"الأردن 2023": "وداعا للسلاح".. دعوة ملكية للعالم وانحياز أردني لفلسطين
"وداعًا للسِّلاح وأهلاً بالسَّلام والعدل بين النَّاس".. هي رسالة جلالة الملك عبدالله الثَّاني المتكررة ليس فقط في 2023 الذي انتهى أمس، بل مستمرة منذ أكثر من قرن على حكم العائلة الهاشمية، لو استجابت قوى الشر لها لتوقف شلال الدَّم على امتداد الجغرافيا الفلسطينية.
فعلى غير العادة في كل عام الذي يبدأ بكانون الثاني (يناير) وينتهي بكانونه الأول (ديسمبر)، كانت سردية الأحداث في 2023 مختلفة مؤلمة وفارقة جدا، وبلغت البشاعة مبلغا لم يشهده التاريخ الحديث على يد آلة الحرب الصهيونية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، تصدر الاردن خلالها وما يزال، الموقف السياسي على كل المنابر الدَّولية والعربية والإقليمية.
فقبل 3 أيام من انتهاء هذا العام، تلقى جلالة الملك اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، دعا جلالته خلاله المجتمع الدولي لممارسة ما يكفي من الضغط للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وأكد ضرورة حماية المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة وضمان إيصالها بشكل مستدام.
وفي 27 من كانون الأول (اكتوبر) التقى جلالته الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأكدا رفضهما التام لجميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية، أو التهجير القسري للأشقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي خطاب في المنتدى العالمي للاجئين بمدينة جنيف السويسرية يوم 13 من هذا الشهر قال جلالته، إنَّه لطالما حذر الأردن من مخاطر ترك جيل ضائع وراءنا، إلا أنه عوضا عن إحراز تقدم في الوصول إلى حل لأزمة اللجوء المتجددة والمستمرة بالتوسع، ورغم نشوء أزمات لجوء جديدة، نرى الاهتمام بهذه الأزمة يتضاءل، ولا يمكن لهذا الحال أن يستمر، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يزدهر إذا أدار ظهره للفئات الأكثر ضعفا.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الإماراتية أبو ظبي في الأول من شهر كانون الاول (ديسمبر) قال جلالة الملك للعالم: إنَّه "لا بد لمؤتمر الأطراف هذا العام أكثر من أي وقت مضى، أن يُقرَّ بأننا لا نستطيع الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية التي نراها حولنا، وفي هذه الأثناء التي نتحدث فيها، يواجه الفلسطينيون تهديدا مباشرا يطال حياتهم، ففي غزة تم تهجير أكثر من 1.7 مليون فلسطيني من بيوتهم خلال هذه الحرب، وقُتل وأصيب عشرات الآلاف منهم، وفي منطقة تقع على الخطوط الأمامية لآثار التغير المناخي، يزيد الدمار الذي تخلفه الحروب من شدة المخاطر البيئية كشح المياه وانعدام الأمن الغذائي، وفي غزة، حيث يعيش السكان على كميات ضئيلة من المياه النظيفة والحد الأدنى من الغذاء، تزيد التهديدات المناخية من فظاعة مآسي الحرب".
وتوجه جلالته يوم 11 تشرين الثَّاني (نوفمبر) إلى القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول غزة، والتي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، وهناك بين للعالم مرَّة أخرى أنَّ "هذا الظلم الواقع على الفلسطينيين لم يبدأ قبل شهر، بل هو امتداد لأكثر من سبعة عقود سادت فيها عقلية القلعة وجدران العزل والاعتداء على المقدسات والحقوق، وغالبية ضحاياها المدنيون الأبرياء، وأنَّها العقلية ذاتها التي تريد تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة. تستهدف المساجد والكنائس والمستشفيات، تقتل الأطباء وفرق الإنقاذ والإغاثة، وحتى الأطفال والشيوخ والنساء"، متسائلا، "هل كان على العالم أن ينتظر هذه المأساة الإنسانية المؤلمة والدمار الرهيب حتى يدرك أن السلام العادل الذي يمنح الأشقاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد للاستقرار والخروج من مشاهد القتل والعنف المستمرة منذ عقود؟".
وأكد الملك يوم 21 من تشرين الاول (اكتوبر) في مؤتمر القاهرة للسلام "إنَّ الدين الإسلامي الحنيف جاء برسالة للسلام، فالعهدة العمرية، التي صدرت على عتبات بوابات القدس قبل ما يقرب 15 قرنا من الزمن وقبل أكثر من ألف عام من صدور اتفاقيات جنيف، أمرت الجنود المسلمين بألا يقتلوا طفلا، ولا امرأة، ولا كبيرا في السن، وألا يقطعوا شجرة، وألا يؤذوا راهبا، وألا يدمروا كنيسة، وهذه قواعد الاشتباك التي يجب على المسلمين تطبيقها والالتزام بها، كما يتحتم الالتزام بها على كل من يؤمن بإنسانيتنا المشتركة، فحياة كل المدنيين ثمينة".
والتقى جلالته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 21 كانون الاول (ديسمبر) في مدينة العقبة، وأكد له أنَّ على العالم أن يضغط بكل قوة لوقف الحرب على غزَّة، كما التقى وزير الخارجية والتنمية البريطاني ديفيد كاميرون يوم 20 من الشهر نفسه، وأكد ضرورة وقف الحرب بأي طريقة.
وفي 20 من الشهر ذاته، أشار جلالته إلى موقف المملكة الثابت والواضح تجاه القضية الفلسطينية والعدوان على غزة، وألا تراجع عن هذه المواقف، وسنعمل بقوة وبصوت عال من أجلها، مشددا خلال لقائه قيادات دينية مقدسية وأردنية في قصر الحسينية ضرورة "الوقوف متحدين" في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس.
واستمر تحرك جلالة الملك السياسي لوقف الحرب على غزة، اذ التقى العاهل الاسباني ورئيس وزارء اسبانيا، وبحث تمديد وقف اطلاق النار وتدفق المساعدات للغزيين، وأكد للمستشار الألماني يوم 11 كانون الأول (ديسمبر) ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وفي 11 من الشهر نفسه: "قال جلالته، إنه لن يكون هنالك أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن".
وتلقى جلالته يوم 7 كانون الأول (ديسمبر) اتصالا من الرئيس الأميركي جو بايدن دعا خلاله لحماية المدنيين في غزة ووقف الحرب عليهم. واكد جلالته في 2 من الشهر نفسه لنائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، ضرورة أن تلعب واشنطن دورا قياديا للدفع باتجاه أفق سياسي للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
وبحث الملك مع رؤساء الوزراء البريطاني ريشي سوناك والياباني فوميو كيشيدا وإيرلندا ليو فاردكار في الأول والثاني من كانون الأول (ديسمبر) خطورة الاوضاع في غزة والحرب وآثارها على المدنيين والمنطقة.
وعقد جلالته يوم 30 من تشرين الثاني (نوفمبر) اجتماعا دوليا طارئا في عمان لتنسيق الاستجابة الإنسانية في غزة، بمشاركة قادة منظمات دولية ووكالات الأمم المتحدة وممثلي دول عربية وأجنبية، كما سبقها بومين من توجيه جلالته رسالة إلى رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني شيخ نيانغ.
ونشرت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية في 14 تشرين الثَّاني (نوفمبر) مقالة لجلالة الملك، أكد فيها أن "حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن آلاف الضحايا خلال ما يزيد على شهر من الحرب على غزة غالبيتهم من المدنيين، وأن الآلاف من الأطفال قتلوا تحت ركام المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في غزة"، متسائلا "كيف يمكن قبول هذه الأفعال الوحشية والجرائم باسم إنسانيتنا المشتركة؟".
وفي 13 من الشهر نفسه، أكد جلالته أن أي سيناريو أو تفكير بإعادة احتلال أجزاء من غزة، أو إقامة مناطق عازلة فيها سيفاقم الأزمة، مؤكدا أن هذا أمر مرفوض ويعد اعتداء على الحقوق الفلسطينية، مجددا القول خلال لقائه في قصر الحسينية رئيسي مجلسي الأعيان والنواب ورؤساء وزراء سابقين وسياسيين أنه "لا يمكن للحل العسكري أو الأمني أن ينجحا، ولا بد من وقف الحرب وإطلاق عملية سياسية جدية تفضي إلى حل الدولتين".
وفي السادس من الشهر نفسه أيضا، أكد جلالته لملك بلجيكا ورئيس وزرائها، ضرورة ألا نصل إلى مرحلة اللاعودة في غزة، والانزلاق إلى حرب إقليمية مدمرة وصعبة على المنطقة والعالم، كما قال جلالته في اليوم نفسه لأمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ وأعضاء مجلس شمال الأطلسي، إن الجميع يدفع ثمن غياب حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه لا بد من رؤية شمولية للأمن الإقليمي مبنية على أساس حل القضية الفلسطينية.
والتقى جلالته الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد والأمير القطري الشيخ تميم بن حمد وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى في مستهل الشهر نفسه، وبحث معهم آلية وقف الحرب على غزة وإيصال المساعدات بشكل فوري وعاجل.
ووجه جلالة الملك في الـ12 من تشرين الأول (اكتوبر) الحكومة، بتقديم مساعدات لوكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، واجرى مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء النرويجي يونار غار ستوره، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تناولت جميعها تدهور الأوضاع في غزة.
وقال جلالته بخطبة العرش خلال افتتاحه أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة في 11 من الشهر نفسه، "إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية حاليا من تصعيد خطير وأعمال عنف وعدوان ما هي إلا دليل يؤكد مجدداً أن منطقتنا لن تنعم بالأمن والاستقرار دون تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ليحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتنتهي دوامات القتل التي يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء، فلا أمن ولا سلام ولا استقرار من دون السلام العادل والشامل الذي يشكل حل الدولتين سبيله الوحيد".
ووجه جلالته يوم 10 من تشرين الأول (اكتوبر) بإرسال مساعدات إلى غزَّة، وتلقى يوم التاسع من الشهر نفسه اتصالا هاتفيًا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أكدا فيه أهمية التنسيق العربي المشترك لوقف التصعيد في غزة.
ومع تعنت اسرائيل ورفضها وقف المجازر والقتل والتنكيل في فلسطين استدعى الأردن سفيرنا لدى الاحتلال الاسرائيلي، تعبيراً عن موقف الأردن الرافض والمدين للحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة، ووجه وزير الخارجية أيمن الصفدي بإبلاغ وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي كان غادر المملكة سابقاً.