الطفايلة يا دولة الرئيس!

حكمت محكمة أمن الدولة قبل فترة طويلة وفي عهد الملك الحسين رحمه الله بحبس شخصين لمدة عام تقريبا بتهمة إطالة اللسان، بعد اشتراكهم في مشاجرة مع مجموعة من الشباب في عمان، حيث قدم هؤلاء من الضفة الغربية ولسوء حظهم حصلت مشادة كلامية مع مجموعة من الشباب في الأردن تطوّرت إلى شجار وقام هؤلاء بشتم الملك وتم تحويلهم إلى المحكمة بتهمة إطالة اللسان ومحاكمتهم وحبسهم بموجب هذا القانون، استطاع بعدها والد أحدهم أن يصل إلى أحد المقربين من الملك كي يرجوه العفو عن هؤلاء، خصوصا أنّهم قادمون من خارج الأردن ولا يعرفون القوانين والأنظمة، فتردد كثيرا ذلك الشخص قبل أن يتحدّث مع الملك ولكنه قرر في النهاية أن يحدّثه شخصيا بالموضوع، فسأله الملك: ماذا فعل هؤلاء؟ فأجاب: لقد أطالوا اللسان عليك يا جلالة الملك، وتم حبسهم، فقال الملك: «يلعن..الاثنين، وها أنا قد استدّيت لنفسي»، وأمر رحمه الله بإخراجهم من السجن بعفو ملكي خاص، وانتهت المشكلة وعاد هؤلاء إلى الضفة الغربية.
بالأمس يا دولة الرئيس، شاركنا مع المعتصمين من أحرار الطفيلة أمام سجن الجويدة بوقفة تضامنية من أجل المطالبة بالعفو عن مجموعة من الناشطين، الذين وُجّهت لهم تهمة إطالة اللسان وبعضهم تهمة التجمهر غير المشروع! وجاءت مجموعة كبيرة من أهالي المعتقلين ومؤيديهم إلى منطقة السجن وهتفوا بهتافات تطالب بالإفراج عنهم، ثم بدأت الهتافات تتغيّر ويرتفع سقفها حتى أصبحت بلا سقوف! وتحدّثوا عن كل شيء، تحدّثوا عن العشب اليابس في الطفيلة نتيجة الفساد وعن الفقر وعن البطالة وعن نهب أموال الدولة وعن الفوسفات والبوتاس والذهب والنسايب والحبايب والأقارب والأحفاد وأولاد الأولاد ومجلس النواب والمخابرات وحرية التعبير والديمقراطية وتكميم الأفواه وغيرها وغيرها، ثم تحدّثت والدة أحد المعتقلين إلى جميع وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي جاءت لتغطية الحدث، وبكل ما أوتيت من معرفة عن ابنها الذي تم اعتقاله وأنّه لم يفعل شيئا يستحق عليه العقاب سوى أنّه يحب الأردن ويخشى على هذا الوطن الذي سرقه السارقون وعاث فيه المفسدون، وأننا  يجب أن نقول الحق لأننا نعيش في دولة ديمقراطية يسمح فيها بحرية التعبير والرأي على حد فهمها المتواضع للديمقراطية!
يا دولة الرئيس، بعد كل هذا الربيع العربي وبعد كل هذه الحراكات المختلفة لستَ بحاجة إلى بؤر جديدة من التوتر لا تخدم الصالح العام ولا تؤدي إلاّ إلى التأزيم السياسي، وتزيد من حالة عدم الثقة التي باتت تؤرق الجميع، وكان الأجدى عدم اعتقال هذه المجموعة التي شاركت في حراك الطفيلة منذ بدايته ولم تقم بأيّ أعمال عنف وكل ما يطالبون به محاربة الفساد والانتباه لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية التي تشكّل مصدر قلق لهم وللكثيرين من أبناء الوطن الشرفاء، الذين لم يسرقوا بوتاسا أو فوسفاتا ولم يبنوا قصرا في دابوق أو قصرا في عبدون، ولم ينشئوا شركات وهمية على ظهور المواطنين، بل ظلوا يعيشون هناك في جنوب الأردن يلفحهم الحر والبرد ويضمّون الوطن إلى صدورهم في كل صباح يعشقون ترابه وأرضه دون أيّ مقابل.
قد أنصح دولتك بأن تجعل في كل محافظة مكانا للتجمهر والتعبير عن الرأي على غرار (الهايد بارك) في بريطانيا، تسميه مثلا (هايد بارك الطفيلة) و(هايد بارك سلحوب) و(هايد بارك ساكب)، يُعبّر فيه الناس عن آرائهم دون أن تلاحقهم لعنة إطالة اللسان في هذا الظرف الصعب والمعقّد.
م.غيث القضاة