قراءة في المشهد الاردني

قــــــــراءة فــــــــــــــي المشـــــــــــــــــــــــــــــــهد الأردني

خير البدء وانأ أقرأ المشهد الأردني، أن أعطي وصفا لهذا الوطن الغالي من نواح عدة وتسليط الضوء على جوانب مشرقه في حياته.
الأردن هذا البلد الذي يحكمه دستورا ينص في احد مواده على إن نظام الحكم ملكي نيابي وراثي، صغير قياسا لبلدان عربية مجاورة، كبير في التأثير والفعل سواء على الساحة العربية أو الدولية، كان ولا يزال دوما حاضرا كلاعب أساسي في المنطقة العربية والعالم وذلك بحنكة قيادتها الهاشمية الفذة، إضافة لما يتمتع به من موقع استراتيجي وسط الوطن العربي.
الأردن المتميز بشح الموارد والإمكانيات، استطاع بقيادته الهاشمية التي تستحضر الماضي للاستفادة من جوانبه الايجابية لتعظيمها والبناء عليها وتستشرف المستقبل لبناء الحاضر، والتفاف الشعب حولها، أن تنجز انجازات هي بحق معجزة على ضوء قلة وشح الموارد والإمكانيات على كافة الصعد . وما يميزه أيضا انه يعمل بصمت وهدوء خلافا لدولا عربية أخرى تقوم بالتطبيل والتزمير في كافة وسائلها الإعلامية وعلى مسمع العالم وقد يستغرق التطبيل والتزمير شهورا لانجاز بسيط.
لعب الأردن دورا سياسيا على الساحة العربية والدولية، ودورا قوميا لنصرة قضايا أمته العربية وعلى رأسها قضية العرب المركزية فلسطين وتضحياته ماثلة للعيان.
واجه الأردن على مر تاريخه تحديات كبرى منذ بدايات نشأته، اذكر منها :-
1- نكبة عام 1948وما تبعها من عمليات تهجير ونزوح من فلسطين وما نجم عنها من مظاهرات واحتجاجات غاضبة.
2- المد القومي أثناء حكومة سليمان النابلسي في الخمسينيات من القرن الماضي ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في الأردن.
3- تعريب الجيش العربي عام 1956 بطرد كلوب باشا وتسليم الجيش العربي لقيادة أردنية.
4- حرب عام1967،حيث كان لجلالة المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه رأيا، بان هذه الحرب خاسرة بكل المقاييس وبها سيخسر الضفة الغربية بأكملها وهذا ما حصل انطلاقا من قراءته لمعطيات الواقع العربي آنذاك الموضوعي والذاتي ولم يكن يميل إلى المشاركة في هذه الحرب، إلا انه شارك في هذه الحرب على الرغم من معرفته بنتائجها مسبقا، حتى لا يقال عنه بأنه تخلى عن أمته وعروبته.
5- معركة الكرامة عام 1968 والتي أظهرت بسالة الجيش العربي في الدفاع عن وطنه.
6- حرب أيلول الأهلية المحدودة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية عام 1970والخروج منها بأقل الإضرار المادية والمعنوية ودخول القوات السورية لمساندة الفصائل الفلسطينية للأراضي الأردنية. أضف إلى ذلك حرب تشرين عام 1973.
7- الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 ووقوف الأردن بكل إمكاناته إلى جانب العراق الشقيق والتي انتهت بنصر العراق عام 1988.
8- هبة نيسان في جنوب الأردن عام 1989.
9- دخول العراق الكويت عام1990 ووقوف الأردن إلى جانب العراق الشقيق على مبدأ انصر أخاك ظالما أو مظلوما وسعي جلالة المغفور له الحسين بن طلال لحل الأزمة في الإطار العربي ولكن المخلوع رئيس مصر العربية حسني مبارك، فوت على المغفور له الحل العربي واستصدر قرار من جامعة الدول العربية بإدانة دخول العراق الكويت، حيث كانت جهود جلالة المغفور له أوشكت على أن تتكلل بالنجاح لولا صدور هذه الإدانة. وما نتج عن ذلك إخراج الجيش العراقي من الكويت وتدمير العراق وجيشه أيضا.
10- غزو العراق عام 2003 واحتلاله وتدميره وقتل أبناءه وتشريدهم .
هذه التحديات، استطاع الأردن بقيادته الحكيمة الراشدة أن يواجهها ويخرج منها معافى رغم الصعوبات التي واجهها من قطع للمساعدات بمختلف أنواعها والعزل السياسي وغيرها.
أضف إلى هذه التحديات المحاولات المستمرة من قادة بعض الأنظمة العربية للقضاء على النظام الملكي الأردني وشن الحملات الإعلامية الظالمة عليه واتهامه بالعمالة والخيانة. واستطاع أيضا بتجاوز كل هذه التحديات ومواجهتها وخروجه منها بأفضل حال والحمد لله.
أما في الجانب الديمقراطي والحريات العامة، قياسا ومقارنة مع أنظمة عربية مجاورة لنا، نجد أن سقف الديمقراطية والحريات العامة أفضل حالا ومتقدمة على هذه الأنظمة العربية المجاورة لنا خصوصا إنها ترفع شعارات الحرية وغيرها ولا زالت شعوبها تعيش حالة من الإرهاب الفكري بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وماذا بعد؟؟ نعم التحدي الداخلي وهو الأهم والأخطر والأكبر من التحديات الخارجية وهو بالدرجة الأساس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعشها الوطن والمواطن على حد سواء وما نتج عنها من مطالبات شعبية وحزبية بالإصلاح الشامل لكافة مناحي الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية ورعاية صحية وغيرها متأثرة بما يسمى بالربيع العربي.
إن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا التحدي الأكبر، سياسات الحكومات الأردنية المتعاقبة والتي تميزت بما يلي:-
1- سياسات التوريث للمناصب الحكومية.
2- سياسات استقواء طرف على آخر أو عشيرة على أخرى أو منطقة على منطقة أخرى.
3- سياسات الاستغباء والتضليل الذي يقوم على التمويه والتلاعب بالعقول لتطويع الشعب لأهداف خاصة تخدم هذه السياسات ولا تخدمه.
4- سياسات التجهيل وإخفاء الحقائق وأمور الوطن عن الشعب، ولعبت كافة وسائل الإعلام الأردني دورا سلبيا في هذا الاتجاه.
5- سياسات الانتقائية في معالجة مشاكل الوطن.
6- سياسات استقصاء واستبعاد القوى الوطنية الشريفة المشهود لها بنزاهتها ونظافة يدها وعدم إفساح المجال لها لإدارة البلاد والمشاركة في صنع القرار.
7- سياسات التخاصية الغير علمية واللا منهجية في خصخصة ألشركات الوطنية التي كانت ترفد الخزينة بالمال العام.
8- سياسات التمييز بين كافة مكونات المجتمع الأردني وتجلى ذلك في : مكرمة لابناءالقوات المسلحة، مكرمة لابناءالمعلمين، مكرمة لأبناء المخيمات، مكرمة لأبناء رؤساء الجامعات، مكرمة لأبناء العشائر، مكرمة أبناء البادية أو كما قال صديق لي عندما ذهب ليسجل ابنته في ألجامعه قال لموظف التسجيل في ألجامعه :( إحنا من الطايح حظهم ).
9- عدم وجود سياسات إستراتيجية تلتزم بها كافة الحكومات المتعاقبة لإدارة الوطن وإحداث التنمية الشاملة والمتوازنة في الأردن وعدم الاهتمام الكافي في البحوث العلمية والدراسات لتنمية البني الصناعية والتجارية والطبية والزراعية والعلمية وعدم بناء مشاريع وطنية إستراتيجية كبرى للحد من البطالة والفقر وتعدد الحكومات المشكلة والتي لا يستمر بعضها لأكثر من عام ونصف وبعضها الآخر لعدة شهور إما لمواجهة أزمة أو حدث ما داخل الوطن أو لتحسين علاقات الوطن مع دولة عربية ما.
10- عدم تفعيل وسيادة القانون الأردني على كافة شرائح المجتمع والاعتداء على الدستور الأردني وعلى سبيل المثال لا الحصر إصدار قوانين مؤقتة ساهمت بفرض رسوم وضرائب على المواطن الأردني أثقلت كاهله والتضييق على الحريات العامة والتدخلات الامنية، أضف إلى ذلك توغل إحدى السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) على الأخرى.
11- تقصير أجهزة ومؤسسات الدولة في اداء مهامها المنصوص عليها في الدستور والانظمة والقوانين الاردنية من رقابية وتفتيش وتشريع ومواصفات ومقاييس وكافة مؤسسات المجتمع المدني وعدم محاسبتها على تقصيرها في أداء واجباتها.
هذه السياسيات مجتمعة أدت إلى :
الناتج الأول:
*** سرقة ونهب منظم للمال العام بدون أي تردد أو خوف من المساءلة والمحاسبة بسبب عدم فاعلية وسيادة القانون والدستور على كافة شرائح المجتمع وغياب الأجهزة الرقابية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة.
*** العبث بمصالح الوطن وبيع مؤسساته المختلفة الرافدة لميزانية الدولة وبيع مقدراته بثمن بخس لعدم الاستناد إلى دراسات علمية منهجيه.
*** ازدياد معدلات الفقر والبطالة والجوع والمرض وتدني مستوى الدخل الفردي إلى درجه أصبح معها ليس فقط بان يشحد الملح، بل لم يعد يجد الملح حتى يشحده والذي كان دائما متوفرا للفقير والغني على حد سواء، وهذا دليل على فقر مدقع.
الناتج الثاني: هو ناتج عن الناتج الأول:
*** حراك شعبي وحزبي يطالب بإصلاح النظام في الأردن إصلاحا شاملا على كافة الصعد. أضف إلى ذلك المطالبات الجماهيرية الواسعة من مختلف المهن لتحسين أوضاعها المعيشية واسترداد حقوقها المهضومة واجتثاث الفاسدين والمفسدين.
هذه الحراكات والاحتجاجات الشعبية والتي طالت كافة شرائح المجتمع والحزبية أخذت ترفع من سقف شعاراتها ضاغطة على الحكومات المتعاقبة لتلبية مطالبها وتم الاستجابة لكثير منها ولكن بقي أيضا الكثير.
هذا هو المشهد الأردني كما أراه اليوم. إذن ما هو المطلوب للخروج من هذا المشهد الخطير الذي قد يصل لا سمح الله إلى الفوضى الخلاقة - ( هي نظرية تدرس لطلاب العلوم السياسية في الجامعات وهي حالة سياسية أو إنسانية يتوقع أن تكون مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الأحداث وهذا المصطلح وجد في أدبيات الماسونية القديمة أو بمعنى اخر: فوضى أي هدم وخلاقه بناء، أي هدم وبناء )-.
المطلوب:
أولا: الابتعاد عن السياسات السالفة الذكر مضافا إليها عدم المماطلة والتأخير في الاستجابة للمطالب الشعبية والحزبية ومحاولة شراء الوقت لعلى وعسى أن تخف هذه الحراكات والاحتجاجات الضاغطة مع مرور الزمن.
ثانيا:القضاء الجذري على مؤسسات الفساد وأدواتها ووسائلها وتحصين القوانين والأنظمة والدستور من اختراقها من قبل الفاسدين والمفسدين.
ثالثا: اعتماد سياسات واستراتيجيات وطنيه واضحة المعالم والرؤى واعتماد الصراحة والشفافية والمكاشفة في مخاطبة المواطن الأردني لتهدئته وطمأنته وحفاظا على أمنه واستقراره من كل نواحي الحياة واحترام عقله وتفكيره وإنسانيته. والعمل على استعادة ثقته بالحكومة وسياساتها وهذه الاستعادة بحاجة إلى ممارسة وفعل على ارض الواقع ليلمسها المواطن الأردني وأبرزها تحسين مستوى دخل الفرد الأردني والتقليل من الرسوم والضرائب التي أثقلته وايجاد فرص عمل مناسبة له للتخفيف من البطالة التي وصلت حدا لا يطاق.
رابعا: تفعيل دور الإعلام الأردني من مقرؤ ومسموع ومرئي ورفده بكفاءات وطنية واحترام عقل المواطن الأردني وإنسانيته وتفعيل وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب لبناء وعي ومعرفة وثقافة وطنيه وخلق عدالة اجتماعية مما يعزز روح الانتماء عند المواطن الأردني للمحافظة على الوطن وانجازاته وأمنه واستقراره، فبدون عدالة اجتماعية فلا سيادة واحترام للقانون والدستور أيضا، أضف إلى ذلك خلق وتنمية القيم الأخلاقية ، هذه كلها تساهم في بناء حضارة متقدمة يستحقها الأردن وأبنائه واجياله القادمه.
خامسا:إتاحة الفرص أمام الكفاءات الأردنية الوطنية الشريفة لصنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي وفي مختلف الأصعدة على مستوى الوطن. ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب علما بان من أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي هو وضع الرجل المناسب في المكان الغيــــــــــــــــــــــر مناســـــــــــــــــــــب.
وختاما، إن قراءتي للمشهد الأردني يتلخص بالتفاؤل أحيانا والتفاؤل الحذر أحيانا أخرى،وما يشدني إلى التفاؤل، إن هذا البلد بقيادته الهاشمية الفذة والشعب الطيب المعطاء المتميز بالصبر والعطاء والمتسلح بالعلم والمعرفة والذي استطاع أن يتجاوز الكثير الكثير من التحديات الداخلية والخارجية كما سبق وبينا، لهو بقادر إن شاء الله على اجتياز الأزمة التي يمر بها وأناشد كافة قوى الحراك الشعبي والحزبي والشرفاء والوطنيون في هذا الوطن أن يتفاءلوا بالخير يجدوه وان السعي لتحقيق الأهداف السامية المنشودة وامن واستقرار الوطن خطان متوازيان لا يتقاطعان وان تقاطعا فلا هدفا حققنا ولا وطنا أبقينا .. فالوطن أغلي ما نملك.