الاقتصاد الأردني بين عامين.. طموحات وتحديات وتوقعات



اختتم عام 2023 بإعلان دائرة الإحصاءات العامة أن الناتج المحلي الإجمالي قد سجل خلال الربع الثالث نمواً بلغ 2.7% بالأسعار الثابتة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وأظهرت النتائج الأولية أن غالبية القطاعات الاقتصادية حققت نمواً خلال تلك الفترة.


ومن الواضح أن الاقتصاد الأردني استطاع تحقيق العديد من الإنجازات خلال العام الماضي ومن أبرزها كبح جماح التضخم ليقترب من نسبة 2% مع الحفاظ على استقرار صرف الدينار الأردني وعلى استقرار أسعار المواد الغذائية واحتياطيات عملة أجنبية تصل لحوالي 18 مليار دولار.


كما حقق قطاع السياحة والدخل السياحي نمواً لافتاً خلال الاحد عشر شهراً الأولى من العام وبنسبة وصلت حوالي 30% وحافظ الاقتصاد الأردني على تصنيفه الائتماني المستقر، كما تم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتبني برنامج جديد للإصلاح بتمويل يعادل 1.2 مليار دولار، وعموماً فقد أثبت الاقتصاد الأردني قدرة على استيعاب الصدمات وتجاوز الازمات التي شهدتها الاقتصادات الإقليمية والعالمية.


والآمال معقودة أن تتواصل الإنجازات خلال العام الحالي بالرغم من التحديات الماثلة أمامنا ومن أهمها نسبة البطالة التي انخفضت خلال الربع الثالث من العام الماضي لكنها ما زالت أعلى من 22% وتحتاج لمزيد من الجهود النوعية الجادة لما تمثله من مخاطر اجتماعية واقتصادية.


كما أن العجز المزمن في الموازنة العامة وارتفاع أعباء المديونية تمثل عائقاً أمام السير قدماً لتنفيذ مشاريع استثمارية تنعكس ايجاباً على النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل ورفع مستوى معيشة المواطنين.


ناهيك عن الأزمات التي تشهدها المنطقة وتحمل في طياتها اثراً مباشراً وغير مباشر على الاقتصاد الأردني، إلا أنه وبالرغم من ذلك تشير التوقعات إلى أن النمو الاقتصادي خلال العام الحالي 2024 سيبلغ 2.6% بالأسعار الثابتة والحفاظ على معدل تضخم معتدل لا يتجاوز 2.7%، كما تضمن مشروع قانون الموازنة العامة رصد ما يقارب 35 مليون دينار للسير قدماً في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.


ومن المفهوم أن حالة عدم اليقين تعقد التوقعات الاقتصادية، فمثلاً كانت هذه التوقعات للعام المنصرم في أغلبها تتحدث عن انكماش سيطال معظم الاقتصادات العالمية، الا أن النتائج كانت غير ذلك وهذا ليس غريباً، فالعوامل التي تحكم التطورات الاقتصادية ديناميكية بطبيعتها الا أن ذلك لا يقلل من أهمية التنبؤات الاقتصادية المستقبلية، فهي عادة ما تسعى الى تحديد أهم الأحداث المتوقعة وسيناريوهات التعامل معها بهدف الاستعداد لما هو قادم.


ولأن التوقعات تستند إلى المعطيات المتوفرة فالتغير في هذه المعطيات يفترض إعادة النظر في التوقعات بين فترة وأخرى، وهذا ما نلمسه في إصدارات المؤسسات الدولية المرموقة حول الافاق الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية، ونلاحظ أن التوقعات الاقتصادية التي أصدرتها العديد من المؤسسات الدولية والجهات الاستثمارية للعام الحالي قد تباينت بوضوح، إلا أن هناك هواجس مشتركة تتعلق بالتطورات والاضطرابات الجيوسياسية العالمية والإقليمية وخاصة تواصل الحرب الأوكرانية الروسية وما قد يترتب من اثار على المنطقة نتيجة لتواصل العدوان ?لى قطاع غزة بما في ذلك الأثر على سلاسل الامداد وامكانيات توسع الصراع ليشمل مناطق أخرى.


وهناك أيضاً ترقب نتائج الانتخابات الامريكية وما قد يتمخض عنها من سياسات وإجراءات اقتصادية قد يمتد أثرها للعديد من الدول الاخرى، يضاف لذلك مآلات أسعار الفائدة التي ارتفعت بشكل واضح خلال السنة الأخيرة ومدى نجاحها في كبح جماح التضخم، كما أن الارتفاع المضطرد في مديونية الدول النامية يثير التوجس بشأن قدرة بعضها عل الاستمرار في تحمل أعباء المديونية وأثر هذه الأعباء على الجهود التنموية.


ولا ننسى ما قد تشهده أسعار السلع الأساسية ومصادر الطاقة وما يترتب عليها من نتائج، ومن الواضح أن كل هذه العوامل تزيد من ظروف عدم التأكد مما يعقد أمكانية التوصل لتوقعات اقتصادية دقيقة للتطورات الاقتصادية خلال العام الحالي.


مجمل هذه الأوضاع والظروف تفرض على الجهات الرسمية المحلية العمل على تحديد التحديات والفرص واتخاذ قرارات وإجراءات ومواصلة الإصلاحات التي تسهل استمرار مسيرة التعافي وتوفر بيئة اقتصادية تحفز الاستثمارات وتعزز المنعة المالية والاقتصادية القادرة على التعامل مع التغيرات المتسارعة بكفاءة تضمن المضي قدماً بإجراءات تحديث القطاع العام وتنفيذ المشاريع المرتبطة برؤية التحديث الاقتصادي وتمتين الشراكة مع القطاع الخاص وايلاء التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية اهتماما مناسباً يسمح بانعكاس تطوراتها ايجاباً على أداء الاقتصاد ?لأردني وعلى مستوى معيشة المواطنين.