الحرب على غزة.. الجيش الإسرائيلي "يقتصد" في الذخيرة والأسلحة

مع قرب انتهاء الشهر الثالث للحرب على قطاع غزة، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى سياسة "التوفير والاقتصاد" بالذخيرة وعدم الإفراط باستخدام السلاح حفاظا على احتياط العتاد العسكري بالمستودعات، تحسبا لأي طارئ وخشية من مواجهة شاملة مع حزب الله على الحدود مع لبنان.


وبحسب تقديرات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن تكلفة الحرب على غزة بلغت حتى الآن 65 مليار شيكل (18 مليار دولار)، ويعادل هذا المبلغ الضخم ميزانية الدفاع الإسرائيلية السنوية بأكملها، باستثناء أموال المساعدات الأميركية.

يأتي هذا "الاقتصاد" في الأسلحة والذخيرة وسط تعقّد العملية البرية بالقطاع، والخسائر الفادحة التي تكبدها المقاومة الفلسطينية يوميا للجيش الإسرائيلي بالعتاد والقوى البشرية.

كما يأتي في وقت أجمعت فيه التحليلات العسكرية والسياسية على الفشل قي تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، وقالت إن تقويض حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وترسانتها العسكرية يحتاج لوقت طويل من القتال.

أهداف غير واقعية
وقدّرت تحليلات عسكرية أن حسم المعركة في غزة يتعلق بحجم تسليح الجيش الإسرائيلي الذي يقلص و"يقتصد" في استخدام الأسلحة والذخيرة حفاظا على مخزون الطوارئ بالمستودعات، في حين رأت تحليلات سياسية أنه تمت إدارة سير الحرب بموجب أهداف معلنة لا تتماشى مع الوقائع على الأرض والميدان.

وتأتي سياسية الجيش الإسرائيلي، رغم الدعم العسكري الأميركي غير المسبوق، فمنذ معركة "طوفان الأقصى" بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والعدوان على غزة، أرسلت واشنطن إلى تل أبيب 230 طائرة شحن و30 سفينة محملة بالذخيرة والأسلحة والقذائف المدفعية والمركبات المدرعة والمعدات القتالية الأساسية للمقاتلين بما فيها السترات الخزفية.

وحفاظا على الاحتياط بمخزون الأسلحة والذخيرة، عمدت الصناعات العسكرية التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية -في بعض الحالات- على تبكير تفعيل عقود طويلة الأمد لأسلحة ومعدات عسكرية كانت على الرفوف، أو وُجدت في مخازن الطوارئ الأميركية.


وفي قراءة لهذه السياسة، كتب مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع، مقالا بعنوان "يحفظون جانبا للحرب في الشمال: هكذا يعمل اقتصاد السلاح في الجيش الإسرائيلي".

واستعرض المراسل العسكري معاني ودلالات هذه السياسة، قائلا إن "العدد الكبير من الضحايا والإصابات في صفوف قوات الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة يثير نقاشا مستفيضا حول نطاق وقوة الأسلحة المستخدمة التي يُفترض أن تسهل عملية التوغل البري بالمناطق المزدحمة والخطرة".


ورجح أن جيش الاحتلال استخدم خلال الحرب كميات كبيرة وغير مسبوقة من الذخيرة والسلاح التي كانت بالمخزون والمستودعات، وعليه "يقتصد" باستعمال سواء الجوية أو المدفعية منها حفاظا على المخزون وخشية من سيناريو تطور التصعيد مع حزب الله إلى مواجهة شاملة.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه لن يكون هناك أي توفير في استخدام الذخيرة على النحو الذي يُعرّض الجنود للخطر، في وقت يزعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيضا أنه لا توجد ضغوط من الولايات المتحدة، التي توفر جزءا كبيرا من الأسلحة.

لكن، يقول المراسل العسكري "الحقيقة هي أن الجيش الإسرائيلي يقتصد في استخدام الذخيرة علما أنه في بداية الحرب تم الإفراط في ذلك".

ونقل المراسل العسكري عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى أن "الجيش عبأ مستودعات الأسلحة مجددا، بل أكثر من ذلك، من أجل البقاء على أتم الاستعداد والجاهزية لاحتمال حرب شاملة مع حزب الله".


وبحسب المسؤول الأمني، فإن جيش الاحتلال وخلال الحرب على غزة، لم يستخدم الذخيرة المخصصة للهجوم والدفاع الجوي إذا نشبت حرب على الجبهة الشمالية، لافتا إلى أن "استخدام الجيش المفرط للذخيرة والطائرات والمدفعية في الشهر الأول للحرب، يعود إلى تقدير منقوص بقدرات العدو على المقاومة".

في المقابل، أكد المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" طال ليف رام، أن الجيش الإسرائيلي يعتمد منذ عدة أيام سياسة "الاقتصاد" باستعمال السلاح والذخيرة بالحرب على غزة، لافتا إلى أن هذه السياسة ستُناقش قريبا في "كابينت" الحرب.


في الأيام الأخيرة، ترددت ادعاءات من مختلف الأطراف في المستوى السياسي وحتى الشعبي، يقول المحلل العسكري إن "سلاح الجو يمتنع حاليا عن العمل بكامل طاقته في قطاع غزة لاعتبارات سياسية، وإن النشاط المكثف يكون فقط قبل الدخول البري لمقاتلي الجيش إلى منطقة جديدة في القطاع".

هذه التقديرات أكدها اللواء إليعازر توليدانو، مشددا على أن الطيران الإسرائيلي يهاجم بشكل أقل في غزة، وأوضح أن "أسباب ذلك عملياتية بالكامل، وأنه "لا يوجد حد لاستخدام القوة".

وقال توليدانو للوزراء خلال جلسة الحكومة الأسبوعية "لا يوجد جيش في العالم لا نهاية له، لكن الاعتبار الذي يوجهنا عملياتي، فهذه حرب ستستمر لفترة طويلة، وسيتعين علينا إدارة اقتصاد الأسلحة، لكن الهدف هو القضاء على حماس في النهاية"، وفق تعبيره.

والمعضلة التي تواجه إسرائيل الآن، يقول المحلل العسكري ليف رام "ليست ما إذا كان ينبغي تفعيل القوات الجوية، بل ما إذا كان من الصواب الاستمرار بالتوغل والوصول فعليا إلى كل منزل وكل موقع بالقطاع، بظل حرب العصابات الصعبة التي تتطور هناك".

ويضيف رام "لقد أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 30 ألف قذيفة وقنبلة على القطاع، وهو عدد ضخم بكل المقاييس. إن إدارة اقتصاد التسلح جزء لا يتجزأ من أي حرب، وربما يكون هذا صحيحا بشكل خاص في حرب طويلة مثل التي تخوضها إسرائيل الآن في غزة، وربما في الشمال أيضا".

وخلُص للقول إن "المؤسسة الأمنية تحرص ​​على تأكيد أن الاعتبارات العملياتية في الوضع الحالي للحرب معقدة للغاية، كما يستخلص الجيش الإسرائيلي استنتاجات من الجولات القتالية السابقة في القطاع بأن استخدام القوة الجوية المفرطة لن تحقق النتائج المرجوة ضد أنفاق حماس".