عندما يكون المواطن عبئا على الوطن
لكِ الله يا أرض الحشد والرّباط، لكَ الله يا أكناف بيت المقدس، وأرض العزم، بعد أن أثخن السّماسرة جسدك بسهامهم، وتطاول على هيبتك أقزام يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، وتراشق أبناؤك الاتهامات من كل حدَب وصوب. إننا ندعو إلى اجتثاث الفساد بفساد أشدّ وطأة وأسوأ معترك. فأبشروا أيها الفاسدون-لعنكم الله- لما آلت إليه الأوضاع وعواقب الأمور في الأردن، فهذا ما أردتموه وخططتم له منذ أن مدّت أياديكم إلى حقوق البلاد والعباد، حتى أوصلتم الشرفاء البسطاء الجنود والموظفين ومن لفّ لفيفهم إلى حفر الغبن والانتقاص والحاجة، وانفلت عقال التّروّي والحكمة، فعثتم فسادا وعاث من بعدكم الزّعران والهوامل عربدة. أبشروا أيها الفاسدون بفسقكم وتردّي خصالكم حتى أصبحتم مضغة كريهة الطعم والمذاق على لسان الأردنيين الأشراف في مجالسهم ونواديهم. وستبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من صالح وطالح. وستظلون عارا في صفحة أسركم وأبنائكم. وستبقون بقعة داكنة ملعونة في سِفْرِ الأردن الطّاهر.
ولكن؛ ما بال الرّبيع في بلاد العُرْب والأعاريب والعراريب مسخناه وشوّهناه، فحصدنا ما فيه من شوك، وجنى بنو صهيون والغرب أزاهيره وثماره! وبتنا نقتتل على اعتلاء كرسيّ نيابيّ أو حكوميّ؛ فإذ بزيد أنجس من أخيه عمرو. ما بال ربيعنا كسوناه حلّة من فتن، وإزارا من شحناء، ورداء من البغض والكراهية! ما بال ربيعنا تفوح منه ريح سموم لا نعلم ماذا تخبئ وراءها!
فهل كلُّ ربيعٍ عند الآخرين ربيعٌ في حين أنّ ربيع العُرْب عند بنيه خريف!
ففي الأردن مثلا، اختلط الجاهل في صفوف الحكماء، فبزّ جرْس صوته أصواتهم وعلا عليها. ورفع المنحرفون والشّواذ رؤوسهم بعد أن كانوا مختبئين في جحورهم. وتطاول المطلوبون أمنيّا وجنائيّا على أمن البلد واستقراره، وإن قُبض على أحد هؤلاء يفزع له الفازعون على أنّه ناشط سياسيّ لا يجوز المساس به ولا ردعه، بل وأصبحت المؤسسات الأمنية، في نظرهم، عدوا لدودا لهم، في حين أنّهم على علم تماما بأنّ هذا الدّركيّ أو الشّرطي هو الساهر على أمنه وأمن أسرته وأخته وأمه وأبيه وعِرضه؛ فهؤلاء حماة وطن لا حماة فاسدين. وإنْ سلب العكاريت ما في الوطن، فهناك من يريد سلب الوطن بما حمل.
كل شيء، تقريبا، حرفنا مسيره؛ فالعشيرة التي عُرف عنها الجماعة والتجميع لا الفرقة والتفريق، طرحنا على قوامها عباءة التّناحر في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية. والاستقرار الذي في ظله يُجلب الاستثمار وتستقيم فيه حركة الناس، يُهدّد صباح مساء، ويُطعن في خاصرته. أما الأمن فكأن لسان حال البعض يقول: أحرقوا البلد بدعوى الإصلاح. أو يتساءل مستهجنا: لمَ تأخر ربيعنا عن الربيع الذي استظل بفيئه الليبيون والسوريون وغيرهم؟ متى ستنفلت الأمور وتسيل الدماء في ساحة النخيل أو دوار الداخلية؟ إلى متى سيبقى ما يدعى بالأمن الناعم ناعما؟ متى سيهجّر الأردنيون إلى خارج الحدود بحثا عن النجاة والأمن؟ وغير ذلك من أسئلة وأمانيّ وأمنيات قد تراود بعض ضعاف النفوس على قلة عددهم.
ولكن، سيبقى الأردن، كما عهدناه دائما، يلفظ من فمه مرّ مذاقات طُبخت في بوفيهات الخونة المرتزقة من الليبيراليين وما عرف بالديجيتال وعكاريت الاقتصاد. وسيظل الأردن بأرضه وشعبه موئل المهجّرين، وملاذ الهاربين، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
كفانا تخبّطا وضياعا وانفلاتا، ولنتّقِ الله في هذا البلد قبل أن (نعضّ من الغيظ أطراف الأباهيم).