مصداقية محكمة العدل الدولية على المحك



أحد مبادئ نيلسون مانديلا وقواعده في الحصول على الحرية السلام بأن الذي يحرم الاخر من حريته هو سجين الكراهية والتحيز وضيق الأفق فإذا أسقطنا هذا القول على ما يجري من أحداث في قطاع غزة نجد انّ انصار الكراهية والتحيز بتوسع مستمر .
لقد تابع العالم عن كثب جلسات الاستماع للقضية التاريخية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ضد المسؤولين الحكوميين للاحتلال الإسرائيلي بتهمة الإبادة الجماعية ليتوصل قضاة المحكمة الخمسة عشرة الى اتفاق و اصدار القرار النهائي على الرغم من انّ الاحتلال لا يملك الأدلة المقنعة للدفاع عن نفسها امام محكمة العدل الدولية بل قامت بمهاجمة دولة جنوب افريقيا واعدتها الذراع القانوني لحركة حماس ومع ذلك رأينا التوسع في التضامن الدولي الداعم لمطلب جنوب افريقيا من عدد من الدول فقد تقدمت دولة اندونيسيا بشكوى امام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الإسرائيلي تتهمه بعدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد قانون حقوق الانسان وانّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني.
المحاكمة التاريخية المنظورة الان ضد الكيان الإسرائيلي عملت على توحيد احرار العالم وأنصار الحق والعدالة للتضامن والمطالبة بإحقاق الحق وكان ثمن ذلك هو دماء الشهداء من مواطنين قطاع غزة لأجل الوصول الى وضع حد للظلم ونصرة المظلومين .
هذه القضية وضعت الاليات الدولية الإنسانية والأخلاقية على المحك، تلك الاليات التي صيغت قبل عشرات السنين لتوحد دول العالم على قواعد الاخوة الإنسانية والتعددية وتقبل الاخر وحرية الأديان والمعتقد الديني وتنبذ بذات الوقت خطابات الكراهية والتطرف والتمييز .
جميع انظار العالم تتجه الان لكي تقول المحكمة كلمتها وإصدار قرارها بوقف اطلاق النار في قطاع غزة ووقف مجازر الإبادة الجماعية الاجرامية التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي وما يتصل به من سياسات تجويع وتهجير وتطهير عرقي وحرب لا أخلاقية واللاإنسانية. لا بل انهاء الاحتلال الاسرائلي لفلسطين وغزة.
مجازر الإبادة الاجتماعية ضد الفلسطينيين والمواطنين في قطاع غزة حملتها دولة جنوب افريقيا امام محكمة لاهاي نيابة عن احرار العالم حملتها ووضعتها على طاولة الحق والعدالة وكانت أوراق تلك القضية ملطخة بدماء حمراء تقطر من رأسها الى قدمها لتحاضر بها جنوب افريقيا ببياض قلبها ويديها مطالبة قضاة اعلى هيئة قضائية دولية بانفاذ قواعد حقوق الانسان وقواعد القانون الدولي الإنساني متمسكة بكل الاثباتات القانونية التي لا تزال تبث عبر شاشة كل هاتف وشاشة تلفاز في بيوت العالم أجمع فلا يوجد مجال ولا مجال للنكران انّ هناك مجازر إبادة جماعية تم ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني وقطاع غزة.
المفارقة التي لوحظت اثناء جلسات الاستماع ما شهدناه تسريعا على وتيرة التدمير الممنهج الذي اتبعه الكيان للتوسع في عميات القتل الجماعي والتدمير الجماعي للمرافق وما يتصل بها من سياسات التجويع الممنهج القتل والتدمير والتطهير العرقي وكأنّ الاحتلال يريد ان يوصل رسالة الى دول العالم بأنه لا يأبه لمثوله امام المحكمة مما انزل التخوف من ان المحكمة لا تقول كلمة الحق. المجتمع الدولي يدرك تماما ان حالة الانهيار في قطاع غزة قد حدثت وان مجازر الإبادة الجماعية قد ارتكبت وقد أعلنت المنظمات والوكالات الأممية حالة الإنذار ورفعت شعار طلب المساعدة فقد اقدم برنامج الأغذية العالمي بالإعلان عن عدم قدرة 95% من سكان قطاع غزة من الوصول والحصول على الغذاء والمياه وان الأطفال والنساء والشيوخ يموتون من الجوع وكالة الانوروا أعلنت عن تدمير كامل للعديد من الاحياء والأماكن السكنية وان الاستهداف الممنهج المرتكب من قبل الكيان الإسرائيلي للتهجير والتطهير العرقي قد حصل على ارض فلسطين وقطاع غزة ومع هذا كله لا يزال الكيان الاسرائيلي لم يولِ أي اعتبار للآليات الدولية، و للعدالة الإنسانية على الرغم من أنّ عددا من الدول التي دعمت طلبت جنوب افريقيا امام محكمة العدل الدولية فقد تقدمت دولة إندونيسيا برفع قضية ضد إسرائيل بتهمة عدم احترام إسرائيل للقانون الدولي وان الاحتلالالإسرائيلي لفلسطين غير قانوني.
السؤال المطروح الان لماذا لم تصدر المحكمة قراراها بعدما رأت تلك الأدلة والاثبات والتخوف من ان توضع قضية غزة في الادراج المقفلة لمحكمة العدل الدولية . رغم الأدلة التي قدمها الفريق القانوني لجنوب افريقيا وهي ادلة حية موجودة على ارض الواقع والمآساة تتعمق كل يوم على مرأى العالم ولا يمكن إنكارها مع وجود الدلائل الإحصائية بهذه القضية واضحة ومثبتة بعدد الأطفال والنساء والتدمير الكلي للاحياء السكنية هل ستدثر قضية قطاع غزة في الادراج المقفلة لمحكمة العدل؟
الإجابة يكون بالحالات المشابه للقضية المنظورة التي أصدرت المحكمة قرارها بها اذ لا يزال امامنا وقت فقد بتت المحكمة بقرارها بقضية ميانمار بعد أربعين يوما من جلسات الاستماع وبالمقابل فقد بتت بالقضية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا بعد ثمان أيام لذلك اليوم مصداقية قرارات واليات محكمة العدل على المحك اذا لم تقول كلمتها بأسرع وقت ؟
لكن التأخر بإصدار القرار المحكمة قد يعني أيضاً خضوع ارادات قضاة محكمة العدل الدولية الى ارادات سياسية تنحاز الى سياسات الاحتلال الإسرائيلي وصمت المحكمة يعني إعطاء ضوء اخضر للكيان الصهيوني بالاستمرار بالارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
لذلك والى حين اصدار القرار يقع واجب الالتزام على قضاة محكمة العدل الدولية بالالتزام بقواعد النظام الإساسي لروما واتفاقيات جنيف والاتفاقية الدولية للإبادة الجماعية وبأخذ القرار على صفة العجالة بفرض التدابير المؤقتة التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا والتدابير المؤقتة تعرّف بأنها أوامر تصدرها محكمة العدل الدولية قبل حكمها النهائي في قضية ما، بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها، وبموجبها تُلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة الحكم النهائي وطلبت جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية الإشارة إلى 9 تدابير مؤقتة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.وفي حال لم يصدر قرار المحكمة سنكون امام ازمة أخلاقية يتوجب حيالها توحيد جهود المجتمع الدوليّ لإنقاذ منظومة حقوق الانسان من الإبادة والتدمير الممنهج فكما قال أحد الفلاسفة اذا كنت محايدا في حالات الظلم فقد اخترت ان تكون بجانب الظالم.