عبد الكريم الكباريتي.. وثلوج كلمنجارو
خالد أبو الخير
3 سنوات تقضت منذ غادر منصبه الأخير في البنك الأردني الكويتي،و 28 سنة منذ شكل حكومته "الوحيدة" التي ظلت علماً في سجل الحكومات الأردنية، وما بينها، يظل عبد الكريم الكباريتي، الغائب الحاضر.
دأب في كل مناسباته أن يتجاوز الخاص إلى العام، وهو قمين بأن يحوّل مناسبة اجتماعية أو اقتصادية، إلى جلسة عصف ذهني وفاتحة لنقاش يطول.
حين تفجرت أحداث غزة قال يوم10 تشرين أول/ اكتوبر خلال مشاركته في افتتاح " ديوان آل عقرباوي" إن ما "قدّمه الفلسطينيون في (70) ساعة ، فاق ما قدّمه "العجز العربي والنفاق الدولي في (70) عاما."
الأحوال .. أوحال
مرة حضر جاهة عرس، فباغت الحاضرين بقوله: "الواقع الذي نعيش فيه يمثل حزاماً نارياً، يجعل أجمل ما يقال في احوالنا ما خطه الكاتب المقدسي أكرم زعيتر" الاحوال.. اوحال" .
نظارة سوداء
في تقليد استمر لسنوات، تحول اجتماع الهيئة العامة لمساهمي البنك الأردني الكويتي الى منصة سياسية واقتصادية بامتياز، فقد حرص صحافيون وسياسيون على حضورها في انتظار: ماذا سيقول الكباريتي؟.
:" أحذر الحكومة من شهوة الانفاق". عبارة أطلقها " أبو عون" من نفس المنصةعام 2007، حين كانت حكومة نادر الذهبي تعلن أن الأزمة المالية العالمية لن تؤثر على الأردن. و:" الحكومة ترتدي نظارة سوداء ولا تمتلك النظرة الشمولية للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة". عبارة اخرى بقيت لسنوات تلقى صدى، قالها في حكومة عبد الله النسور عام 2013.
عصف الغبار
أثار تقديمه لصديقه ووزير أعلامه ونائبه في عهد حكومته مروان المعشر، غداة توقيعه كتابه "اليقظة العربية الثانية والنضال من أجل التعددية" ، غضب عش الدبابير فهاجموهما دون مسوغ، حتى عد ظهور الكباريتي بما يحمله من كاريزما ورؤيا اصلاحية وتنويرية وجرأة في المواجهة مدعاة لعصف الغبار.
مناسبة اخرى في مؤسسة شومان ايضاً، وقع خلالها رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري كتابه " حصاد الزمن الصعب" برز الكباريتي بتقديمه للمصري حين اضاء القاعة التي غصت عن بكرة ابيها بالسياسيين والاعلاميين والمثقفين بوصفه للمصري بأنه : رجل دولة في كل الفصول، لا تغيره الاحوال ولا الأوحال ، لا تبهره السلطة ولم يقع في شباكها واتقن فن التوازنات " .
الثورة البيضاء
بغير كثير سرد، وتعداد للمحطات التي أوصلته إلى شغل مقعد في مجلس نواب 89، وتقلبه في وزارات السياحة والعمل، 1993- 1995، إلى اختياره رئيسا للوزراء في تموز من العام 1996، ثم إلى رئاسة الديوان الملكي 2000، تبدو مرحلة تشكيله الحكومة هي الأبرز.
أثبت الكباريتي أيامها أنّه رجل دولة واقتصاد، جريئاً حين يتطلّب الأمر جرأة، وحكيماُ ، لدرجة ان الراحل الحسين قال عن رئيس وزرائه انه يذكره بوصفي التل.
عمل أيامها على إعادة العلاقات مع دول الخليج التي تأثرت في اعقاب الحرب على العراق عام 1991، وضخ دما جديدا في أوصال القطاع العام، وجد واجتهد في إحداث تغيير يكون نتاجاً للتسمية التي رافقت حكومته " الثورة البيضاء".
الدفع قبل الرفع
القرار المصيري الذي اتخذته حكومته كان رفع اسعار الخبز، ويومها سوق القرار بعبارة ذات مغزى ساخر " الدفع قبل الرفع"، وما زال الناس منقسمون حياله، فمنهم من يعدّها مثلبة، مذكرين بالمظاهرات التي رافقت القرار، ومنهم من يستملحها، ذاكرا أنّ أبا عون قدّم دعماً مالياً قبل الرفع.
وفي لقاء عقب استقالة حكومته قال لصحافيين، كان منهم كاتب هذه السطور: "أنا قدّمت دعماً للفقراء وضعيفي الحال قبل رفع أسعار الخبز، بيد أنّ من سيأتي بعدي سيرفع دون أن يدفع!".
عد المصاري
علاقته مع الملك الراحل الحسين تميّزت بالدفء، فقد رأى باني الأردن في أبي عون ذلك السياسي الشاب المتميز والذكي والشجاع.
وعلى الرغم من ردّه على خطاب الملك الراحل الحسين، غداة استقالته من الحكومة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها الرد على ما ورد في الكتاب الملكي، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثّر على العلاقة الدافئة مع الراحل الكبير، وقد استقبله الحسين في السفارة الأردنية بواشنطن، داعياً إياه للعودة إلى الخدمة العامة بدل الاستمرار بوظيفة "عدّ المصاري".
وكان الكباريتي تولّى المنصب الأول في البنك الأردني الكويتي في تموز 1998، فأثبت نجاحه في ميدانه، وأحدث نقلة نوعية فيه وحوله الى صرح اقتصادي مهم يشار له بالبنان.
شهر الهدنة مع الروابدة
استهلّ الملك عبد الله الثاني عهده بتسمية الكباريتي رئيساً للديوان الملكي وتكليف عبد الرؤوف الروابدة برئاسة الحكومة، إلاّ أنّ شهر "الهدنة" لم يدم بين الرجلين، فسرعان ما وقعت احتكاكات بينهما، عكست اختلاف أسلوب الرجلين وتباين رؤاهما.
يراه خصومه راديكاليا وعنيداً، يريد لكل شيء أن يسير وفق آرائه، وأحيانا يغالون ويقولون أهوائه، ويرى مناصروه فيه سياسيا يعزّ نظيره، رجل رؤى وبرنامج، يؤمن بالأردن ، لا يحابي ولا يهادن.
وفي لقاء خاص جمع الملك عبد الله الثاني بنخبة من رؤساء الوزراء السابقين وجّه خطابا نقديا لأداء بعض السلطات.
وقال في لقاء آخر، في ايار/مايو 2022 أمام الملك "أن الأردن دفع أثماناً سياسية نتيجة تحمله مواقف مواجهة المخططات التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية".
تردد اسمه لتشكيل الحكومة "البرلمانية" قبل أن يعهد بها إلى عبد الله النسور، وقيل أنّه اعتذر، وثمة من يقول: "كان لا بد لأبي عون أن يعتذر، خصوصاً مع طريقة التشكيل".
ثلوج كلمنجارو
أمضى الكباريتي العام الماضي إجازة صيد في جنوب افريقيا اثمرت عدداً من الغزلان، فهو ماهر في الصيد كما هو حاله في السياسة والمال، وثقها بصور نشرتها مواقع إخبارية.
ولعله استذكر هناك، ارنست هيمنغواي، فالنمر الذي عثر عليه الصياد ميتاً في "ثلوج كلمنجارو" حاول تحطيم المستحيل مؤثرا صعود القمم، رغم انها تخلو من الطرائد، على السفوح.