الاصطفافات العشائرية ومحاربة الفساد

مفارقة عجيبة يلاحظها كل الناس هذه الأيام وتكررت أكثر من مرّة ألا وهي انبراء “عزوة” أو “عشيرة” أو “أصدقاء” أو “شِلّة” المحولين للقضاء للتحقيق معهم بتهم الفساد، انبراؤهم للدفاع عنهم جزافاً والاصطفاف لإلقاء اللوم على الحكومة لمحاولتها اغتيال شخصياتهم أو استهدافهم أو تصفية حساباتها معهم أو تقزيمهم سياسياً، وكأن المطالبات بالاصلاح ومكافحة الفساد من قِبَل الشارع يقصد بها أناس مستوردون من المريخ أو من هونولولو وكأن الفاسدين أيضاً ليسوا من الأردن البتّة.

ولهذا فقد طفا على السطح هذه الأيام مصطلح “الاصطفاف العشائري” لغايات التضامن ونُصرة ابن العشيرة ظالماً أو مظلوماً، وفي هذا بالطبع خروج عن المألوف وتجنٍ على النظام الاجتماعي الأردني الذي أُسس على بنيان أساسه متين ويحترم الروابط الاجتماعية ما دامت على طريق الحق والانتماء الصادق للوطن، كما أن في ذلك متاجرة بحقوق الوطن وتكريسا لنظام الفزعة الظالم لتقوية العابثين بمقدرات الشعب.

فالاصطفاف العشائري يتم للتجييش والتحشّد على أن المُتهم مظلوم حيث يُنصّب الناس أنفسهم قضاة قبل أن يتم استدعاء المتهم للقضاء والتحقيق معه –وربما يكون فعلاً مظلوما وتتم براءته-، لكن المطلوب هو الصبر ليأخذ القانون مجراه في حال أننا نؤمن بأن دولتنا دولة مؤسسات وقانون.والاحتمال الآخر وارد بأن المتهم غير مظلوم ويستبق الأمور للتغطية الاعلامية والتشبيك مع الفاسدين للتغطية على أفعالهم. وهذا يُمرر على العشيرة لغايات حماية ابنها المتّهم.

ويبادر الناس أيضاً لوضع أولوياتهم في جرّ الفاسدين للعدالة من خلال المطالبة بالهوامير أولاً فالأصغر فالأصغر لدرء الخطر عن ابنهم، وكأن الفساد له حدود أو سقوف، وهنا يجب أن نقرّ بأنه لا يوجد أنصاف فاسدين، فامّا فاسد أو نظيف. ولو كان المتهم نظيفا بالتأكيد فكلنا مع الوِقفات المُحقة والعادلة والمساندة والمعاضدة لنصرة القريب وابن العشيرة.

الكل يعلم بأن الفساد لا ينتمي لعشيرة بعينها ولا لوطن ولا مِلّة أو قِبلة أو ميثاق أو غير ذلك، فالفاسد لا يمثّل الّا نفسه ويجب تجريمه والتبرؤ منه بل وتعزيره ومحاسبته وفق القانون أنّى كان في حال ثبوت التهمة المنسوبة اليه، لكن ظاهرة الاختباء وراء العشيرة أو الاستقواء بها للحماية أو الانتساب اليها بعد التُهمة وفي حالة الضعف لا يقبل بها عاقل لأن ذلك يسيء للعشيرة والتي هي بمثابة مؤسسة اجتماعية محترمة وذات كيان له كرامة وعزّة ومتانة.

ثقة الأردنيين بالقضاء كبيرة جداً ويؤمنون بأن العدل أساس الملك ولن يُظلم انسان في هذا الوطن ما دام قضاؤنا نزيها ويعتمد البيّنة في الادعاء والمعلومة المُتحرّاة للأخذ بها، ولو كان عكس ذلك لطالب الجميع بعدالة وانصاف المتهم سواء ابن عشيرة أو غير ذلك، ولاصطف الأردنيون كلهم كعشيرة للمظلوم أنّى كان لاسترداد حقّه.

وهذه دعوة مفتوحة لكل الأردنيين الشرفاء لإعطاء الفرصة الكافية لقضائنا النزيه بأن يحقق ويتحقق من قضايا الفساد المحوّلة اليه دون التشكيك بمصداقيته عن طريق الاستباقية في الاصطفافات العشائرية، ومنح القضاء الفرصة اللازمة لإصدار أحكامه المستندة الى البينات لغايات احقاق الحق وأخذ حقوق الوطن والشعب من كل فاسد، وترسيخ مقولة جلالة الملك المعظّم بانه لا حصانة لفاسد مهما كان منصبه لأن الرأي الفيصل للقضاء.



* وزير الأشغال العامة والاسكان السابق