هل ينتظر المسؤولون لحظة



• موسى الصبيحي

لماذا ينتظر المسؤولون دائماً لحظة الانفجار لكي يتحركوا..؟! هذا السؤآل ينطبق تماماً على شاحنة الغاز التي انفجرت في شوارع عمان باسطواناتها المائة والأربعين، ولولا لطف الله لكانت أدّت إلى كارثة وخلّفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، والمعضلة أن الأمر ليس جديداً، فقد كتبنا وغيرنا أكثر من مرة عن القنابل المتحركة في شوارع عمان وشوارع المدن المكتظة، ونعني سيارات نقل الغاز وصهاريج المحروقات التي لا تراعي أدنى شروط ومعايير السلامة، ولنا أن نتصور شاحنة كبيرة محمّلة بمئات أنابيب الغاز مكدّسة بعضها فوق بعض بطريقة تشعر أنها قد تنفجر على الطريق لأقل سبب..!! فلماذا كانت الجهات الرسمية المعنية ساكتة إزاء هذه المخالفات الخطيرة على شوارعنا والتي نشاهدها كل يوم، بل كل ساعة ووسط الازدحامات المرورية الخانقة وعلى الطرقات الخارجية كذلك..!؟؟
الموضوع خطير، ويبدو أن الكثير من المسؤولين لا يحبون أن يتعلموا، أو أنهم لا يريدون أن يتعلموا أو يعملوا بما تعلّموا، حيث الاستهتار الكبير بحياة المواطن، الذي عليه أن يدفع الثمن دائماً، وقد يكون هذا الثمن حياته نفسها.. إذْ ثمّة استخفاف كبير أيضاً بموضوع السلامة العامة والسلامة المهنية، التي تكاد تكون غائبة عن سلّم أولويات وأجندات الحكومات الأردنية، ولدينا الكثير من الأمثلة التي تدل على ذلك..!!
كلنا لا نزال نذكر فاجعة تدهور صهريج محروقات في شارع نزول راس العين قبل عدة أعوام، وأدت الحادثة إلى احتراق أبرياء في مركباتهم، وإزهاق أرواح العشرات ناهيك عن حالة الفزع والخسائر الأخرى التي سبّبتها تلك الحادثة المؤلمة.. وبعدها صدر قرار رئيس الحكومة آنذاك بعدم السماح لصهاريج المحروقات بالسير في شوارع المدن خلال معظم أوقات اليوم والليلة وقصرها على ساعات محدودة تكون فيها حركة المرور ضئيلة.. ولكن لم يمرّ وقت طويل حتى عادت الأمور ولا تزال حتى يومنا هذا إلى سابق عهدها، حيث لا أحد يلتزم، ولا مسؤول ينتبه، ولا جهة تتابع أو تُعاقب، حتى كانت حادثة انفجار شاحنة الغاز في قلب العاصمة أخيراً..!!
ويذكر لي أحد الأصدقاء أنه في عام 2004 وقعت في اليابان حادثة خروج قطار عن سكّته، وقامت الدنيا ولم تقعد هناك، واستمرت التحقيقات والتحريات والتحليلات لمعرفة الأسباب والأشخاص المتسببين أو المقصّرين، علماً بأن الحادثة كانت بسيطة جداً ولم ينجم عنها أي خسائر لا بشرية ولا مادية، ومع ذلك كان هناك شعور عالٍ بالمسؤولية، وتحسباً لوقوع غيرها، واضطر أحد كبار المسؤولين المعنيين تحت ضغط الشعور بالمسؤولية إلى تقديم استقالته، شعوراً بالمسؤولية الأدبية..!!
أما لدينا فإن الأمر مضحك مبكٍ.. فأين هم المسؤولون الذين يشعرون بتأنيب ضمائرهم، وبمسؤولياتهم القانونية والمهنية والأدبية والإنسانية والوطنية عن فواجع وكوارث حدثت وتحمّل الشعب نتائجها نتيجة إهمال أو تقصير أو اجتهاد خاطيء لهذا المسؤول أو ذاك.. وأضرب مثلاً بمشروع هيكلة القطاع العام الذي أثار غضب معظم شرائح موظفي الدولة، وبدلاً من أن يعالج الاختلال في سلّم رواتب الموظفين زاد من الاختلال، وأدّى إلى حالة احتقان هائلة لا تزال تداعياتها قائمة، تفاقمت معها حالة عدم الرضا بصورة أكبر نتيجة مسلسل التنازلات والترقيعات والهبات لشرائح من الموظفين وقطاعات معينة تُمثلها نقابات دون غيرها من الشرائح الأخرى التي لم يسعفها الحظ بأن تكون لها نقابة أو جهة تدافع عن حقوقها ومكتسباتها، وستبقى حالة الغضب قائمة ما لم تبادر الحكومة والمسؤولون المعنيون فيها إلى إعادة دراسة وتصويب هذا الملف قبل أن يترك تأثيرات سلبية مدمّرة على القطاع العام ومستقبله..!! وليس عيباً أن تتراجع الحكومة عن خطئها وتصوّب الخلل، وأن يعترف الوزير المعني بمسؤوليته عن كل ما أحدثته الهيكلة من ضجّة ولُجّة مُتحمّلاً تبعاتها، وأن يرحل..!!
السؤآل الذي نطرحه بإلحاح: لماذا ينتظر المسؤول الأردني وقوع الفاجعة أو الانفجار حتى يتحرّك..؟؟!! فيا أيتها الحكومات ويا أيها المسؤولون اقتدوا بسيد البلاد الذي كان ولا يزال مبادراً ومستشعراً هموم المواطن وأوجاعه ومعاناته.. ساعياً لمعالجتها.

Subaihi_99@yahoo.com