جدي... اليمني



زرت عدة عواصم ومدن وقرى عربية بحكم عملي الصحفي. أقمت سنوات طويلة في ثلاث دول هي الكويت، الإمارات – الشارقة، والبحرين. للأسف، لم أزر اليمن. لكني عرفتها جيداً كما درسناها في المرحلة الابتدائية بأن «اليمن أصل العرب». ومن خلال زملاء يمنيين عملت معهم في صحف خليجية كما من خلال صداقات عبر التواصل الاجتماعي.
 منهم من التقيت بهم في عمان ومنهم من عرفتهم ونشأت بيني وبينهم علاقة مودة واحترام من دون أن نلتقي وجهاً لوجه. تكونت لدي صورة حقيقية عن الانسان اليمني. جاد، كريم، مشبع بالكرامة، صاحب واجب، أصيل.
 ذات يوم اتصل بي أخ يمني عرفني بنفسه وقال فلان أرسل لك معي هدية رمزية. اتفقنا على مكان اللقاء. انسان مثقف راقٍ ملم بما يجري في بلده أيام وبعد الرئيس علي عبدالله صالح الذي كنت التقيته أثناء احدى القمم العربية التي عقدت في عمان وأظنها قمة «الوفاق والاتفاق».
 تحدثنا طويلاً عن الهم اليمني والعربي. فتح الكيس الذي كان وضعه على الطاولة. أخرج منه مطربان عسل وكيس قهوة متوسط الحجم كتب عليه « قهوة سمراء عدن «. فاجأني الاسم. قلت له كان في الكويت عام 1975 مطاحن بنفس الاسم « سمراء عدن « وكنت أشتري قهوتي منها. علمت لاحقاً من الصديق الذي أرسل لي القهوة أن هذا فرع من فروع محلات والده.
 لاحقاً حضر الصديق الى عمان مع زوجته التي تدرس في الجامعة الاردنية. التقينا على العشاء في مطعم يمني قرب الجامعة. كان الطعام من الأكلات اليمنية الشهية، مظبي والمدفون والسمك والزربيان والمطفاية. بعد العشاء تسلل الى المحاسب يريد دفع الحساب فركضت اليه «ماذا تفعل يا رجل؟ هذا نعتبره عيبا كبيرا، أنتم ضيوفنا في الأردن. هل تعلم أننا نعتبرها إهانة كبيرة؟».
 صمت واعتذر. سألته : نحن لم نلتقِ سابقاً، ما الذي دفعك لارسال الهدية لي مع صديقك ؟ قال: أنا أتابع كتاباتك منذ زمن وأحترم آراءك العروبية واسلوبك في الكتابة. شكرته واتفقنا على اللقاء كلما زار عمان. وقلت له : زوجتك أختنا. وصّها أن تتصل كلما احتاجت أي شيء.
 إنه الكرم اليمني.
 قبل أيام وصلتني هدية من صديقة شاعرة من أهل صنعاء أعرفها على الفيس وكنت ارسلت لها ثوياً فلاحياً مطرزاً. هديتها التي أرسلتها مع زوجها عبارة عن خاتمي عقيق أصلي يمني.
 إنه الوفاء اليمني.
أما ما عرفني بأهل اليمن عملياً وواقعياً فهو هذا الموقف العروبي الشجاع الذي يتخذه الجيش الشجاع المساند لأهل غزة في الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي منذ مئة يوم والمخاطرة في مواجهة أميركا وبريطانيا قطبَي الاستعمار القديم والجديد على وطننا العربي.
 إنها الرجولة اليمنية
 وكما تعيد المقاومة الفلسطينية الزمن إلى 1948 فإن الشجاعة تعيد العرب العرب الى جذورهم اليمنية.