جمهورية اليهود السوفيتية



بعد مئة وعشرين يوماً من الحرب لم تحقق حكومة نتنياهو أياً من أهدافها. وبدل أن تستطيع تفكيك حماس ها هي تفكك المجتمع الاسرائيلي. مظاهرات يومية ترفض مواصلة الحرب في العاصمة تل أبيب، مرة امام مقر الحكومة ومرة أمام وزارة الحرب، وشبه يومية في حيفا وعكا شمالاً وبئر السبع جنوباً. خلافات داخل الحكومة، خلافات في مجلس الحرب وخلافات بين الساسة والعسكر.
استعادة الرهائن، الهدف الذي يكرره نتنياهو كلما علت الأصوات المطالبة بإزاحته، لم يحرر رهينة واحدة سوى من قتلهم الجيش «بالخطأ» أو بقصفه لأماكن في قطاع غزة.
أما تهجير سكان غزة فهو لم يحدث بل على العكس انقلب السحر على الساحر فالتقارير التي تحاول الماكينة الاعلامية الاسرائيلية التغطية عليها تتحدث عن أرقام كبيرة لمن هاجروا من اسرائيل منذ بدء الحرب ناهيك عن «النازحين « من مستعمرات غلاف غزة والجليل ويرفضون العودة الى منازلهم خوفاً من صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية. وهم الثمانون ألفاً الذين وصفهم وزير الحرب غالانت باللاجئين، ربما في زلة لسان. وطبعاً تعهد بإعادتهم الى منازلهم. أعني المنازل التي سرقوها وهجروا أهلها العام 1948 أو سرقوا الأرض في الجليل الأعلى من فلسطين وبنوا عليها مستعمرات أسموها بلدات.
جميلة كلمة «نازحين إسرائيليين» التي ظلت ملتصقة بالفلسطينيين منذ 75 عاماً، أليس كذلك؟!
«طوفان الأقصى» وما تلاها من قصف إجرامي إسرائيلي وقتل وحشي للأطفال والنساء، غيرت نظرة العالم للصراع وضربت الرواية الصهيونية من جذورها. وأصبحت ترى شعار «فري بالستاين» يتردد في مظاهرات شعوب العالم من اليابان الى أوروبا الى أميركا الجنوبية والشمالية حتى وصلت البيت الأبيض.
«نازحين إسرائيليين» لا بد أن تتطور، ولو بعد سنين، الى «لاجئين». خاصة أن الكذبة انكشفت وعلى الباغي تدور الدوائر.
لليهود جمهورية لا يتم الحديث عنها سبقت الكيان الصهيوني وليس اليهودي بعشرات السنين وهي جمهورية «بيروبيدجان» في الاتحاد السوفييتي سابقاً. بلغت مساحتها حجم سويسرا تقريباً، لكن رفضها اليهود وهجروها في ثلاثينيات القرن الماضي. وبقي من سكانها قليلون يتحدثون الياديشية ويمارسون الديانة اليهودية الحقيقية وليس اليهودية الصهيونية.
تمتد تلك الولاية على مساحة 36 ألف كم مربع. وفي 1 يناير/كانون الثاني عام 1961، بلغ عدد سكانها 179 ألف نسمة، وعدد سكان العاصمة مدينة بيروبيدجان 49 ألف نسمة. وتشمل صناعاتها الآلات الزراعية والمحولات والمنسوجات والملابس والأثاث. وتمتلك بيروبيدجان ثروة معدنية وفيرة، لم يتم استغلال معظمها تجارياً.
كان الهدف أيضاً من ارتباط اليهود بمستوطنة بيروبيدجان هو الحصول على الدعم المالي من مواطنيهم في الخارج، وبالتالي تسهيل تخصيص الموارد السوفيتية لهذا الغرض.
علاوة على ذلك، يبدو أن هذه التسوية كانت توفر حلاً جزئياً للصعوبات الاقتصادية التي تواجه القوميات السوفييتية. فبدا أن بيروبيدجان شكلت بديلاً أيديولوجياً للفكرة الصهيونية.
بدل أن يخطط غلاة الصهاينة بتوسيع المشروع الصهيوني الذي يشارف على نهايته الى «من النيل الى الفرات» والعودة الى خيبر ويثرب، عليهم أن يفكروا بجمهوريتهم السوفييتية ومن يريد من اليهود البقاء في فلسطين الفلسطينية فليبقى كما كانوا قبل المشروع الإحلالي الصهيوني.