"الصمت".. حينما يكون فرصة للعلاج ومغادرة دوامة الضغوط النفسية
تستغل آمنة جرير الأجواء الشتوية الماطرة لتجلس فترة من الوقت تناظر المشاهد من حديقة بيتها، على أمل أن تكون هذه الجلسة الذاتية الصامتة، فرصة لها لتفرغ تلك الطاقة السلبية المتراكمة في ذهنها، كما تقول، وتعود بعد ذلك بحالة أفضل.
هذه العادة التي عمدت إلى ممارستها آمنة ما بين الحين والآخر، ترى أنها الآن بأمسّ الحاجة لها، فهي ومنذ عدة أشهر تشعر بضغوط نفسية كبيرة، ساهمت في مضاعفتها تلك الأحداث والأخبار والصور التي تشاهدها كل يوم، وتبعث على الحزن والألم والقهر، فوجدت أن الجلوس بصمت يبعث على الراحة والهدوء والتأمل بالنعم التي حولنا.
هذه الحالة العفوية من آمنة، يرى فيها علماء النفس أنها طريقة يتبعها الكثيرون منهم، والتي عادةً ما تُسمى بـ "العلاج بالصمت"، وهناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تتناول هذا النوع من العلاج، ومدى الفائدة التي قد يحصل عليها المريض بعد جلسات من هذا الإجراء الطبي المدروس، وقد يكون سبباً في علاج الكثير من الحالات النفسية التي يتم تقييمها.
وقد يجد البعض أن العلاج بالصمت، وبخاصة من الأشخاص الذين يقومون به بشكل عفوي من دون العلم بأنه إجراء طبي، فقد يجد بعضهم أن الجلوس بمرافقة سماع بعض من آيات القرآن بصوت هادئ، وملازمة الصمت تماماً، أو الاستماع إلى بودكاست غني بالحديث اللطيف، وأحياناً قد يجد آخرون أن التزام الصمت لوقت والاستماع إلى الموسيقا، هي جميعها طرق يمكن أن تريح النفس وتبعث على الهدوء والاطمئنان.
وهنا، ترى دعاء سعد، وهي أم وموظفة، بأن الحاجة إلى الهدوء من دون الحاجة إلى الكلام والنقاش والحوار مع أي شخص هي فرصة مناسبة وحاجة أساسية للابتعاد عن مشاكل الحياة اليومية، وما نراه على مدار الساعة من أخبار يثقل القلب ولا يمكننا أن ننفصل عن الواقع، إلا بسرقة تلك اللحظات الهادئة الصامتة التي نحتاجها بين الحين والآخر.
هذا الأسلوب من مساعدة النفس على الهدوء و"إراحة العقل"، على حد تعبيرها، تعلمته دعاء من خلال بعض المقاطع التي شاهدتها لأحد الخبراء النفسيين الأسريين المعروفين في الوطن العربي، ومثال عليه، الخبير النفسي طارق الحبيب الذي يقدم نصائح للمساعدة الذاتية على تهدئة النفس وعلاجها من التوتر والقلق، ومنها أسلوب الصمت الطوعي أو التأمل.
ولا تنكر دعاء بأنها تحاول جاهدة هذه الفترة إلى اتباع هذه الطريقة بشكل ذاتي منها، بل وتحاول أن تثبته كـ "تقليد" مكرر لديها كلما سنحت الفرصة، وتعلم أبناءها على ذلك، حتى يعتادوا على إعطاء والدتهم الفرصة لنفسها للجلوس بصمت، وقد يرافقها أحياناً قراءة مقتطفات من كتاب، وربما دون شيء، كون طبيعة الكتاب قد تساهم في إثارة بعض المشاعر لديها، وهي تحاول البقاء "بصمت فعلي"، ولا تنكر أنها استفادت كثيراً من هذا الأمر.
علماء النفس كذلك، يقولون بأن "هذا الأسلوب المُتبع لدى البعض سواء بطريقة عفوية أو علاجية يُحتّم عليهم الابتعاد عن كل شيء خاصة بعد التعرض للصدمات العاطفية، ولذلك علينا أن نقلل الحركات والكلام ونستغرق بالصمت والتأمل".
"الصمت هو الامتناع عن الكلام بشكل عام لكنه في علم النفس عرض من أعراض المرض النفسي"، كما يرى الاختصاصي النفسي التربوي الدكتور موسى مطارنة، بيد أنه في ذات الوقت قد يكون طريقة للعلاج المدروس، ولكن له في ذات الوقت دلالات تكون نتيجة لتعرض الفرد لصدمة نفسية عصبية شديدة أو التعرض لأذى نفسي غير محتمل أو اضطرابات مثل الضغط والتوتر واضطرابات شخصية وغياب التفاعل الاجتماعي، وهذا ما يُسمى بـ "الصمت المرضي".
ووفق مطارنة، فإن الصمت ما هو إلا مهارة يملكها الشخص في مساعدة نفسه، ويختلف عن الصمت المرضي، بحيث يستخدمها الشخص للتعامل مع القضايا والمواقف التي تحيط به، وله فوائد كثيرة على الدماغ والعقل، موضحاً بأن بعض خلايا المخ تكون نائمة وغير نشطة، ومهارة استخدام الصمت من شأنها أن تغذي الدماغ من خلال التأمل الداخلي، ويساعد الفرد على التفكير بعمق في كل ما يحدث حوله.
كما يبين مطارنة أن بعض الأشخاص قد يتعمدون الصمت بطريقة طوعية وينتظرون لبعض الوقت وهم يفكرون ويتأملون بما يجول في خاطرهم وما يشغل عقلهم، وهي ما يعتبره مختصون طريقة مميزة لتنمية الدماغ في تحديد المشكلة وإيجاد طريقة للحل، كل ذلك دون الحاجة إلى الحديث والنطق بأي كلمة، فقط صمت إيجابي وتأمل وتفكير هادئ.
كما يؤكد مطارنة أن مهارة الصمت من شأنها كذلك أن تزوّد الفرد بالطاقة الجيدة التي تساعد على التركيز والقوة العقلانية، وأحيانا يستخدم الصمت ليكون أداء تعبيريا اتجاه الآخرين، خاصة عندما يرتبط بالإيماءات الجسدية، والتي تساعد الفرد في إيصال الرسالة للشخص المقابل "بدون كلام"، وهذه مهارات يجب على الإنسان أن يتعلم استخدامها في حياته وتعاملاته مع الآخرين.
إلى ذلك، من المهم اتباع الصمت كطريقة لعلاج النفس ومساعدتها على ترتيب أمورها الداخلية، مبينا مطارنة أن هناك حالات واضحة يمكن التعرف عليها في حال كان هذا صمتاً مرضياً أو لا، كما في حالات التعرض للعنف والاضطرابات النفسية الأخرى، كما في عدم الثقة بالنفس، والتعرض للمشاكل في الطفولة أو للصدمات النفسية.