«من حصادٍ مُرٍ، إلى أفضلَ،نصنعه بأيدينا»

*إن لحرب غزة والأحداث المرافقة حصادا مرّا،وآخر واعدا افضل،نصنعه بأيدينا. لقد تعزز عند العرب أن عمد وواسط البيت والنهوض العربي هو الوحدة في المواقف وصلابتها.، فعندما يستهين الغرب بوحدتنا وصمودنا وحقوقنا، تراهم يستخفّون بنا. لكنهم يتناسون ان الضمير العربي كامن في أوانٍ مستطرقة–فما يؤذي إخوة لنا يؤذينا.

*لقد نجح الأردن والملك بدبلوماسية شفافة وتواصل شخصي وإعلامي إشعار الغرب وبمنطق معززٍ، زيف دعواهم بالديمقراطية وحقوق الطفل والمرأة والحيوان. ذلك بشرح وقائع الحرب الوحشية في غزة والضفة، وإغفالهم التجاوب مع مطالب إنسانية لوقف القتل. كما نجح في إسقاط قناع إسرائيل من تعصب ديني وعنصري وكشفه عند الشعوب الغربية والشرقية.

* ونجح ملك البلاد والملكة رانيا العبد الله، ووضحت مقابلاتهما الإعلامية، مفهومي اللاسامية و الخوف من الإسلام واستخدام إسرائيل لهما سلاحا ضد العرب وحتى ضد كل ناقد لسياسات إسرائيل. لقد ابرزا بدلالات التاريخ ومحاكاة المعرفة الدقيقة، ان العرب ساميّون ودعاة سلام،منحدرين من سام،الابن الأكبر لسيدنا نوح عليه السلام، يصعب عليهم معاداة جذورهم وجيناتهم السامية، وقيم الإسلام عندهم. فتوضح للعامة والخاصة ان ليس كل يهودي جذوره سامية فغالبية من في إسرائيل اليوم هم من الخزر ممن اعتنق اليهودية المتصهينة. فساهمت التوعية هذه، وأفرغت هذا السلاح ضدنا، من محتواه..

*إن الملك بجولاته الدولية، ودعمه الميداني في بناء المشافي هو وولي عهده، ورجال الامن، وإنزال العون والغذاء والدواء للإخوة الفلسطينيين، ينسجم في جهاده مع ظهيره:شعب الأردن الواعي. ويتحرك وفق منظومة جهاد بلده الاكبر: يوضح المواقف وتراكمات السلوك العدواني للمحتل وابعاده الكارثية. ذلك في وقت حاسم بجرأة ومنطق ودعوات دفاع ونصح وتثقيف، لوقف الاذى عن إخوتنا الفلسطينيين في غزة والضفة المحتلة، ويلتقي بقيادات دولية غربية وشرقية، رغم تضليل الاعلام لهم عن حقيقة احتلال شرس، أتاح لعقود،القفز عن الفلسطينيين. ورافقه التضليل، وتقاعس العمل الجماعي في الاقليم.

*كما نجح الأردن في إبراز وضع الادارة الاسرائيلية المأزومة التي تتجاوز العهود والمواثيق وتفتعل حربا لتنجو بنفسها من فساد داخلي شخصي متجذر. ولا تكترث هي من إحراج المعتدلين عندها من دعاة سلام !،والآخرين المتفهمين للقضية. ويركز الملك على الحل الحقيقي: إزالة الاحتلال فهو الڤايروس ؛وحرية الفلسطينيين في دولة مستقلة، فهي الحل.

* وتشير الذاكرة التاريخية أن القائد صلاح الدين الايوبي في حربه للفرنجة، قام بإصلاح الامة واصلاح فهمها للدين، وحشد الداخل فأعلى قيم الاستقامة والعلم والعمل والتوحيد والوحدة بعيدا عن التشتت والفتن، ورفع راية المسؤولية الجماعية عند المجتمعات، فصنع مجتمعا موحدا متينا في الداخل مؤمنا بارضه وقيمه ووطنه، فكان ذلك مسارا للمنعة (قبة فولاذية مجتمعية). ثم تحرك بجهاده وبمنعة الداخل مع السلاح الى منازلة الفرنجة فهزمهم. واليوم ننشد الوعي والتحرك كي لا تترك الفرصة لإسرائيل لتديم الوضع القائم او المتحرك الان، في غزة والضفة.فتلك سيطرة على الارض يحوله إلى واقع جديد،و حاجز يديم الحال مع قضم ارض جديدة في تمدد احتلالي زاحف.

* سقطت الأقنعة عن وجوه عملاء الفتن والطعن في مواقف الأردن. فتوحدت المواقف، فوجدنا تضامنا بيننا فيه رهبان يؤذنون وشيوخ يقرعون الناقوس مقابل احتلال مدمر متعصب يزرع الكراهية. فتعالت القيم السماوية الإسلامية والمسيحية واتباعها في الشرق، على أدعيائها في الغرب.

*سقطت مقولة إسرائيل في ان الجغرافيا والاحتلال يضمن أمنها. فوصلها قذائف اهل غزة واليمن متجاوزة الجبال والبحار.

* كما سقطت مقولة إسرائيل انها الضحية، فاستخدمت السلاح الحديث الفتّاك برا وجوا وبحرا ضد المدنيين والأطباء والمشافي وسيارات ورجال الإسعاف والأطفال من قلوب حاقدة،جمرها توقد عليه النار.

*صدق نتانياهو ان المعركة طويلة ولم تنته ! نعم، هي طويلة فلقد نجح عملياً في ايقاظ الأجيال الشابة على خطر أفكاره العنصرية وجرائمه التي لا حدود أو قيماً إنسانية لها.فأطفال اليوم من فلسطيني غزة والضفة، وغيرهم، هم مقاتلون غدا ناقمون يديمون الصراع مع إسرائيل، لكن ستكون عدتهم وسلاحهم، بأدوات المستقبل.

* زرع عند الجيل الجديد الفلسطيني والعربي والإسلامي ان السلام مع الصهيونية المتعصبة سراب ؛ في حين هو قيمة محترمة عند العرب مضادة للفكر الصهيوني المتطرف.

*كما برز للعالم، وبالذات عند الشباب، قسوة قلوب القادة في إسرائيل، وأبعد، وعنصريتهم المبنية على سواد الجنس الابيض.

*ايقضت غطرسة الصهيونية لدى الاجيال العربية والفلسطينية في الخارج قبل الداخل، ان الصمود والتصدي للعدو الصهيوني لا يرتبط بميدان ارض فلسطين بل يتعداه ليصل الى استخدام التواصل الالكتروني اعلاميا في الساحة الدولية.

*لقد نجح نتانياهو وايقظ الحس الوطني الاجتماعي والسياسي عند شباب فلسطين والعرب وعند شباب الغرب في الجامعات. فالمعركة نعم طويلة مادامت وحشية وعدوانية الصهيونية ممتدة دون كابح. فالمستقبل ليس في صالح قيادة إسرائيل. ان الصبر والكدح هي قيم وسبل من سبل النصر ان استعنا بها، والتمسك بها فضيلة.

*أيقظت الحرب الوعي عند الشارع الغربي بأن الحرب ليست من السابع من اكتوبر بل من عقود. هي حرب على الاحتلال لأرض الفلسطينيين، لا على غزة فقط. فهي صراع ضد محتل طامع بالأرض وطارد لشعب وعلى القيم ومصادر الثروة.

*برزت اهمية حشد مؤسسات الغرب البرلمانية الديمقراطية(!) واتحادات الطلبة والعمال، لا الاكتفاء بعلاقات عابرة مع ولاة الأمر من الساسة هناك.

*لقد أهمل العرب مخاطبة الشعب اليهودي بلغته ولغات الغرب الحية، مهما ضعفت احتمالية التأثير في المدى القصير.

* لم تعد العبارات والصراخ وحدهما أداة في الصراع مع الصهيونية وبالذات في ميدان الغرب، بل برزت اهمية الصور الحقيقية والتقنية في الاقناع. ذلك امام التشويه الصوري التلفازي المستخدم من اعلام مبرمج صهيونيي- الذكاء الصناعي–وشبابنا مؤهل لذلك.

*ان مخاطبة الشعوب في الغرب بالحقائق وبلغاتها، وتبيان مصالحها،تحرج القادة عندهم، تلك التي أغفلناها،بخجل دبلوماسي، في الماضي. لكن ألاقنعة سقطت اليوم عن وجوه الغرب الرسمي.

* واكثر من ذلك سقطت أقنعة منظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة.كما سقطت شعارات حماية الطفل والمرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان. فضعفها واحيانا تواطئهم مع إسرائيل، ساهم في انهيار صورها عندنا وعند الشارع العالمي.

*سقطت الأقنعة حتى عن وجوه دعاة الفرقة في ميدان السياسية الفلسطينية وبعض دعاة المقاومة، مقابل توحّد الاحزاب الاسرائيلية مع العسكر. ألم تظهر الحرب للجماعات والأحزاب الفلسطينية، وغيرها، في انها حرب لا تقتصر على فئة بل هي حرب على الفلسطينيين في غزة والضفة وأبعد?.

*من يشاهد وضع الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي، والشاشات السياسة والميدان يدرك صلابة ايمان شعب عربي فلسطيني وتمسكه بوطنه وقضيته، في بيئة ومسيرة ضاغطة.

*إن الدمار لم يعد عسكريا عسكريا، لقد تحوّر نحو دمار مدني مدني ؛ ولا شك ان موقف الاردن شفافاً مخلصاً في وصفه الاحداث وممارسات الاحتلال التراكمية، بأنها اعتداء على الحرية وتقرير المصير وحل الدولتين الذي ينادي بها جلالة الملك الاردن والمجمع عليه دولياً، واعتداء على المقدسات العربية والاسلامية، وفيها تغذية للتطرف بشتى اشكاله ؛ بل تعدى ذلك، ففي استمرار تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني واحتلال اراضيه وحصاره، والعنف عليه، فذلك مغامرة متطرفة على الاستقرار والامن البيني والاقليمي، وتعدٍ على القيم الانسانية والروحية، والشرائع الدولية. ولمن يحترم قيمة الانسان اقول: لا تعالجوا الحمى فقط، فهي إفراز ؛ بل عالجوا الڤايروس: إنه الاحتلال، والفُرْقة.

*ان المرحلة التي يعبرها وطننا تملي إعلاء البناء على المنجزات. كما تُملِي التمسُّك بالرشد في ادارة الموارد و بالشفافية،وحرية الرأي،والصراحة، وتوفير المعلومة للناس، وتعبئة القوى الخيِّرة، وحشد الرأسمالية الوطنية للاستثمار والتشغيل للشباب والموارد المحلية، واستثمار جينات الانتماء والاخلاص عندالشباب.فمجتمعنا طيب، يتطلع بعطشٍ،الى مستقبلٍ تتجذر فيه ثقافة الإنجاز، وتعلو فيه اكثر سيادة القانون ونفاذه، والعدالة، وإستقلال أهلها. وإن اكثر ما نتعلق به غطاء الامن وميزان العدل.

*إن المنظومة الأمنية فيها ابناؤنا، هُمْ إخوتنا ومن جلدتنا، حُماةُ الوطن وغطاؤه ؛ وكل جهاز في المنظومة ملزم بأن يعمل ضمن اختصاصه: يفدي بروحه ونفديه نحن، لنأمَنَ في بيوتنا ومواقعنا. فما نشهده من محاولات الإخلال بأمننا ومحاولات التخريب والفتن والتهريب للأسلحة والمخدرات، يفتح الأعين والأبصار على قدسية الأمن ونُبْلِ حُماة الوطن.

* إن الأمل كبير بقدراتنا الوطنية،وعناية الله بنا أكبر. فمؤسساتنا قادرة على التطوير والتعديل والمراجعة، وشدِّ أحزمة العقول وتصحيح وتطوير الذات. فوطننا غالٍ وانجازاته ثمينة جديرة بالفَخَار والدفاع عنها. فكم هانت أوطانٌ بَخُلَ وتخاذل أهلُها عن حمايتها. اللهم بحِفظك الامين، إحفظ بلدنا وقيادتنا وأمتنا }}.