فلسطين وحقوق الإنسان على أجندة المجتمع المدني في جنيف
قبل 10 أيام عقدت الجلسة الرسمية للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في الأردن، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وقدمت 101 دولة في العالم 279 توصية، وافق الوفد الرسمي على 196 توصية، وأحيط علما "رفض” 83 توصية، قبل أن يعود إلى البلاد.
للاستعراض الدوري للأردن هذه المرة ظروف خاصة، أهمها أنه عُقد أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو عامل أساس في تغيير البوصلة، والأولويات، والاتجاهات عند التحالفات الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني التي قررت سلفا أن تضع قضية جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الطاولة، فهي لا تستطيع أن تغمض عيونها عن المعايير المزدوجة لكثير من دول العالم في التعامل مع جرائم، وانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، وكيف تفشل المنظومة الأممية في وقف الحرب، وملاحقة إسرائيل عن جرائمها؟
وتوافقت المؤسسات الحقوقية قبل سفرها إلى جنيف على أهمية أن يربط العدوان على فلسطين بتداعياته على الأردن، واعتبروا من غير المقبول مباشرة حملة كسب تأييد لإفاداتهم، وتوصياتهم عند دول أثبتت الحرب أنها غير مؤتمنة على مبادئ حقوق الإنسان، وأن مصالحها تتقدم على ما سواها.
رغم توجهات المجتمع المدني ألا يدخل في مكاسرة سياسية في جنيف مع الحكومة، فإنه عقد نشاطا جانبيا "side event” تحدث خلالها ممثلو التحالفات الأردنية عن أبرز التحديات الحقوقية في البلاد، ومع أن المبادئ التوجيهية لعقد الجلسات في الأمم المتحدة تفرض التقيد بموضوع الجلسة، وهي الاستعراض الدوري لحقوق الإنسان، إلا أن المتحدثات، والمتحدثين في الجلسة مرروا رسائلهم الحقوقية، والسياسية عن العدوان على غزة، وتواطؤ العالم ضد الفلسطينيين.
في مراجعة التوصيات التي قُدمت للأردن - وهي أكثر من التوصيات التي قدمت في استعراض 2018- يمكن ملاحظة تكرار كبير للتوصيات، وعمومية بعضها، وعدم انضباطها، وهو ما يُسّهل مهمة الحكومة في التعامل معها، ويفتح لها أبوابا للتهرب من بعض استحقاقاتها، إلا أن الملاحظة السلبية التي يجب أن تُسجل التسرع في رفض 83 توصية، وباللغة الدبلوماسية أحيطت الحكومة علما بها، وكان الأجدى العودة للأردن، وبدء مشاورات مع كل الأطراف لاتخاذ موقف في التعامل معها، خاصة أن بعض هذه التوصيات ليست تابوهات عند الدولة، فالدعوة لإعادة النظر في قانون الجرائم الإلكترونية، أو ضمان بيئة آمنة للمنظمات غير الحكومية، وعلى غرارها توصيات أخرى ممكن التعامل معها بروح إيجابية، بما فيها النظر في التصديق على اتفاقيات، وبروتوكولات لم نوقع عليها حتى الآن.
في المشاورات الأولية بين الحكومة والمجتمع المدني في عمّان، وقبل الذهاب إلى جنيف طلبت المنظمات غير الحكومية إشراكها في قرار قبول التوصيات، والتريث في الرد إلى حين العودة إلى الأردن، حيث يتوفر متسع من الوقت للمداولات، وهذا لم يحدث، وهذا الأمر يعكس أن الشراكة بين الفريقين؛ الحكومة، والمجتمع المدني ليست راسخة، ولم تُبنَ في سياق مؤسسي، وهو أحد أبرز مطالب منظمات المجتمع المدني منذ عادت من تجربة الاستعراض "UPR” عام 2018، وأعطتها حكومة الدكتور عمر الرزاز اهتماما مؤقتا، ثم اختفت عن رادار الحكومة.
في الطريق آليات حقوقية تعاقدية مهمة، وكما قلنا سابقا، فتحسين حالة حقوق الإنسان في بلادنا مصلحة وطنية بامتياز، وهي شأن داخلي أولا، وليست بضاعة نستوردها من الغرب، ولذلك على الدولة الأردنية بكل مرجعياتها تطوير آليات مستدامة، ومؤسسية في الشراكة مع المجتمع المدني، وما لم يحدث ذلك عاجلا ستظل الهنّات، والثغرات، وسيظل التعامل مع التقارير الوطنية فزعة في اللحظة الأخيرة، وستبقى المسافة بين الفريقين (الحكومة والمجتمع المدني) ليست قريبة.
العدوان على غزة دفع التحالفات المدنية الأردنية إلى تنظيم ملتقى دولي تحت عنوان "حقوق الإنسان على مفترق طرق”، نظمته هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم”، والتحالف المدني الأردني "حمى”، والشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية، وجمعية ضحايا التعذيب السويسرية، وركز الملتقى على جريمة الإبادة في غزة، وتحدث عن القضية المُقامة في محكمة العدل الدولية مندوب بعثة جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة بجنيف، وأيضا سلط الملتقى الضوء على حق المقاومة وتقرير المصير باعتباره جوهر حقوق الإنسان، لا يمكن إنكاره، أو التنصل منه، وتحدث خلال الملتقى شخصيات حقوقية دولية، وإقليمية، ووطنية وازنة، ولها مواقف مشهود لها في مناصرة الحق الفلسطيني.
مشاركة الأردن في تجربة الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان تتطور، ويمكن البناء عليها لتصبح أكثر فعالية، وأكثر نجاعة في صون حقوق الإنسان، رغم كل النقد لآلية الاستعراض التي تتسم بأنها سياسية، وتطغى عليها المجاملات بين الدول على حساب حقوق الإنسان.