حتى الآن، على النحو الذي أرادته البنوك المركزية، فهي «في الخلفية» ولا يُنظر إليها كأداة نشطة لضبط السياسة النقدية.
وفي الوقت نفسه، فقد قدّمت دعماً محدوداً لجهود البنوك المركزية الرامية إلى تشديد الأوضاع المالية، مع تأثير ضئيل على أداء السوق والسيولة. وقد عمل التشديد الكمي في الاتجاه المعاكس للتيسير الكمي، لكن آثاره أكثر خفوتاً.
بعبارة أخرى، سياسة التشديد الكمي والتيسير الكمي ليستا متناسقتين. أحد المقاييس هو التأثير على عوائد السندات طويلة الأجل، في حين أن التيسير الكمي قد يخفض العوائد طويلة الأجل بما يصل إلى 100 نقطة أساس، فإن التشديد الكمي بالكاد يشدد الأوضاع المالية.
وعلى مدار عام واحد يقدر المؤلفون أن سياسة التشديد الكمي سترفع عوائد السندات طويلة الأجل بمقدار 4 - 8 نقاط أساس، ويعود هذا جزئياً إلى توقيت استخدام هذه السياسات، فالتيسير الكمي هو سياسة نقدية تستخدم في أوقات الأزمات، ويهدف إلى إلزام البنوك المركزية بمصداقية بتخفيف وخفض العوائد طويلة الأجل، عندما لا تكون تخفيضات أسعار الفائدة وحدها كافية، أما التشديد الكمي فهو سياسة نقدية تستخدم في زمن السلم.
وبمجرد أن يصبح تفعيل سياسة التشديد الكمي مشكلة، يمكن إيقافها، كما أظهر بنك إنجلترا خلال أزمة سوق السندات الحكومية، لذا فإن برنامج تيسير كمي جديداً يرسل إشارة أقوى إلى الأسواق (البنك الفيدرالي في طريقه للإنقاذ!) أكثر من جولة جديدة من سياسة التشديد الكمي.
من الناحية النظرية، بإمكان الأسواق حتى أن تسعر في الإعلان الأولي عن التيسير الكمي بناءً على عملية التشديد الكمي التي ستحدث في نهاية المطاف، كما اقترحت لوري لوجان، إذن فهذه أخبار سارة لمحافظي البنوك المركزية، حيث يمكنها تقليص حجم الميزانية العمومية من دون التسبب في انهيار أسعار الأصول.
ثمّة المزيد مما يمكن قوله، وسنعود إلى سياسة التشديد الكمي فيما بعد، لكن النقطة المهمة هي أنه حتى هذه اللحظة أثبتت سياسة التشديد الكمي أنها ليست مجدية فحسب، بل إنها غير مؤلمة نسبياً، ولم يكن ذلك واضحاً في البداية. وفي الآونة الأخيرة، وتحديداً في عام 2022، كان بعض الأكاديميين البارزين يزعمون أن التيسير الكمي ربما يكون أداة أحادية الاتجاه، يسهل تطبيقها، ولكن يصعب التراجع عنها. ولكن كما يجادل كل من: فوربس، ودو، ولوزيتي: «يجب منح التحليل الوارد في هذه الورقة البحثية البنوك المركزية مزيداً من الثقة لتقليص مشترياتها من الأصول في المستقبل».
ولا يزال من الممكن وقوع حادث، لأن سياسة التشديد الكمي تستنزف السيولة من النظام. ولكن حتى الآن، يبدو أن التيسير الكمي في طريقه ليصبح جزءاً قياسياً من مجموعة أدوات البنك المركزي. إن ما بدأ بوصفه تدخلاً غير تقليدي وغير عادي تحول إلى أي شيء آخر.