الكساسبة: هذه هي القصة الكاملة لصفقة شراء ديون نادي باريس
اخبار البلد_ أثناء وبعد توقيعها عام 2008 دارت تساؤلات حول صفقة شراء الأردن لجزء من ديون نادي باريس « مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة « وإن كانت قد أتيحت للعموم في حينها , تفاصيلها , توقيتها , سعر الخصم , فوائدها وسلبياتها , وأثرها على حجم الدين العام بشكل خاص وعلى الاقتصاد بشكل عام .. فها هي تعود مجددا .
في وصف هذه الصفقة ذهب مراقبون ومحللون , لكن مكمن الإثارة كان في إنضمام مسؤولين سابقين عارفين عالمين لحملة التساؤلات , وخلفهم بعض إتجاهات الرأي العام .. نقول أنهم جميعهم ذهبوا مذاهب شتى بعضها أثنى على عملية الشراء وبعضها قلل من أهميتها بدعوى أن المديونية لم تزل عند حدودها المرتفعة , أو بمعنى آخر أنها ما أن تصغر حتى تكبر بفضل الاستدانة المتكررة داخلية كانت أم خارجية .
سميت بصفقة الديون المشبوهة ووصفت بالصفقة غير المجدية و مبررات هذا الوصف هي أن المديونية العامة زادت بدلاً من أن تنقص على الرغم من شراء جانب من ديون دول نادي باريس وفي الأثناء ثمة سؤال عن التمويل ومصادره , وفي هذه ثمة إتهامات ربما حملتها أكثر مما تحتمل , وربما رأى فيها البعض فرصة للإنقضاض , في تسخين لافت تشهده ملفات عدة , في بعضها ثمة وجهة نظر لكن في أكثرها كما هائلا من المعلومات المنقوصة وإن شئت المغلوطة , ما إستدعى فتح الملف من مصادره في لازمة لها أسبابها في أهمية الوقوف على الحقيقة .
هناك من يقول بأن العملية لم يكن لها أثر على المديونية، فرصيدها اليوم هو أعلى وان سعر الخصم الذي منح للاردن كان متدنيا ، ما يعني أن الحصول على سعر افضل كان ممكنا
و لو كنا صبرنا أكثر وضغطنا أكثر كان ممكنا الحصول على نسبة خصم أعلى... ما مدى انسجام الصفقة مع القوانين والتشريعات، وهل كان في إستخدام عوائد التخاصية هدرا .
هذه التساؤلات عادت مجددا الى السطح ربما أكثر حرارة وقد أشعلت التسخين فيها عوامل عدة , في دوافع ذلك قد يكون البحث عن الحقيقة إحداها , لكنها كما غيرها وجد بعض مثيريها في الأجواء مناسبة للإنقضاض , وفي الأثناء يبقى من حق من بذل جهدا فيها أن يسمع له ومن حقهم على الباحثين عن الحقائق فيها الإطلاع .
لذلك .. طرحنا في « الرأي « هذه التساؤلات وغيرها على وزير المالية الأسبق الدكتور حمد الكساسبة ليس كخبير مالي فحسب بل من موقعه وزيرا للمالية عند تنفيذ الصفقة في عام 2008.
أخذت صفقة شراء جزء من ديون نادي الكثير من الجدل والنقاش ، وتباينت الاراء ووجهات النظر حولها سواء من الاقتصاديين المتخصصين أو غيرهم على الرغم من شرحها بالتفصيل آنذاك . ومع ذلك لا بد من توضيح تفاصيلها .
هناك من وصفها بغير المجدية وأن المديونية العامة بعدها زادت بدلاً من أن تنقص على الرغم من شراء جانب من ديون دول نادي باريس فهل لك أن تعلمنا بداية ما هي حقيقة هذه الصفقة وكيف تمت وما هي تفاصيلها والمزايا والمنافع التي حققتها الاردن منها ؟.
بداية اسمح لي أن اشكر هذه البادرة التي تهدف الى ايضاح الصورة بالكامل امام المواطنين للوقوف على الحقائق تجاه هذا الموضوع . فمن وجهة نظري تعتبر صفقة الشراء المبكر لديون دول نادي باريس واحدة من ابرز التدابير الاصلاحية التي اتخذتها المملكة لتخفيف اعباء الديون الخارجية التي ما زالت تثقل كاهل الخزينة العامة وتستنزف جانباً كبيراً من الموارد المالية المحدودة للمملكة . وبالمناسبة فإن قضية الديون الخارجية واعباءها أصبحت في اعقاب الازمة المالية والاقتصادية العالمية تعتبر من ابرز التحديات التي تواجه ليس الاردن فحسب بل ايضاً معظم الدول النامية والمتقدمة على حد سواء . وكلنا يسمع في الوقت الحاضر عن حجم ازمة الديون الاوروبية وتبعاتها السلبية على اقتصادات بلدان الاتحاد الاوروبي في هذه الايام .
فصفقة شراء جانب من ديون دول نادي باريس اسهمت في تخفيف اعباء الديون الخارجية عن كاهل الاقتصاد الوطني مثلها في ذلك مثل العديد من التدابير المماثلة التي اتخذتها المملكة على هذا الصعيد خلال السنوات التي اعقبت الازمة الاقتصادية التي المت بالمملكة في اواخر الثمانينات من القرن الماضي وذلك على الرغم من تباين نسب الخصم في صفقة شراء ديون دول نادي باريس قيد البحث وعمليات الشراء السابقة ، فعمليات الشراء السابقة كانت تتم مع الدول الدائنة في ظل ظروف مالية في غاية الصعوبة والتعقيد تختلف عن ظروف المملكة عند اتمام صفقة شراء ديون دول نادي باريس . ونسبة الخصم التي حصلت عليها المملكة في هذه الصفقة تعتبر من أعلى نسب الخصم التي تقدمها دول نادي باريس للدول المدينة المماثلة لحالة الاردن ، حيث جادت بعد مفاوضات شاقة وطويلة ، حيث بلغت هذه النسبة (11.2%) تقريباً .
وقبل اتمام عملية الشراء كان رصيد مديونية الاردن تجاه دول نادي باريس حوالي (4.5) مليار دولار موزعة بواقع (2.5) مليار دولار ديونا تصديرية غير ميسرة (NON ODA) وحوالي (2) مليار دولار ديونا ثنائية ميسرة (ODA). وقد استهدفت عملية الشراء المبكر الديون غير الميسرة والتي كانت اسعار الفائدة عليها تتراوح بين (5.1%) لديون سويسرا و(6.3%) لديون المانيا ومتوسط حوالي (5.6%). أما الديون الميسرة والتي بلغ متوسط سعر الفائدة عليها (2.1%) لم تستهدفها هذه الصفقة. وبموجب هذه الصفقة دفعنا لدول نادي باريس حوالي (2.1) مليار دولار لقاء شطب قرض بحوالي (2.4) مليار دولار . وحصلنا بالتالي على خصم ناهز (0.3) مليار دولار تقريباً بالاضافة الى التخلص من نحو (900) مليون دولار تمثل الفوائد على القروض المشطوبة التي كانت ستستحق على المملكة خلال ال (14) سنة القادمة منذ عام 2008 ، وجدير بالذكر في هذا المجال ان دول نادي باريس قد تخلت بموجب هذه الصفقة عن نسب فوائد مرتفعة على ديونها قياساً بنسب الفائدة السائدة دولياً حين اتمام تلك الصفقة .
هذا مع ضرورة الاشارة الى أن اسعار الفائدة التي كان الاردن يمكن أن يحصل عليها في حينه من حيازتة الـ (2.1) مليار دولار هي اقل بكثير من نسب فائدة ديون دول نادي باريس التصديرية غير الميسرة . هذا فضلاً عن أن استخدام هذا المبلغ للشراء المبكر للديون أفضل من بقائه واستثماره بسعر فائدة متدن و/أو احتمال استخدامه في أوجه انفاق غير ضرورية لسد عجوزات الموازنة العامة .
الرأي: هل واجهت عملية تنفيذ هذه الصفقة أية معوقات؟.
- بكل تأكيد ، لقد واجهنا صعوبات كبيرة قبل ان نحصل على موافقة دول نادي باريس للدخول والتباحث في هذا الموضوع . وتكمن الصعوبة في أن الوضع الاقتصادي والمالي في المملكة في عام 2008 يختلف تماماً عما كان علية الوضع في اعقاب الازمة الاقتصادية الحادة التي تعرضت لها المملكة في اواخر الثمانينات من القرن الماضي . فعندما طرقنا ابواب نادي باريس ابان تلك الفترة كان لدينا حجج قوية لاقناع دول نادي باريس لاعادة جدولة ديوننا نظراً لاننا كنا في وقتها في ازمة اقتصادية ومالية حادة ولم يكن بمقدورنا آنذاك الايفاء بالتزاماتنا تجاه الدول الدائنة ، وفي منتصف عام 2007 ابرم الاردن الاتفاقية الاخيرة لاعادة جدولة ديونه مع دول نادي باريس .
لذلك كانت عملية المفاوضات الاخيرة حول صفقة شراء الديون صعبة ولم تكن لتنجح لولا الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلت للحصول على موافقات من الدول الأعضاء في نادي باريس لتمكين الأردن من تنفيذ عملية شراء الدين بخصومات.
ودعني أوضح لك هذه النقطة بشكل أكثر تفصيلاً ، فقد كانت جميع عمليات الشراء المبكر للديون التي نفذتها مختلف الدول مع نادي باريس بالقيمة الاسمية أي بدون خصم (دفع رصيد الدين كاملا)، حيث نفذ نادي باريس سابقا حوالي 10 عمليات تسديد مبكر ولم تحصل هذه الدول على أي خصم باستثناء دولة واحدة هي الجابون (وحالة الجابون خاصة باعتبار ان ديونها المطفأة كانت لصالح دولة واحدة فقط هي فرنسا وليس لعشر دول كما هو في حالة الاردن)، كما تجدر الاشارة الى ان روسيا عندما قامت بشراء ديونها من دول نادي باريس قامت بدفع غرامة على ذلك بدلا من حصولها على خصم. وعندما تقدمت الحكومة الأردنية بطلب الحصول على خصم لقاء شراء ديونه التصديرية رفض نادي باريس هذا الطلب، وكان التفسير المنطقي لهذا الرفض أنه لو قامت دول نادي باريس باستثمار ما سيقوم الاردن بتسديده لها عند معدلات الفائدة السائدة، فانها لن تحصل على نفس العائد والبالغ 5.56%، كما أن كافة الدول التي قامت بتسديد ديونها مبكرا لدول نادي باريس لم تحصل على خصم من دول النادي، ولكن وبعد مفاوضات شاقة قامت بها الحكومة ممثلة بوزارة المالية وبدعم دبلوماسي كبير حصلت المملكة على خصم نسبته 11.2%،.
وكيف تم تمويل هذه العملية؟.
كما اشرت سابقا فان هذا الملف ينطوي على تقديم العون والمساعدة للاردن ولذلك استخدم الاردن فيه جهودا دبلوماسية لاتمامه، كما كان هنالك مؤازرة دبلوماسية من جانب المجتمع الدولي لمساعدة الاردن في تمويل جانب من هذه الصفقة وقد حصلنا آنذاك على تطمينات من احدى الدول الشقيقة بانها ستساعدنا في هذا الموضوع وستقدم 500 مليون دولار للمساهمة في تسديد هذه الصفقة، لكن حالت الظروف دون تقديم هذه المساعدة خلال فترة توقيع اتفاقية الشراء المبكر فحصل الاردن على هذه المساعدة بعد حوالي شهر من توقيع الاتفاقية، وللحيلولة دون تعطيل هذه الصفقة التي اشترط نادي باريس فترة محددة لتنفيذها فقد استخدم في تمويل هذه الصفقة رصيد عوائد التخاصية الذي كان يبلغ حوالي 1.5 مليار دولار والمبلغ المتبقي تم من تحصيله من بيع ارض في العقبة بحوالي 500 مليون والباقي من الايرادات المحلية.
هناك من يقول بأن هذه العملية لم يكن لها أثر على المديونية، فإذا كان مبرر صفقة الشراء المبكر للدين هو تخفيض رصيد المديونية، فرصيد المديونية اليوم هو أعلى مما كان عليه الوضع عام 2008.
ما من شك في ان رصيد الدين الخارجي انخفض عند تنفيذ هذه العملية بقيمة المبلغ المسدد ويمكنك ان تراجع النشرة الشهرية لوزارة المالية التي تبين ما يطرأ من تطورات على رصيد الدين الخارجي ، وعليه بامكانك متابعة رصيد هذا الدين في نهاية آذار 2008 (فترة التسديد) والرصيد قبل هذا التاريخ. أما فيما يتعلق بالقول ان هذه العملية أسهمت في زيادة الدين الداخلي لحظة تنفيذها، فهذا صحيح لكن سبب ذلك هو فني بحت، حيث كان رصيد عوائد التخاصية يعتبر وديعة حكومية لدى البنك المركزي، ورصيد صافي الدين الداخلي يمثل اجمالي القروض الداخلية للحكومة مطروحا منها ودائعها لدى الجهاز المصرفي. وعندما تم سحب عوائد التخاصية لتسديدها ضمن هذه الصفقة انخفضت ودائع الحكومة بمقدار 1.5 مليار دولار وأدى ذلك الى زيادة صافي الدين الداخلي بهذا المبلغ. ويمكن النظر الى أثر هذه العملية على الدين العام الكلي كما يلي: انخفاض الدين الخارجي بمبلغ 2.4 مليار دولار وزيادة صافي الدين الداخلي بمبلغ 1.5 مليار دولار، وكمحصلة نهائية انخفض الدين العام الكلي بمبلغ 900 مليون دولار .
ولكننا اليوم نعيش في وضع ترتفع فيه المديونية العامة بشكل كبير واين هي هذه الجهود التي اسهمت في تخفيض المديونية؟.
السبب واضح، كان رصيد المديونية العامة (داخلي +خارجي) في نهاية شهر آذار 2008 حوالي 7731 مليون دينار ورصيدها في نهاية عام 2011 حوالي 13067 مليون دينار اي بزيادة مقدارها 5336 مليون دينار، وهذه الزيادة سببها عجوزات الموازنة خلال الفترة 2008 و 2011 التي بلغت حوالي 4157 مليون دينار بالاضافة الى عجوزات المؤسسات المستقلة التي يتم تمويلها بالاقتراض بكفالة الحكومة ويتم تسجيل قروضها ضمن المديونية العامة.
الرأي : هل صحيح أن سعر الخصم الذي منح للاردن كان متدنيا ، وهل كان بالامكان الحصول على سعر خصم افضل؟.
- كلمة متدن تتطلب توضيحا، وتحتاج الى اساس ليتم المقارنة عليه. وسأقدم لك ثلاثة انواع من المقارنة لنعرف فيما اذا كان مقدار الخصم مناسبا ام لا: المقارنة الاولى تتعلق بالقيمة السوقية للدين، فقد قامت مؤسستان دوليتان هما Citigroup و Houlihan Lokey اللتان تم تعيينهما كمستشاريـن للأردن في عملية الشراء، بتقييم الدين على أساس السعر السوقي في الأسواق العالمية Swap Curve) مضافا إليه هامش نقاط) والذي قورن بالسندات المصدرة من قبل كافة الحكومات المشابهة للأردن في التصنيف الائتماني BB/Ba2 (باستثناء فنزويلا) وذلك لغياب إصدارات سندات للأردن في الأسواق العالمية، وقد تم تقدير الهامش ليتراوح بين 100-220 نقطة أساس، وبالتالي قدرت أفضل نسبة خصم يمكن ان يحصل عليها الاردن لقاء الشراء المبكر لديونه بين 6% الى 7%. المقارنة الثانية تتعلق بعمليات مشابهة نفذتها دول نادي باريس مع بلدان أخرى، حيث نفذ نادي باريس عمليتي شراء مبكر للبيرو وعملية واحدة لكل من بولندا والبرازيل والجزائر وجميعها كانت بالقيمة الاسمية اي بدون منحها اي خصم، أما روسيا فنفذت عمليتين احداها بالقيمة الاسمية والاخرى سددتها بالقيمة الاسمية مضافا اليها علاوة Premium (اي اشترت ديونها بأعلى من قيمتها الاسمية)، والاستثناء كان لدولة الغابون التي منحت خصما نسبته (اعتقد 15%) لكن كان ذلك بسبب وضعها الاقتصادي ولكون دينها لصالح دولة واحدة فقط من دول نادي باريس هي فرنسا، اما دين الاردن فكان ل 10 دول من دول النادي. أما النوع الثالث من المقارنة الذي احب ان اتحدث عنه فهو مقارنة نسبة الخصم الذي منح للاردن وفقا لهذه العملية مع نسب الخصم التي على قروض سابقة سددها الاردن لنادي باريس، حيث قام الاردن بعقد عدة اتفاقيات لإعادة جدولة ديونه الرسمية مع الدول الأعضاء فــــي النــــادي وقام بعقد اتفاقيات مبادلة الدين باستثمارت أو مبادلة ديون بالانفاق على مشاريع تنموية ضمن الموازنة العامة وكانت هذه العمليات تتم بخصومات مجزية تصل الى أكثر من 50%، لكن ينبغي الاشارة الى ان جميع هذه العمليات كانت تتم على قروض الاردن هي تخص تلك التي كانت قائمة إبان الازمة الاقتصادية التي تعرض لها الاردن نهاية عقد الثمانينات، والظروف التي دفعت بعض الدول منح نسبة خصم كبيرة للاردن لقاء الشراء المبكر لديونه سابقا تختلف عن الظروف الحالية للاردن ولهذه الدول، حيث أنه تم شراء الديون السابقة خلال فترة أعلنت المملكة فيها عجزها عن السداد وتوقفت فعلياً عن سداد الديون بمعنى أن هذه الديون كانت في حكم المعدومة بالنسبة لدول نادي باريس، ومن جانب آخر فان الاردن اشترى دينه تجاه روسيا بنسبة خصم عالية وذلك بسبب الظروف المالية الصعبة لروسيا آنذاك وحاجتها الماسة للسيولة. وبمعنى آخر فان مقدار الخصم على تسديد الديون يعتمد على ظروف وملاءة الدول الدائنة والدول المدينة والقيمة السوقية للدين.
هل لو صبرنا أكثر كما يقال وضغطنا أكثر على دول نادي باريس سنحصل نسبة خصم أعلى؟.
لا زال تصنيف المملكة يندرج ضمن الدول متوسطة الدخل بين دول العالم، ولم ينخفض تصنيفنا الائتماني والحمد لله، ولو تقدم الاردن اليوم الى دول نادي باريس لشراء ما تبقى من ديونه فلن يحصل على ما حصل عليه سابقا من نسبة خصم بدون دعم سياسي، ولا ننسى موضوع المنحة التي قدمت للاردن خلال تلك الفترة لغايات اتمام هذه العملية. ومن جانب آخر فان اسعار الفائدة على الاقتراض الدولي خلال هذه الفترة منخفضة ويستطيع الاردن ان يقترض من الاسواق الدولية بأسعار فائدة تقل عن سعر فائدة الديون التي سددها، حيث اقترض الاردن في عامي 2009 و 2010 من الصناديق العربية بسعر فائدة 2% واقترض في عام 2011 من البنك الدولي 250 مليون دولار بسعر فائدة 1.28 وغيرها العديد من القروض.
هل كانت الفترة التي تم تسديد الدين فيها مناسبة ، فقد سدد الاردن ديونه المقيمة باليورو خلال فترة كان سعر صرف اليورو مقابل الدولار مرتفعا، ولو صبرنا وسددناها اليوم لحققنا نتائج أفضل بسبب سعر الصرف ؟.
نعم صحيح ان سعر صرف اليورو شهد تذبذبا حادا بعد تنفيذ صفقة الدين، لكن التراجع حدث فعلا بعد عام 2009 وذلك نتيجة للتغيرات التي شهدتها اسواق الصرف بعد الازمة المالية العالمية التي لم يكن احد يستطيع التنبؤ بها، وقد عاد هذا السعر الى نفس مستواه الذي كان سائدا في عام 2008 وذلك خلال الفترة نيسان-آب 2011 ثم تراجع بعد ذلك بسبب ازمة الديون الاوروبية ليصل الى 1.32 بالمتوسط في نهاية عام 2011، وعلى الرغم من انه لا احد يمكنه ان يجزم بعدم معاودة هذا السعر الى الارتفاع وتجاوز مستواه الذي كان سائدا خلال فترة تنفيذ صفقة الدين، الا اننا لو قمنا باحتساب أثر تراجع هذا السعر فاننا نجد ان نسبة التراجع في سعر الصرف بلغت 9% خلال الفترة آذار 2008 الى كانون اول 2011، وفي ضوء ان قيمة الديون التي تم تسديدها باليورو بلغت ما يعادل حوالي 1054 دولار وشكلت ما نسبته 40% من القيمة الاسمية للديون المسددة، فانه لو تم تسديد هذه العملية في نهاية عام 2011 لوفرنا 3.6 نقاط مئوية كمكاسب اضافية (9%x40%)، او من الممكن ان نقولها بعبارة اخرى ان تراجع سعر صرف اليورو اسهم في التقليل من مكاسب صفقة الشراء المبكر من 11.2% الى 7.6%، وبغض النظر عن مبررات هذا الطرح ومنطقيته فان هذه العملية وبرغم تراجع سعر صرف اليورو ما تزال ايجابية اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان هذا التراجع في سعر اليورو رافقه تراجع في اسعار الفائدة على الاقتراض الدولي وبنسبة تزيد عن 60%، ومن الممكن قيام الاردن اليوم بالاقتراض باليورو بأسعار فائدة تقل عن مستوى اسعار فائدة الديون التي سددها من خلال هذه الصفقة.
ما مدى انسجام هذه الصفقة مع القوانين والتشريعات، وهل صحيح اننا اهدرنا عوائد التخاصية وكان من الممكن استخدامها في مجالات تخدم الاقتصاد بشكل اكبر؟.
لم تجبر اي دولة من دول نادي باريس الاردن على تنفيذ هذه العملية، وعلى العكس من ذلك فان عدم تنفيذ الاردن لهذه العملية هو في مصلحة دول نادي باريس، لأن هذه الديون كانت بسعر فائدة مرتفع نوعا ما والمدين (الاردن) مليء ماليا وكان يسدد أقساط وفوائد هذا الدين في مواعيدها ودون اي تأخير، ولو افترضنا ان هذه الدول قامت باعادة استثمار المبلغ الذي سدده الاردن فلن تحصل على الفائدة التي كانت تجنيها من الاردن. أما فيما يتعلق بسؤالك عن انسجام هذه العملية مع التشريعات والقوانين الاردنية فهي منسجمة تماما مع قانون التخاصية الذي نصت المادة 13/د منه على: تستخدم هذه العوائد بقرار من مجلس الوزراء في الاغراض التالية (ومنها): شراء الديون المترتبة على الحكومة للاستفادة مما يتأتى لها من خصم على هذه الديون أو لتسديدها عن طريق المبادلة أو أي طريقة اخرى يقرها المجلس ويوافق عليها مجلس الوزراء، بالاضافة الى ذلك فقد تم رصد عملية الشراء المبكر في الحساب الختامي لعام 2008 والذي راجعه ديوان المحاسبة وأقره مجلس الامة حسب الاصول.
بالرغم من ذلك هناك من ينتقد الصفقة ومن وجهة نظره كان بالإمكان بذل جهد أكبر للحصول على ما هو أفضل؟.
انا شرحت هذه العملية من الناحية المالية والاقتصادية ومعني بالدفاع عنها لانها من صميم عمل مؤسسة وطنية كنت أرأسها، وأقول ان وزارة المالية خلال تلك الفترة بذلت جهودا كبيرة لاتمام هذه الصفقة تستحق عليها الشكر والثناء، وقد كانت هذه العملية احد ابرز ثلاثة مواضيع تم التعامل فيها مع المديونية العامة خلال سنة 2008، حيث تلا تنفيذ عملية شراء ديون نادي باريس وضع ضوابط صارمة تحول دون لجوء الخزينة الى الاقتراض من البنك المركزي، وذلك من خلال تصفير رصيد الخزينة المكشوف آنذاك وتسنيد حوالي 800 مليون دينار من ديون البنك المركزي تجاه الخزينة العامة وهو رصيد كان بمثابة نقطة ضعف في ميزانية البنك المركزي منذ سنوات طويلة، كما تم تعديل قانون الدين العام لوضع سقوف جديدة للمديونية العامة بشقيها الداخلي والخارجي.
أما من ناحية عملية تمويل صفقة الشراء المبكر لديون نادي باريس فاستخدامنا لعوائد التخاصية كان ينسجم تماما مع قانون التخاصية، ودعني اقول بأنه من مصلحة الاردن ومن مصلحة الاجيال القادمة استخدام هذه العوائد في اطفاء جانب من مديونيتنا الخارجية خير من صرفها في تمويل النفقات الجارية في الموازنة العامة.
اطلق بعض المحللين والكتاب على صفقة مبادلة الدين بصفقة الديون المشبوهة .. بماذا تصفها ؟.
اقول سامحهم الله . علماً أن من بينهم من امتدح هذه الصفقة عام 2008 ولكنه غير رأيه واكال لها الاتهامات بعد ذلك ولا ادري ما السبب في ذلك .
ولكن ما اود التاكيد عليه في هذا المجال هو ان صفقة الشراء المبكر لديون دول نادي باريس هي صفقة ناجحة بكل المقاييس المالية والاقتصادية مستغرباً في هذا المجال ما يثار حول هذه الصفقة الناجمة من شبهات فساد. فهل يمكن لأي عاقل ان يتصور وجود شبهات فساد في مثل هكذا صفقات تتم بين دول ومؤسسات دولية محترمة وعريقة وعلى كل حال فإن من يرى ان هذه العملية غير ناجحة فأقول له ان الاردن بامكانه اليوم الاقتراض خارجيا بحجم تلك الصفقة او يزيد وباسعار فائدة أقل، كما اقول له ان نادي باريس ما يزال دائنا للاردن بأكثر من 2 مليار دولار فهل يستطيع ان يقنع نادي باريس بشراء هذا الرصيد بنسبة خصم 11.2% بدون استخدام الجهود الدبلوماسية وحشد دعم دولي مؤثر لذلك.
أدعو الجميع الى توخي الدقة والموضوعية والالتزام بمبادئ السلوك الاخلاقي، وقبل الشروع في كيل الاتهامات يسرة ويمنة وتوجيه الانتقادات بشكل جزافي للاعمال وللمنجزات عليهم تحري الحقائق وهي الفيصل في كل ما جرى حول هذه الصفقة .
في وصف هذه الصفقة ذهب مراقبون ومحللون , لكن مكمن الإثارة كان في إنضمام مسؤولين سابقين عارفين عالمين لحملة التساؤلات , وخلفهم بعض إتجاهات الرأي العام .. نقول أنهم جميعهم ذهبوا مذاهب شتى بعضها أثنى على عملية الشراء وبعضها قلل من أهميتها بدعوى أن المديونية لم تزل عند حدودها المرتفعة , أو بمعنى آخر أنها ما أن تصغر حتى تكبر بفضل الاستدانة المتكررة داخلية كانت أم خارجية .
سميت بصفقة الديون المشبوهة ووصفت بالصفقة غير المجدية و مبررات هذا الوصف هي أن المديونية العامة زادت بدلاً من أن تنقص على الرغم من شراء جانب من ديون دول نادي باريس وفي الأثناء ثمة سؤال عن التمويل ومصادره , وفي هذه ثمة إتهامات ربما حملتها أكثر مما تحتمل , وربما رأى فيها البعض فرصة للإنقضاض , في تسخين لافت تشهده ملفات عدة , في بعضها ثمة وجهة نظر لكن في أكثرها كما هائلا من المعلومات المنقوصة وإن شئت المغلوطة , ما إستدعى فتح الملف من مصادره في لازمة لها أسبابها في أهمية الوقوف على الحقيقة .
هناك من يقول بأن العملية لم يكن لها أثر على المديونية، فرصيدها اليوم هو أعلى وان سعر الخصم الذي منح للاردن كان متدنيا ، ما يعني أن الحصول على سعر افضل كان ممكنا
و لو كنا صبرنا أكثر وضغطنا أكثر كان ممكنا الحصول على نسبة خصم أعلى... ما مدى انسجام الصفقة مع القوانين والتشريعات، وهل كان في إستخدام عوائد التخاصية هدرا .
هذه التساؤلات عادت مجددا الى السطح ربما أكثر حرارة وقد أشعلت التسخين فيها عوامل عدة , في دوافع ذلك قد يكون البحث عن الحقيقة إحداها , لكنها كما غيرها وجد بعض مثيريها في الأجواء مناسبة للإنقضاض , وفي الأثناء يبقى من حق من بذل جهدا فيها أن يسمع له ومن حقهم على الباحثين عن الحقائق فيها الإطلاع .
لذلك .. طرحنا في « الرأي « هذه التساؤلات وغيرها على وزير المالية الأسبق الدكتور حمد الكساسبة ليس كخبير مالي فحسب بل من موقعه وزيرا للمالية عند تنفيذ الصفقة في عام 2008.
أخذت صفقة شراء جزء من ديون نادي الكثير من الجدل والنقاش ، وتباينت الاراء ووجهات النظر حولها سواء من الاقتصاديين المتخصصين أو غيرهم على الرغم من شرحها بالتفصيل آنذاك . ومع ذلك لا بد من توضيح تفاصيلها .
هناك من وصفها بغير المجدية وأن المديونية العامة بعدها زادت بدلاً من أن تنقص على الرغم من شراء جانب من ديون دول نادي باريس فهل لك أن تعلمنا بداية ما هي حقيقة هذه الصفقة وكيف تمت وما هي تفاصيلها والمزايا والمنافع التي حققتها الاردن منها ؟.
بداية اسمح لي أن اشكر هذه البادرة التي تهدف الى ايضاح الصورة بالكامل امام المواطنين للوقوف على الحقائق تجاه هذا الموضوع . فمن وجهة نظري تعتبر صفقة الشراء المبكر لديون دول نادي باريس واحدة من ابرز التدابير الاصلاحية التي اتخذتها المملكة لتخفيف اعباء الديون الخارجية التي ما زالت تثقل كاهل الخزينة العامة وتستنزف جانباً كبيراً من الموارد المالية المحدودة للمملكة . وبالمناسبة فإن قضية الديون الخارجية واعباءها أصبحت في اعقاب الازمة المالية والاقتصادية العالمية تعتبر من ابرز التحديات التي تواجه ليس الاردن فحسب بل ايضاً معظم الدول النامية والمتقدمة على حد سواء . وكلنا يسمع في الوقت الحاضر عن حجم ازمة الديون الاوروبية وتبعاتها السلبية على اقتصادات بلدان الاتحاد الاوروبي في هذه الايام .
فصفقة شراء جانب من ديون دول نادي باريس اسهمت في تخفيف اعباء الديون الخارجية عن كاهل الاقتصاد الوطني مثلها في ذلك مثل العديد من التدابير المماثلة التي اتخذتها المملكة على هذا الصعيد خلال السنوات التي اعقبت الازمة الاقتصادية التي المت بالمملكة في اواخر الثمانينات من القرن الماضي وذلك على الرغم من تباين نسب الخصم في صفقة شراء ديون دول نادي باريس قيد البحث وعمليات الشراء السابقة ، فعمليات الشراء السابقة كانت تتم مع الدول الدائنة في ظل ظروف مالية في غاية الصعوبة والتعقيد تختلف عن ظروف المملكة عند اتمام صفقة شراء ديون دول نادي باريس . ونسبة الخصم التي حصلت عليها المملكة في هذه الصفقة تعتبر من أعلى نسب الخصم التي تقدمها دول نادي باريس للدول المدينة المماثلة لحالة الاردن ، حيث جادت بعد مفاوضات شاقة وطويلة ، حيث بلغت هذه النسبة (11.2%) تقريباً .
وقبل اتمام عملية الشراء كان رصيد مديونية الاردن تجاه دول نادي باريس حوالي (4.5) مليار دولار موزعة بواقع (2.5) مليار دولار ديونا تصديرية غير ميسرة (NON ODA) وحوالي (2) مليار دولار ديونا ثنائية ميسرة (ODA). وقد استهدفت عملية الشراء المبكر الديون غير الميسرة والتي كانت اسعار الفائدة عليها تتراوح بين (5.1%) لديون سويسرا و(6.3%) لديون المانيا ومتوسط حوالي (5.6%). أما الديون الميسرة والتي بلغ متوسط سعر الفائدة عليها (2.1%) لم تستهدفها هذه الصفقة. وبموجب هذه الصفقة دفعنا لدول نادي باريس حوالي (2.1) مليار دولار لقاء شطب قرض بحوالي (2.4) مليار دولار . وحصلنا بالتالي على خصم ناهز (0.3) مليار دولار تقريباً بالاضافة الى التخلص من نحو (900) مليون دولار تمثل الفوائد على القروض المشطوبة التي كانت ستستحق على المملكة خلال ال (14) سنة القادمة منذ عام 2008 ، وجدير بالذكر في هذا المجال ان دول نادي باريس قد تخلت بموجب هذه الصفقة عن نسب فوائد مرتفعة على ديونها قياساً بنسب الفائدة السائدة دولياً حين اتمام تلك الصفقة .
هذا مع ضرورة الاشارة الى أن اسعار الفائدة التي كان الاردن يمكن أن يحصل عليها في حينه من حيازتة الـ (2.1) مليار دولار هي اقل بكثير من نسب فائدة ديون دول نادي باريس التصديرية غير الميسرة . هذا فضلاً عن أن استخدام هذا المبلغ للشراء المبكر للديون أفضل من بقائه واستثماره بسعر فائدة متدن و/أو احتمال استخدامه في أوجه انفاق غير ضرورية لسد عجوزات الموازنة العامة .
الرأي: هل واجهت عملية تنفيذ هذه الصفقة أية معوقات؟.
- بكل تأكيد ، لقد واجهنا صعوبات كبيرة قبل ان نحصل على موافقة دول نادي باريس للدخول والتباحث في هذا الموضوع . وتكمن الصعوبة في أن الوضع الاقتصادي والمالي في المملكة في عام 2008 يختلف تماماً عما كان علية الوضع في اعقاب الازمة الاقتصادية الحادة التي تعرضت لها المملكة في اواخر الثمانينات من القرن الماضي . فعندما طرقنا ابواب نادي باريس ابان تلك الفترة كان لدينا حجج قوية لاقناع دول نادي باريس لاعادة جدولة ديوننا نظراً لاننا كنا في وقتها في ازمة اقتصادية ومالية حادة ولم يكن بمقدورنا آنذاك الايفاء بالتزاماتنا تجاه الدول الدائنة ، وفي منتصف عام 2007 ابرم الاردن الاتفاقية الاخيرة لاعادة جدولة ديونه مع دول نادي باريس .
لذلك كانت عملية المفاوضات الاخيرة حول صفقة شراء الديون صعبة ولم تكن لتنجح لولا الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلت للحصول على موافقات من الدول الأعضاء في نادي باريس لتمكين الأردن من تنفيذ عملية شراء الدين بخصومات.
ودعني أوضح لك هذه النقطة بشكل أكثر تفصيلاً ، فقد كانت جميع عمليات الشراء المبكر للديون التي نفذتها مختلف الدول مع نادي باريس بالقيمة الاسمية أي بدون خصم (دفع رصيد الدين كاملا)، حيث نفذ نادي باريس سابقا حوالي 10 عمليات تسديد مبكر ولم تحصل هذه الدول على أي خصم باستثناء دولة واحدة هي الجابون (وحالة الجابون خاصة باعتبار ان ديونها المطفأة كانت لصالح دولة واحدة فقط هي فرنسا وليس لعشر دول كما هو في حالة الاردن)، كما تجدر الاشارة الى ان روسيا عندما قامت بشراء ديونها من دول نادي باريس قامت بدفع غرامة على ذلك بدلا من حصولها على خصم. وعندما تقدمت الحكومة الأردنية بطلب الحصول على خصم لقاء شراء ديونه التصديرية رفض نادي باريس هذا الطلب، وكان التفسير المنطقي لهذا الرفض أنه لو قامت دول نادي باريس باستثمار ما سيقوم الاردن بتسديده لها عند معدلات الفائدة السائدة، فانها لن تحصل على نفس العائد والبالغ 5.56%، كما أن كافة الدول التي قامت بتسديد ديونها مبكرا لدول نادي باريس لم تحصل على خصم من دول النادي، ولكن وبعد مفاوضات شاقة قامت بها الحكومة ممثلة بوزارة المالية وبدعم دبلوماسي كبير حصلت المملكة على خصم نسبته 11.2%،.
وكيف تم تمويل هذه العملية؟.
كما اشرت سابقا فان هذا الملف ينطوي على تقديم العون والمساعدة للاردن ولذلك استخدم الاردن فيه جهودا دبلوماسية لاتمامه، كما كان هنالك مؤازرة دبلوماسية من جانب المجتمع الدولي لمساعدة الاردن في تمويل جانب من هذه الصفقة وقد حصلنا آنذاك على تطمينات من احدى الدول الشقيقة بانها ستساعدنا في هذا الموضوع وستقدم 500 مليون دولار للمساهمة في تسديد هذه الصفقة، لكن حالت الظروف دون تقديم هذه المساعدة خلال فترة توقيع اتفاقية الشراء المبكر فحصل الاردن على هذه المساعدة بعد حوالي شهر من توقيع الاتفاقية، وللحيلولة دون تعطيل هذه الصفقة التي اشترط نادي باريس فترة محددة لتنفيذها فقد استخدم في تمويل هذه الصفقة رصيد عوائد التخاصية الذي كان يبلغ حوالي 1.5 مليار دولار والمبلغ المتبقي تم من تحصيله من بيع ارض في العقبة بحوالي 500 مليون والباقي من الايرادات المحلية.
هناك من يقول بأن هذه العملية لم يكن لها أثر على المديونية، فإذا كان مبرر صفقة الشراء المبكر للدين هو تخفيض رصيد المديونية، فرصيد المديونية اليوم هو أعلى مما كان عليه الوضع عام 2008.
ما من شك في ان رصيد الدين الخارجي انخفض عند تنفيذ هذه العملية بقيمة المبلغ المسدد ويمكنك ان تراجع النشرة الشهرية لوزارة المالية التي تبين ما يطرأ من تطورات على رصيد الدين الخارجي ، وعليه بامكانك متابعة رصيد هذا الدين في نهاية آذار 2008 (فترة التسديد) والرصيد قبل هذا التاريخ. أما فيما يتعلق بالقول ان هذه العملية أسهمت في زيادة الدين الداخلي لحظة تنفيذها، فهذا صحيح لكن سبب ذلك هو فني بحت، حيث كان رصيد عوائد التخاصية يعتبر وديعة حكومية لدى البنك المركزي، ورصيد صافي الدين الداخلي يمثل اجمالي القروض الداخلية للحكومة مطروحا منها ودائعها لدى الجهاز المصرفي. وعندما تم سحب عوائد التخاصية لتسديدها ضمن هذه الصفقة انخفضت ودائع الحكومة بمقدار 1.5 مليار دولار وأدى ذلك الى زيادة صافي الدين الداخلي بهذا المبلغ. ويمكن النظر الى أثر هذه العملية على الدين العام الكلي كما يلي: انخفاض الدين الخارجي بمبلغ 2.4 مليار دولار وزيادة صافي الدين الداخلي بمبلغ 1.5 مليار دولار، وكمحصلة نهائية انخفض الدين العام الكلي بمبلغ 900 مليون دولار .
ولكننا اليوم نعيش في وضع ترتفع فيه المديونية العامة بشكل كبير واين هي هذه الجهود التي اسهمت في تخفيض المديونية؟.
السبب واضح، كان رصيد المديونية العامة (داخلي +خارجي) في نهاية شهر آذار 2008 حوالي 7731 مليون دينار ورصيدها في نهاية عام 2011 حوالي 13067 مليون دينار اي بزيادة مقدارها 5336 مليون دينار، وهذه الزيادة سببها عجوزات الموازنة خلال الفترة 2008 و 2011 التي بلغت حوالي 4157 مليون دينار بالاضافة الى عجوزات المؤسسات المستقلة التي يتم تمويلها بالاقتراض بكفالة الحكومة ويتم تسجيل قروضها ضمن المديونية العامة.
الرأي : هل صحيح أن سعر الخصم الذي منح للاردن كان متدنيا ، وهل كان بالامكان الحصول على سعر خصم افضل؟.
- كلمة متدن تتطلب توضيحا، وتحتاج الى اساس ليتم المقارنة عليه. وسأقدم لك ثلاثة انواع من المقارنة لنعرف فيما اذا كان مقدار الخصم مناسبا ام لا: المقارنة الاولى تتعلق بالقيمة السوقية للدين، فقد قامت مؤسستان دوليتان هما Citigroup و Houlihan Lokey اللتان تم تعيينهما كمستشاريـن للأردن في عملية الشراء، بتقييم الدين على أساس السعر السوقي في الأسواق العالمية Swap Curve) مضافا إليه هامش نقاط) والذي قورن بالسندات المصدرة من قبل كافة الحكومات المشابهة للأردن في التصنيف الائتماني BB/Ba2 (باستثناء فنزويلا) وذلك لغياب إصدارات سندات للأردن في الأسواق العالمية، وقد تم تقدير الهامش ليتراوح بين 100-220 نقطة أساس، وبالتالي قدرت أفضل نسبة خصم يمكن ان يحصل عليها الاردن لقاء الشراء المبكر لديونه بين 6% الى 7%. المقارنة الثانية تتعلق بعمليات مشابهة نفذتها دول نادي باريس مع بلدان أخرى، حيث نفذ نادي باريس عمليتي شراء مبكر للبيرو وعملية واحدة لكل من بولندا والبرازيل والجزائر وجميعها كانت بالقيمة الاسمية اي بدون منحها اي خصم، أما روسيا فنفذت عمليتين احداها بالقيمة الاسمية والاخرى سددتها بالقيمة الاسمية مضافا اليها علاوة Premium (اي اشترت ديونها بأعلى من قيمتها الاسمية)، والاستثناء كان لدولة الغابون التي منحت خصما نسبته (اعتقد 15%) لكن كان ذلك بسبب وضعها الاقتصادي ولكون دينها لصالح دولة واحدة فقط من دول نادي باريس هي فرنسا، اما دين الاردن فكان ل 10 دول من دول النادي. أما النوع الثالث من المقارنة الذي احب ان اتحدث عنه فهو مقارنة نسبة الخصم الذي منح للاردن وفقا لهذه العملية مع نسب الخصم التي على قروض سابقة سددها الاردن لنادي باريس، حيث قام الاردن بعقد عدة اتفاقيات لإعادة جدولة ديونه الرسمية مع الدول الأعضاء فــــي النــــادي وقام بعقد اتفاقيات مبادلة الدين باستثمارت أو مبادلة ديون بالانفاق على مشاريع تنموية ضمن الموازنة العامة وكانت هذه العمليات تتم بخصومات مجزية تصل الى أكثر من 50%، لكن ينبغي الاشارة الى ان جميع هذه العمليات كانت تتم على قروض الاردن هي تخص تلك التي كانت قائمة إبان الازمة الاقتصادية التي تعرض لها الاردن نهاية عقد الثمانينات، والظروف التي دفعت بعض الدول منح نسبة خصم كبيرة للاردن لقاء الشراء المبكر لديونه سابقا تختلف عن الظروف الحالية للاردن ولهذه الدول، حيث أنه تم شراء الديون السابقة خلال فترة أعلنت المملكة فيها عجزها عن السداد وتوقفت فعلياً عن سداد الديون بمعنى أن هذه الديون كانت في حكم المعدومة بالنسبة لدول نادي باريس، ومن جانب آخر فان الاردن اشترى دينه تجاه روسيا بنسبة خصم عالية وذلك بسبب الظروف المالية الصعبة لروسيا آنذاك وحاجتها الماسة للسيولة. وبمعنى آخر فان مقدار الخصم على تسديد الديون يعتمد على ظروف وملاءة الدول الدائنة والدول المدينة والقيمة السوقية للدين.
هل لو صبرنا أكثر كما يقال وضغطنا أكثر على دول نادي باريس سنحصل نسبة خصم أعلى؟.
لا زال تصنيف المملكة يندرج ضمن الدول متوسطة الدخل بين دول العالم، ولم ينخفض تصنيفنا الائتماني والحمد لله، ولو تقدم الاردن اليوم الى دول نادي باريس لشراء ما تبقى من ديونه فلن يحصل على ما حصل عليه سابقا من نسبة خصم بدون دعم سياسي، ولا ننسى موضوع المنحة التي قدمت للاردن خلال تلك الفترة لغايات اتمام هذه العملية. ومن جانب آخر فان اسعار الفائدة على الاقتراض الدولي خلال هذه الفترة منخفضة ويستطيع الاردن ان يقترض من الاسواق الدولية بأسعار فائدة تقل عن سعر فائدة الديون التي سددها، حيث اقترض الاردن في عامي 2009 و 2010 من الصناديق العربية بسعر فائدة 2% واقترض في عام 2011 من البنك الدولي 250 مليون دولار بسعر فائدة 1.28 وغيرها العديد من القروض.
هل كانت الفترة التي تم تسديد الدين فيها مناسبة ، فقد سدد الاردن ديونه المقيمة باليورو خلال فترة كان سعر صرف اليورو مقابل الدولار مرتفعا، ولو صبرنا وسددناها اليوم لحققنا نتائج أفضل بسبب سعر الصرف ؟.
نعم صحيح ان سعر صرف اليورو شهد تذبذبا حادا بعد تنفيذ صفقة الدين، لكن التراجع حدث فعلا بعد عام 2009 وذلك نتيجة للتغيرات التي شهدتها اسواق الصرف بعد الازمة المالية العالمية التي لم يكن احد يستطيع التنبؤ بها، وقد عاد هذا السعر الى نفس مستواه الذي كان سائدا في عام 2008 وذلك خلال الفترة نيسان-آب 2011 ثم تراجع بعد ذلك بسبب ازمة الديون الاوروبية ليصل الى 1.32 بالمتوسط في نهاية عام 2011، وعلى الرغم من انه لا احد يمكنه ان يجزم بعدم معاودة هذا السعر الى الارتفاع وتجاوز مستواه الذي كان سائدا خلال فترة تنفيذ صفقة الدين، الا اننا لو قمنا باحتساب أثر تراجع هذا السعر فاننا نجد ان نسبة التراجع في سعر الصرف بلغت 9% خلال الفترة آذار 2008 الى كانون اول 2011، وفي ضوء ان قيمة الديون التي تم تسديدها باليورو بلغت ما يعادل حوالي 1054 دولار وشكلت ما نسبته 40% من القيمة الاسمية للديون المسددة، فانه لو تم تسديد هذه العملية في نهاية عام 2011 لوفرنا 3.6 نقاط مئوية كمكاسب اضافية (9%x40%)، او من الممكن ان نقولها بعبارة اخرى ان تراجع سعر صرف اليورو اسهم في التقليل من مكاسب صفقة الشراء المبكر من 11.2% الى 7.6%، وبغض النظر عن مبررات هذا الطرح ومنطقيته فان هذه العملية وبرغم تراجع سعر صرف اليورو ما تزال ايجابية اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان هذا التراجع في سعر اليورو رافقه تراجع في اسعار الفائدة على الاقتراض الدولي وبنسبة تزيد عن 60%، ومن الممكن قيام الاردن اليوم بالاقتراض باليورو بأسعار فائدة تقل عن مستوى اسعار فائدة الديون التي سددها من خلال هذه الصفقة.
ما مدى انسجام هذه الصفقة مع القوانين والتشريعات، وهل صحيح اننا اهدرنا عوائد التخاصية وكان من الممكن استخدامها في مجالات تخدم الاقتصاد بشكل اكبر؟.
لم تجبر اي دولة من دول نادي باريس الاردن على تنفيذ هذه العملية، وعلى العكس من ذلك فان عدم تنفيذ الاردن لهذه العملية هو في مصلحة دول نادي باريس، لأن هذه الديون كانت بسعر فائدة مرتفع نوعا ما والمدين (الاردن) مليء ماليا وكان يسدد أقساط وفوائد هذا الدين في مواعيدها ودون اي تأخير، ولو افترضنا ان هذه الدول قامت باعادة استثمار المبلغ الذي سدده الاردن فلن تحصل على الفائدة التي كانت تجنيها من الاردن. أما فيما يتعلق بسؤالك عن انسجام هذه العملية مع التشريعات والقوانين الاردنية فهي منسجمة تماما مع قانون التخاصية الذي نصت المادة 13/د منه على: تستخدم هذه العوائد بقرار من مجلس الوزراء في الاغراض التالية (ومنها): شراء الديون المترتبة على الحكومة للاستفادة مما يتأتى لها من خصم على هذه الديون أو لتسديدها عن طريق المبادلة أو أي طريقة اخرى يقرها المجلس ويوافق عليها مجلس الوزراء، بالاضافة الى ذلك فقد تم رصد عملية الشراء المبكر في الحساب الختامي لعام 2008 والذي راجعه ديوان المحاسبة وأقره مجلس الامة حسب الاصول.
بالرغم من ذلك هناك من ينتقد الصفقة ومن وجهة نظره كان بالإمكان بذل جهد أكبر للحصول على ما هو أفضل؟.
انا شرحت هذه العملية من الناحية المالية والاقتصادية ومعني بالدفاع عنها لانها من صميم عمل مؤسسة وطنية كنت أرأسها، وأقول ان وزارة المالية خلال تلك الفترة بذلت جهودا كبيرة لاتمام هذه الصفقة تستحق عليها الشكر والثناء، وقد كانت هذه العملية احد ابرز ثلاثة مواضيع تم التعامل فيها مع المديونية العامة خلال سنة 2008، حيث تلا تنفيذ عملية شراء ديون نادي باريس وضع ضوابط صارمة تحول دون لجوء الخزينة الى الاقتراض من البنك المركزي، وذلك من خلال تصفير رصيد الخزينة المكشوف آنذاك وتسنيد حوالي 800 مليون دينار من ديون البنك المركزي تجاه الخزينة العامة وهو رصيد كان بمثابة نقطة ضعف في ميزانية البنك المركزي منذ سنوات طويلة، كما تم تعديل قانون الدين العام لوضع سقوف جديدة للمديونية العامة بشقيها الداخلي والخارجي.
أما من ناحية عملية تمويل صفقة الشراء المبكر لديون نادي باريس فاستخدامنا لعوائد التخاصية كان ينسجم تماما مع قانون التخاصية، ودعني اقول بأنه من مصلحة الاردن ومن مصلحة الاجيال القادمة استخدام هذه العوائد في اطفاء جانب من مديونيتنا الخارجية خير من صرفها في تمويل النفقات الجارية في الموازنة العامة.
اطلق بعض المحللين والكتاب على صفقة مبادلة الدين بصفقة الديون المشبوهة .. بماذا تصفها ؟.
اقول سامحهم الله . علماً أن من بينهم من امتدح هذه الصفقة عام 2008 ولكنه غير رأيه واكال لها الاتهامات بعد ذلك ولا ادري ما السبب في ذلك .
ولكن ما اود التاكيد عليه في هذا المجال هو ان صفقة الشراء المبكر لديون دول نادي باريس هي صفقة ناجحة بكل المقاييس المالية والاقتصادية مستغرباً في هذا المجال ما يثار حول هذه الصفقة الناجمة من شبهات فساد. فهل يمكن لأي عاقل ان يتصور وجود شبهات فساد في مثل هكذا صفقات تتم بين دول ومؤسسات دولية محترمة وعريقة وعلى كل حال فإن من يرى ان هذه العملية غير ناجحة فأقول له ان الاردن بامكانه اليوم الاقتراض خارجيا بحجم تلك الصفقة او يزيد وباسعار فائدة أقل، كما اقول له ان نادي باريس ما يزال دائنا للاردن بأكثر من 2 مليار دولار فهل يستطيع ان يقنع نادي باريس بشراء هذا الرصيد بنسبة خصم 11.2% بدون استخدام الجهود الدبلوماسية وحشد دعم دولي مؤثر لذلك.
أدعو الجميع الى توخي الدقة والموضوعية والالتزام بمبادئ السلوك الاخلاقي، وقبل الشروع في كيل الاتهامات يسرة ويمنة وتوجيه الانتقادات بشكل جزافي للاعمال وللمنجزات عليهم تحري الحقائق وهي الفيصل في كل ما جرى حول هذه الصفقة .