فلاديمير بوتين في ولايته الثالثة

في المشهد التالي، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية، التي منحت فلاديمير بوتين ولايته الثالثة؛ بدا أن الاحتجاجات الشعبية المعارضة ضد رجل البلاد القوي، تتركز في الطبقة الوسطى المدينية التي أحست بكثير من الإحباط. فبعد عشر سنوات من نمو اقتصادي ترفده عوائد كبيرة من الغاز والنفط؛ نما كذلك الحس السياسي والديموقراطي، فارتفع معدل التوقعات المتعلقة بالإصلاح الحكومي وبالرفاه. لكن بوتين، الذي عاد رئيساً بعد فاصل من أربع سنوات، ظل يعتمد في شعبيته، بخاصة لدى الطبقة العاملة، على مأثرة لا نقاش حولها، وهي تجنيب هذه الطبقة مخاطر الكساد الاقتصادي في عقد التسعينيات، مع ضمان الحفاظ على المسار الديموقراطي في البلاد!

يحقق الرجل، اليوم، نجاحه الانتخابي، ولا شىء يقلقه على هذا الصعيد. لكن تأثره الذي ظهر واضحاً في إطلالته الأولى على جمهوره بعد الفوز؛ يعود على الأرجح، الى إحساس بأن لديه مهمة يضمرها لتحقيق مكانة رفيعة لروسيا على المسرح الدولي، وهذه مكانة لا تتأتى، دون قوة اقتصادية تساعد على تبني سياسات استقلالية، لا ترتهن لأية قوة أخرى في العالم. وما يواجهه في ولايته الثالثة، يختلف عن كل ما مر معه في ولايتيه السابقتين. فأوروبا، المستورد الأكبر للغاز الروسي حسب خبراء سوق الطاقة، تمر بأزمة اقتصادية، وارتفاع الأسعار، بالمقارنة مع العقد الماضي، ليس مضموناً، في الوقت الذي لم ينجح الاقتصاد الروسي في تحقيق التنوع الانتاجي الذي يلبي الحاجات المتزايدة لزيادة الدخل الوطني العام، الأمر الذي سيجعل من الصعب على الرئيس بوتين، تلبية متطلبات الرخاء التي تتوقعها الطبقة المتوسطة المدينية الغاضبة، وسيصبح الرجل بين شقيْ الرحى: الضغوط لتحقيق إصلاح سياسي كامل، والاضطرار الى وقف 'مضايقاته' للقلة من الأثرياء الكبار ومصالحهم، والأخذ برأسمالية متوحشة، من شأنها أن تؤذي المجتمع الروسي!في هذا السياق، ينطلق بوتين بالسفينة الروسية، في بحر عالي الموج، ويجعل أولى أولوياته، تحقيق الاستقرار، وهذه مهمة عسيرة في ضوء ما يحدث في العالم الآن، وبخاصة في العالم العربي. وخبراء الشأن الروسي يقولون، إن الصعوبة تكمن في استحالة تكميم برامج التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنت، لذا فإن عودته الى الفاعلية والاقتدار، لكي يحقق الاستقرار المنشود، ستكون منقوصة، بالتالي فإن الناصحين المتعاطفين، يدعونه الى التفكير ملياً في طريقة الحفاظ على ميراثه السياسي، طالما أنه يرغب في أن يظل اسمه يُذكر في تاريخ روسيا كمنقذ قوي وديموقراطي. هؤلاء يقولون إن روسيا في حاجة الى عقد اجتماعي جديد، بين الشعب والدولة، وأن على بوتين في ولايته الثانية، أن يتوجه سريعاً الى إصلاحات معتبرة!وعلى الرغم من كل شيء، فإن بوتين يستحق أن تذكره الأجيال، كرجل وطني مثابر، من أصول اجتماعية ووظيفية متواضعة، انتشل بلاده من بين الأمواج العاتية، وحافظ على مكانتها، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي!