غزة.. وشبح ترامب
يتغافل الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين في تعاطيهم اليومي مع الحرب على غزة التي دخلت شهرها الخامس البعد المتعلق بالعامل الأميركي الداخلي وبخاصة عامل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نهاية هذا العام، والتي سيخوضها دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري «الأوفر حظاً حتى الآن»، وجو بايدن عن الحزب الديمقراطي، فالرئيس الأميركي القادم سيكون له المساحة الزمنية الكافية واللازمة (أربع سنوات) للتأثير على بؤر التوتر والصراع في العالم سواء في الشرق الآسيوي وبحر الصين أو الحرب في أوكرانيا في أوروبا الوسطى أو الحالة الصراعية المستعرة في غزة والضفة الغربية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال وتأثيرها الإقليمي على عموم منطقة الشرق الأوسط.
الرئيس بايدن الذي يوصف بـ«الضعيف» أدار كل الملفات المشار إليها بنوع من الحذر وعدم الرغبة بالتورط بحروب خارج أميركا وبخاصة في بحر الصين وأوروبا ضد روسيا، أما في الشرق الأوسط ورغم «الكيميا السيئة» بينه وبين نتنياهو التي أورثها له الرئيس الأسبق باراك أوباما إلا أن بايدن ورغم تأثره بهذا الموروث، غير أنه حاول ويحاول وبكل جهد من أجل تجاوز هذا الإرث وتحديداً خلال هذا العدوان الهمجي على غزة، وانتصرت عليه صهيونته أكثر من إنسانيته وأكثر من القيم التي طالما تحلى وتغنى بها الحزب الديمقراطي نفسه من العدالة والمساواة وا?حقوق المدنية وحتى حقوق المثلية الجنسية، وقام بايدن ولأسباب انتخابية وعقائدية بما هو غير متوقع قبل السابع من أكتوبر من دعم لا محدود للاحتلال بالسلاح والمال والذي وصلت فاتورته ومازالت مفتوحة إلى ملياري ونصف المليار دولار، هذا عدا عن الأموال الاخرى التي تذهب للدعم «المجتمعي» المفترض من مؤسسات إسرائيلية تدعى أنها مدنية وهي أمنية بحتة يذهب الدعم المقدم لها لمنظمات عنصرية ذات صبغة عسكرية «متلحفة» بغطاء مدني مثل مظمة «زاكا » العنصرية التي تتبع (للشين بيت) بصورة سرية، وهذا الرقم الفلكي المشار إليه يغطي فترة زمنية عمرها حتى كتابة هذا المقال 135 يوماً فقط ومازالت الحرب مستمرة.
وفي حال عودة بايدن وهو احتمال صعب للغاية فأنه ورغم كل الدعم الذي قدمه لإسرائيل إلا أن نتنياهو سيبقى حاقداً على بايدن، وأعتقد أنه سيحرض عليه قدر ما يستطيع لدى مراكز التأثير الصهيونية داخل أميركا، وبخاصة أن نتياهو وهو خبير محترف في كيفية التعامل ومخاطبة تلك المراكز منذ أكثر من عقدين من الزمان.
أما في حال انتخاب دونالد ترامب وهو مرشح الجماعات الإنجيلكية المتصهينة «فالأمور ستكون معقدة لدى عموم الإقليم ولدى الشعب الفلسطيني بصورة خاصة عدا عن التجاذب الصعب مع الصين وروسيا فيما يخص أوكرانيا وبحر الصين.
مشروع ترامب إن عاد للبيت الأبيض سيكون متماهياً تماماً مع ما تريد إسرائيل، وبغض النظر عمن سيكون رئيساً للوزراء في إسرائيل، وفي حال كان نتنياهو وهو المرشح الأقوى وبحكم الوقائع الحالية وبحكم ما يتمتع به من علاقات متميزة مع ترامب فان تنفيذ مشاريع اليمين الصهيوني المتطرف وتحديداً التهجير ستصبح تحدياً خطيراً على مصر بالدرجة الأولى وعلينا في الأردن بالدرجة الثانية، ولا يكون أمام مصر والأردن الدولتان اللتان تحتفظان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل إلا خيارات صعبة ومنها تجميد الاتفاقيات والذهاب قسراً لخيارات أمنية وعسكرية ?منع التهجير بالقوة.
كل هذا ما يتعلق بغزة، ولكن ماذا عن ترامب و"صفقة القرن»، سيئة السمعة وكيف يمكن الاستعداد لها؟.
هذا هو السؤال المهم وتحديدا لدينا في الأردن الذي فَرضت عليه الجغرافيا السياسية كل تحديات القضية الفلسطينية منذ 75 عاماً وإلى اليوم وهي التحديات المعقدة التي يتصدى لها جلالة الملك عبد الله الثاني بكل حنكة واقتدار وبصورة يومية مرهقة للغاية.