طريق «العودتين» لا «الدولتين»!!




منذ 7 اكتوبر لم أكبر. توقف الزمن في غزة. كنت أراني في طفل استشهد والداه، طفلة صارت أم أشقائها الأصغر. أب يجمع أشلاء أطفاله في كيس أبيض.

وفي الوقت نفسه، أرفع رأسي كلما رأيت على الشاشة «عاجل». أبو عبيدة يعلن تدمير دبابة ميركافا بالياسين 105 و حرق جرافة بقذيفة شواظ ويوثق بالصورة قتل جنود الاحتلال من المسافة صفر . عندها أتوازن . أقوم أحلق ذقني التي غطاها البياض كذاك الدخان المتصاعد من قصف طائرات الاحتلال لمخيمات ومدن غزة الذي لم يتوقف طيلة 90 يوماً وأزيد.

أعود شاباً في العشرين، أخرج من نفق الحزن مثل ذاك الذي يخرج من النفق، يلصق المتفجرة بجسد الدبابة ويعود. الدبابة تحترق، لا أحد من «الجيش الذي لا يقهر» يجرؤ على اطفائها أو سحبها، تظل تحترق و.. الشباب يتدفأون على نارها.

رغم الغرق في دموع أهل غزة وآخرها، وليست الأخيرة حتى يخضع نتنياهو ويوقف الحرب، دموع الصحفي الجبل وائل الدحدوح باستشهاد ابنه البكر حمزة الصحفي أيضاً باستهداف سيارته مع زميله الصحفي مصطفى ثريا، فإن إسرائيل تغرق هي الأخرى في الفشل العسكري والتمزق السياسي.

وائل جبل أشم. قتلوه عشر مرات ولم يمت. مرة باغتياله ومرات بقتل زوجته وابنه وابنته وحفيده و الأمس بابنه حمزة الذي اختار طريق الصحافة والاعلام الشريف.

«هذه طريق اخترناها طواعية وسقيناها بأغلى ما نملك، سقيناها بالدماء، حمزة لم يكن بضعا مني، بل كان كلي، حمزة كان روح الروح، نحن مشبعون بالإنسانية وهم مشبعون بالقتل، من جديد، هذه دموع الإنسانية، دموع الكرم والشجاعة وليست دموع الخوف والاستكانة». هذا ما قاله وائل وهو يودع حمزة.

اسرائيل لا تحتاج لمن يزودها بالسلاح ولا من يتعاون معها في جريمة القرن في غزة بل تحتاج لمن ينقذها من نتنياهو الذي يعتبر نفسه موسى الجديد لليهود. ويقول للإسرائيليين أنا الدولة والدولة أنا.

لكنه كالثور يغرزون في كتفيه سهمين يتوجع ويهيج وهو يعرف انه في طريقه إلى الذبح، عندها يركض إلى الأمام مهاجماً كل شيء في طريقه. هذا حال نتنياهو وتابعه وزير دفاعه غالانت. يقصف بالطائرات غزة. يقتل ما يزيد على 22 ألفاً من المدنيين الأبرياء، يدمر 90 بالمائة من منازل القطاع، يجرف القبور، يمنع المسعفين من الوصول إلى الجرحى و.. يرتكب جرائم وابادة جماعية تخالف القانون الدولي والإنسانية.

يريد استنساخ الحرب على غزة في جنوب لبنان. لكأنه لم يتعلم من حرب 2006 التي اسقطت قيادات سياسية وعسكرية واستخباراتية اسرائيلية. ويريد فتح جبهات سوريا واليمن والعراق وجيشه فاشل منهك و محبط في وحل غزة.

اغتال صالح العاروري في بيروت ويخطط لاغتيال قادة آخرين من حماس في كل مكان يتواجدون فيه. ويتعامى الغبي عن حقيقة أن المقاومة ليست أشخاصاً بل نهج متجذر في وعي الشعب الفلسطيني قبل ومنذ نكبة 1948. فكم من شهيد مضى وجاء من بعده مشاريع شهداء.

أثبتت المقاومة أن إسرائيل دولة مؤقتة. وأن كذبة الـ 75 سنة انكشفت للعالم. لقد بدأ الرأي العام العالمي يدرك أنه تعرض لأكبر خديعة من حكومات بلادهم بأن «إسرائيل» واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» فإذ بها أمام أعينهم أداة الإجرام الوحيدة. تستغل ضرائبهم لتزويدها بأسلحة قتل الأطفال والنساء.

وتستغل ما فعله هتلر قبل عقود، مع تضخيمها لما فعل، لابتزاز عواطفهم. يقول مواطن ألماني على تويتر «إكس» غاضباً : ما علاقتي أنا الألماني بما فعله هتلر.

إن من أهم نتائج حرب غزة حتى الآن أعادت القضية إلى نقطة الصفر الذي أعطته المقاومة قيمة، لتبدأ مرحلة جديدة وتمحو الصورة الكاذبة التي روجتها الصهيونية عن فلسطين والقضية الفلسطينية.

ليست أرضاً بلا شعب. بل أرض الزيتون والبرتقال و المقدسات ليسوا مجرد لاجئين، الكبار ماتوا لكنهم تركوا مفاتيح بيوتهم في يافا وحيفا واللد والرملة وصفد و عسقلان لأبنائهم وأحفادهم وأوصوهم أن لا ينسوا. الصغار لم ينسوا وهاهم يهزمون الجيش الذي لا يهزم «.

لقد بدأت طريق العودتين. عودة اللاجئين إلى بلادهم فلسطين، واليهود إلى بلادهم التي أتوا منها.