الولايات المتحدة.. تنصح بالشيء وتمارس عكسه

جاء في الأخبار، وتحديداً، يوم السبت المنصرم 17-2-2024، ان جهات امنية وسياسية ودبلوماسية امريكية حذرت من تنامي العداء للولايات المتحدة عربياً واسلامياً بل وعالمياً بسبب موقفها من العدوان الاسرائيلي على «قطاع غزة»، وان هذه الجهات تدرس الامر محاولة وضع حلول مناسبة له!!!وها هي الإدارة الامريكية، يوم الثلاثاء 2024-2-20، تمارس (الفيتو) ضد اقتراح الجزائر القاضي بوقف القتال فوراً سامحة باستمرار المذبحة الإسرائيلية ضد أهل «قطاع غزة»!! وفي السياق، نستذكر تحذير وزیر الدفاع الأمریكي (لوید أوستن) لحكومة الدولة الصهيونية حین حذر رئیس وزرائها (بنیامین نتنیاهو) من أن «إسرائیل تخاطر باستبدال نصر تكتیكي بهزیمة استراتیجیة»، أي أن استمرار الكیان الصهیوني بالقیام فیما یفعله من جرائم وإبادة وقتل بحق المدنیین الفلسطینیین صحیح أنه یكسبها «المعركة لكنه یخسرها الحرب». وجوهر المقصود من هذا التحذير أن الجيل الفلسطيني الجديد الذي سيلي سيكون جیلاً كارهاً، جیلاً منتقماً، جیلاً مقاوماً.

الولایات المتحدة، بقوتها العسكریة الكبیرة، سبق أن منیت بهزائم قاسیة في حروب عدیدة، بعد أن أحدثت في البلدان المستهدفة دمارا هائلا، وحققت، كما تدعي، انتصارات عسكریة لكنها في حقیقة الأمر لم تكسر إرادة «أعدائها» الذین لم ییأسوا بل صمدوا في وجه الجیش الأمریكي وقاتلوه. هذا الجيش الذي عادة ما ينسحب بعد اعترافه بالهزیمة رغم «انتصارات عسكریة» یحققها على الأرض لكنه دوماً یعود من حیث أتى. فمثلاً، قتل الجیش الأميركي مئات الآلاف من الفیتنامیین خلال 9 « سنوات لكنه اضطر للانسحاب معترفا بهزیمته الاستراتیجیة، كما أنه فشل بالقضاء على حكومة طالبان في 2001» وقتل ما یقرب من ربع ملیون أفغاني لكنه بعد 20)) عاما عاد فانسحب من أفغانستان وسلم الحكم للحركة. وفي العراق، ومنذ الغزو الأمريكي، قتل ما یقارب الملیون عراقي لكن غالبية القوات الغازية سرعان ما غادرت.

لا خلاف على أن الإبادة الجماعیة والتطهیر العرقي الذي یواجهه أهلنا في «قطاع غزة» أثر بشكل عمیق في تحول الرأي العام العالمي من التعاطف مع الكیان الصهیوني، إلى الكشف عن الوجه الحقيقي لهذا الاخيروالتندید بجرائمه. وتوالیا، تتصاعد المظاهرات في مدن العالم ضد مجازر «الكیان» الیومیة، مع تزاید انتقادات المنظمات الدولیة والأممیة، وتحرك آلاف المحامین والهیئات الحقوقیة في العالم لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائیلیین في محكمة الجنايات الدولية.

ألا ينطبق هذا كله على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها (كسب المعركة لكن خسارة الحرب) وهي التي دعمت ولا زالت تدعم الجهد العسكري الإسرائيلي! وبالفم الملآن نسمعها بصراحة (اقرأ: بوقاحة) وهي تردد انها تسعى من أجل «تخفيف» قتل المدنيين؟!! وفي الوقت ذاته، نجدها لاتطلب من «اسرائيل» وقف العدوان بل تبرر لها الاستمرار فيه!!! هذا عدا عن التأييد السياسي الدائم في جميع المحافل وبخاصة في مجلس الامن (ثلاث مرات حتى الآن)، الامر الذي حمى الدولة الصهيونية من عقوبات مستحقة ويبرز السؤال: ألم تخسر الولايات المتحدة الحرب في فيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم بعد أن ولدّت حالة من الكره الكبير لها بل انها ولدّت حالة عميقة من المقت الشديد لها رغم محاولات بعض المتنفذين الأمريكيين تصوير أن هذا الكره وذاك المقت انما هو إيراني شيعي، مع أنه في حقيقة الأمر قائم وبقوة على امتداد الشارع السني أيضاً.

الولايات المتحدة، دولة لا تتعلم من تجاربها، فهي قد سخرت العالم لخدمة مصالحها ونصبت نفسها شرطيا وقاضيا عليه، ولهذا خاضت حروبا في جميع الجغرافيات وبلا هوادة، واعتمدت المؤامرات والعمليات الاستخباراتية الخاصة والحروب القذرة. وها نحن نختم بما قاله المفكر الأمريكي اليهودي الشهير (نعوم تشومسكي): «علينا أن نعي أن الكثير من الناس في العالم يعتبروننا نظاما إرهابيا. إن حملة الكراهية في العالم العربي ضد الولايات المتحدة الأمريكية زادت من تأجيجها سياسات أمريكا تجاه المسألة الفلسطينية - الإسرائيلية، والعراق. إن الطريق الوحيد أمام الولايات المتحدة لتهدئة الصراع في المنطقة هو أن تتوقف عن رفضها الانضمام للإجماع الدولي المنادي بحق كل الدول في المنطقة بأن تعيش في أمن وسلام، بما فيها دولة فلسطينية على أرضها المحتلة».وفي الختام، تتهم الولايات المتحدة حكومة الكيان الصهيوني بـ «قصر النظر» في مواقفها وسياساتها، في حين انها -هي نفسها- مصابة بـ «قصر نظر» فادح، لابل «ازدواجية في الرؤية»!!! وبعد ذلك، يسألون: لماذا يكرهوننا؟!