النصر والأخلاق والإنجاز
ما هي صورة الانتصار التي يسعى بنيامين نتنياهو وزبانيته من اليمين، ويمين اليمين إلى تسويقها، وما مفهوم هؤلاء لمفردة الأخلاق عندما يتحدثون عن الجيش الأكثر أخلاقية، أو الحرب العادلة، وما مفهومهم للعدالة أو القداسة، وما هو مفهوم الإنجاز الذي حققه الجيش الغازي على أرض الميدان، هل الإنجاز يكمن في حجم المباني المدمرة، أم عدد القتلى من الشهداء في صفوف المدنيين، أم الإذلال ومحاولات كسر الإرادة، هل قتل عشرات آلاف الأطفال إنجاز، أم قتل آلاف النساء، أم كبار السن، وما الإنجاز، وما الانتصار، وما الأخلاق؟
لم أستطع اليوم أن أشاهد الصور التي نقلتها محطات التلفزة للجثث المتحللة في بيت لاهيا، لم أستطع مواصلة النظر إلى رجل عجوز يلملم الأشلاء، ويحاول التعرف على الشهداء من ملابسهم، فيمسك بيد أحدهم ويسحبه من كومة زبالة، لتخرج العظام من الجسد، ويجد الرجل بيده عظام صاحبه الذي تعرف عليه من ملابسه، فالجيش الأكثر أخلاقية في العالم، اعتقل رجالات من أهل شمال غزة في بيت لاهيا، كبل أيديهم بأربطة الكهرباء البلاستيكية، ووضع العصبات على عيونهم، ثم أعدمهم، ووضعهم في أكياس، وألقى بهم فوق أكوام القمامة، تلك صورة من صور الأخلاق، ومنجز من منجزات الجيش الأكثر أخلاقية.
سينتهي العدوان، وستتكشف المزيد من جرائم إبادة ارتكبها الجيش الخلوق، وبيت لاهيا مثالاً على مئات أمثلة تؤكد أن ما ارتكبته قوات الاحتلال الغازية، يفوق ما حدث لأي شعب آخر من ظلم في التاريخ الحديث، القصف بالطائرات وهدم المنازل على رؤوس أهلها مجازر إبادة، وقصف المدفعية مجازر إبادة، وأما تعرية الرجال، واقتيادهم، واغتيالهم، وقذفهم معصوبي الأعين، مكبلي الأيادي، ليس باباً من أبواب المجازر فقط، ولكن فقدان للإنسانية، والأخلاق، ولكنه منجز من منجزات دولة عنصرية، حاقدة، فاشية، نازية.
ما جرى في غزة جرائم إبادة جماعية مكتملة الأركان، ثبت فيها النية والقصد، ومسارح الجرائم مكشوفة وواضحة، وما سيكشف عنه بعد توقف العدوان، يكفي لرفع قضية أخرى في محكمة العدل الدولية، ويكفي للإدانة في محكمة الجنايات الدولية ضد القتلة المجرمين، وضد هذا الجيش الخلوق الذي ألقى بنساء أحياء من طوابق عليا، وأعدم ميدانياً المئات من أهل غزة، قطع أرجل الأسرى في الميدان، وقطع الأيادي، ومنع الناس من الماء والغذاء والدواء، قتل الأطفال عن سبق وترصد، وهند وليان، شاهدتا عيان، تم تصفيتهما بعد قصف سيارة مدنية، وقتل من فيها، اكتشف الجيش الخلوق أن ليان المصابة ما زالت حية، فقتل ليان بسلاح أوتوماتيكي رشاش، وبقيت هند ابنة السادسة مصابة، وبعد التنسيق مع الجيش الخلوق، رسم لسيارة الإسعاف مسارها، وتحركت السيارة في اتجاه السيارة المقصوفة التي أصيبت فيها هند عندما قتلت ليان، لكن الاتصالات فقدت مع هند، وانقطع الاتصال مع فريق سيارة الإسعاف، استشهدت هند، واستشهد الفريق المسعف.
رغم كل ذلك، لم يستطع الجيش القاتل الغاصب المجرم، أن يكسر الإرادة، وأن يسجل صورة نصر، خسرت إسرائيل في صفوف جيشها وآلياتها ما لم تخسره على مدى خمسين عاماً مضت، تكبدت خسارة غير مسبوقة، هزيمة نكراء، كُسِرت إرادة الجيش القاتل، خرج أفراده جثة أو معاقاً، أو مريضاً نفسياً، وخرجت دباباته معطوبة أو محروقة أو مدمرة بالكامل، بمن فيها من أفراد، ولم يهاجر أهل غزة، لم يتركوا أرضهم، لم يجتازوا الحدود، ظلوا صامدين حامدين على أرضهم، قاعدين ثابتين فوق الركام، وسيتوقف العدوان لتتكشف القصص، قصص الجرائم والوحشية، وحكايات البطولة ومعجزات التصدي والصمود.