المخاض على المقاييس الأردنية
الأردن يعيش حالة مخاض تغيير مجتمعي وولادة عهد جديد، بأدوات وثقافة جديدة، والأزمات التي يمر بها المواطنون ويمر بها النظام السياسي منذ سنوات، هي آلام وتبعات هذا المخاض.
فالدولة تعيش حالة صراع بين الذين يرفضون التغيير وبين التواقين له، وبين الذين يعرفون ولا يعرفون وما يعرف بالفجوة المعرفية بين جيلين، يرافقه أصلا صراعا بين مراكز القوى التقليدية ليس على مستوى مؤسسات الدولة فقط بل على مستوى المؤسسات الاجتماعية وإذا أردت على مستوى الأحزاب السياسية حديثة التأسيس.
وتشهد أيضا صراعا بين قوى الشد العكسي التي تحاول الحفاظ على مكتسباتها لأنها مستفيدة من الوضع القائم، وبين قوى التقدم والتغيير.
ويجب على الدولة تغيير أولوياتها بعد أحداث غزة؛
حيث أن خطاب السياسة الخارجية تغير خطابها؛ بشكل عميق ويجب أن ينعكس على سياساتها على كل القطاعات الاستراتيجية؛ العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وما تحتها من قطاعات فرعية، وإعادة هيكلة خططها بما يتواءم مع أولويات أمن الأردن الوطني الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
فالدولة لا تستطيع السير في أدوات الإدارة القديمة والبالية والتخلف التكنولوجي، في ظل تقدم العالم والدول المحيطة مع دخول الجيل الخامس والسادس من الإنترنت والذكاء الإصطناعي وعلم البيانات الضخمة وانترنت الأشياء، وفي ظل مجتمع يشكل الشباب فيه 65 % منه تحت سن 35 عاما، و 75% تحت سن 45 عاما.
من 3 ثلاث سنوات تم إقرار استراتيجية الحكومة للذكاء الإصطناعي، وما زالت على الورق، وتحتاج إلى بنية تحتية، وما زال الجيل الخامس يراوح مكانه بين احتكارات الشركات، لمزيد من الأرباح على حساب التقدم والتحول الرقمي.
هناك تشوهات كبيرة في المنهج الاقتصادي والإدارة الأردنية وطريقة التفكير، والحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول، وحسب تقرير البنك الدولي قبل سنة فإن القدرات والأدوات التنفيذية للحكومات الأردنية ضعيفة.
النظام السياسي في الأردن أدرك مؤخرا أنه لا يمكن السير بهذا النهج، وهو يحاول الاستجابة السريعة للتحولات المجتمعية المتسارعة نحو دولة القانون والمؤسسات ودولة الشفافية والنزاهة والكفاءة والحكم الرشيد، لكن للأسف التغيير بطيء ولا توجد إدارة فاعلة - مع صراعات مراكز القوى - لانتقال سلس نحو المستقبل.
والفرضية التي أصبحت مؤشراتها تحققها واضحة للعيان، أنه كلما زاد وعي المجتمع وثقافته وإدراكه، ازداد الإحتكاك مع النظام السياسي الحاكم، ويتجلى ذلك في "الأنظمة "المستبدة" (وهو مصطلح سياسي له مؤشرات وتقييمات).
في الأردن وحسب مؤشر مجلة الإيكونومست الأخير للديمقراطية، كانت دولة مستبدة، لكنها تسعى للإصلاح السياسي، وتشخيص الحالة الأردنية في العام الأخير معروف والظروف التي أحاطت بتشكيل اللجان الملكية لتحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية وأسبابها ومسبباتها ومخرجاتها ومآلاتها أيضا معلومة، وأن الأردن لا يستطيع السير بالأساليب القديمة والتشوهات السياسية والإدارية والاقتصادية وآثارها الإجتماعية المدمرة، وعقل الدولة ومطبخ القرار يقول لنفسه: "وجب التغيير".
أما رموز قوى الشد العكسي فتعتبر الجيل الجديد خطرا على وجودهم ومراكزهم ومكتسباتهم، ويتشبثون بمراكزهم ونفوذهم.
وقد نجحوا قليلا في تجريف الأمل لدى الشباب وإعادتهم إلى الإحباط واللاجدوى من العملية السياسية والاقتصادية والادارية ومستقبلها.
وعلينا أن لا نفقد الأمل، وإذا أخذنا موضوع الأزمة الأخيرة من ناحية إيجابية، فلعلها فرصة للتخلص تدريجيا من بعض الرموز المعيقة والتي سماها جلالة الملك "بالديناصورات" في إحدى مقابلاته، وترشيد نفوذ بعضها الآخر وعقلنته.
وفي الوقت نفسه على الدولة أن تفكر جديا بوضع حدود منظمة لتدخل مراكز القوى وتعيد ترتيب وهيكلة هذه القوى والمراكز، حتى لا تربك خطط الدولة وبرامجها وحتى لا ترسل رسائل عكسية للمجتمع، وايضا يجب أن تعمل على توعيتها وإدماجها في أولويات الدولة ورؤيتها لعملية الإصلاح السياسي والإداري والإقتصادي، لانتقال سلس وآمن للوصول إلى ديمقراطية حقيقية كاملة وحوكمة وشفافية وتقدم.