وغادرأول الطيورعشّه

وغادر أول الطيور عشّه / محمد بدر
كنت في طفولتي استمتع بمراقبة الطيور ، وكان أكثر ما يشدّني حركتها الدءوبة لجمع القش وأجزاء الأغصان لعمل العش وكنت أدرك أن هذا استعداد لقادمين جدد إلى الحياة . ويستمر الرعاية والاهتمام وما هي إلا أيام حتى يبدأ الزّغب بالتّكوّن على الصغار وتبدأ محاولات الصغار الابتعاد عن عشّها ، وفي إحدى المرات كان الطائر الكبير الأب ( الأم ) يعود فيجد أن الصغار قد نقصوا واحدا فتبدأ رحلة البحث والقفز والانتظار ، إنها الأبوّة والأمومة .. فسبحان الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى!!
وهكذا نحن البشر نكد ونجهد لتكوين أسرة نحوطها برموشنا ونحميها بأهدابنا ونفديها بالمهج والأرواح ونحرسها بحبّات العيون . نتابع نموهم لحظة بلحظة ونتحسس أجسامهم وأعضاءهم شعرة شعرة ، نتدخل في كل تفاصيل حياتهم . ندّخرهم لضعفنا وكبرنا وحاجتنا . فإذا بالصغار يكبرون وتوشك الصغار أن تغادر أعشاشها . لقد رزقني المولى عز وجل بخمسة أبناء منهم بنت واحدة ، ورغم أن ترتيبها الرابع بين أخوانها إلا أنني و منذ صغرها يصيبني قلق وهمّ كبير عندما يخطر لي خاطر أنها ستغيب عن عيني يوما ما .
ويبدو أن الله عز وجل يريد دائما أن يكون ارتباطنا به وحده واعتمادنا عليه وحده وأملنا متعلّق به وحده ليعلم سبحانه وهو الأعلم بدواخلنا بأنه ليس في قلوبنا إلا هو سبحانه وأننا تخلّصنا من كل علائق الدنيا ليتحقق قوله سبحانه والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا .
فاليوم غادر أول الصغار عشّه وقد قويت جناحاه وكنت أظنّ بعاطفة الأبوّة أن الصغير سيبقى صغيرا أمام ناظري وحوالي ، ولكنها سنّة الحياة ودورة الحياة .. ألا تعلم يا بنيّ انه عندما صعدت إلى الطائرة وغبت عن عيني انّك قد أخذت قلبي معك .. في أمان الله يا ولدي وفي حفظ الله ورعايته .