موازنة 2024 في الميزان
التزمت الحكومة بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024 متضمنا موازنة الوحدات الحكومية إلى مجلس الأمة ضمن التوقيت المحدد في المادة 112-1 من الدستور وهي (قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل)، وذلك بموجب كتاب دولة رئيس الوزراء بتاريخ 26/11/2023 والموجه إلى رئيس مجلس النواب متضمنا مشروع القانون.
وللسنة الثانية على التوالي تظهر الموازنة بكتيب واحد وفي قانون واحد، حيث سيتم التصويت عليه مرة واحدة بخلاف السنوات التي سبقت موازنة 2023 حيث كان هناك مشروعان يتم التصويت عليهما بشكل منفصل، ويأتي هذا الإجراء انسجاما مع التعديلات الدستورية التي تمت في عام 2022.
وقد أحال مجلس النواب مشروع القانون إلى لجنته المالية طبقا للنظام الداخلي للمجلس.
ثانيا: المشهد الجيوسياسي
تأتي موازنة عام 2024 في ظرف جيوسياسي مضطرب أدى الى حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي والاقليم برمته، فقد توالت الأزمات منذ تفشي جائحة كورونا وما تبعها من إجراءات ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت سلبا على أسعار الطاقة وسلاسل التزويد يضاف إلى ذلك قانون قيصر الذي يحد من التبادل التجاري مع سورية وأخيرا العدوان الغاشم والمستمر على غزة والضفة الغربية وما نجم عنه من تراجع الاستهلاك وتدهور دخل عدد من القطاعات أبرزها قطاع السياحة واضطراب حركة الملاحة البحرية.
ومما فاقم هذه التحديات رفع أسعار الفائدة عالميا كجزء من مواجهة التضخم العالمي والذي سجل نسبة %6.9 في عام 2023 حيث يتوقع المحافظة على أسعار الفائدة المرتفعة خلال العام القادم 2024.
اما محليا فقد توصلت الحكومة مع صندوق النقد الدولي الى برنامج جديد يتضمن ضوابط معقولة مدته 4 سنوات وبقيمة 1.2 مليار دولار في اطار تسهيل الصندوق الممدد (EFF).
وقد برزت الحاجة إلى ضرورة تعزيز أمن التزود بالمياه من خلال مشروعات إستراتيجية ووطنية بالإضافة إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة للقيام بواجبها في حماية حدود المملكة من كافة الأخطار وفي مقدمتها التصدي لمهربي المخدرات والسلاح.
ثالثا: النفقات العامة
بلغ الإنفاق المجمع (الموازنة العامة وموازنة الوحدات الحكومية) لعام 2024 ما مجموعة 14033 مليون دينار وهو حجم الإنفاق الأعلى على الإطلاق في تاريخ المملكة، مرتفعا بنسبة 9.6 % عن العام الذي سبقه ومرتفعا بنسبة 47 % عن عام 2015 (أي قبل عشر سنوات)، في حين بلغ معدل الارتفاع في الإنفاق العام للسنوات العشر الأخيرة ما نسبته 5.4 %، والحقيقة أن ارتفاع الإنفاق العام بهذه النسب يحتاج إلى توضيح لا سيما أن نسب النمو الاقتصادي ما تزال تراوح مكانها مما يعزز ضرورة ضبط وترشيد الإنفاق العام.
ويوضح الجدول المرفق معدل نمو الإنفاق للسنوات العشر الأخيرة، مع ملاحظة ان تأثير عملية دمج الوحدات والهيئات المستقلة المتعددة خلال السنوات العشر الأخيرة لم تسهم بشكل ملحوظ في خفض نفقات الوحدات الحكومية.
ورغم أن الإنفاق الرأسمالي في موازنة 2024 هو الأعلى في تاريخ المملكة حيث بلغ 1729 مليون دينار، إلا أن الملاحظة الأبرز على هذا البند هي تدني قيمة المقدر للمشاريع الجديدة لتبلغ 73 مليون دينار فقط وهي القيمة الأقل من 10 سنوات، بحسب البيانات المنشورة على موقع دائرة الموازنة العامة.
ويبدو أن هناك دفعا من الحكومة تجاه تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المستمرة وتلك التي هي قيد التنفيذ عبر رصد مزيد من المبالغ لها، أو اعتبار هذا البند بمثابة مخصص آمن أو تحوط مالي يمكن ان تتكأ عليه الحكومة حال الحاجة إلى نفقات إضافية أو طارئة نتيجة السيناريوهات الإقليمية المحتملة بحيث تتجاوز المبلغ المرصود في بند النفقات الطارئة، ويشوب بند الإنفاق الرأسمالي عددا من التشوهات تتمثل بما يلي: -
- لم تلتزم الحكومات المتعاقبة بإنفاق ما هو مقدر من بند النفقات الرأسمالية حيث لم تتجاوز نسبة الإنفاق الفعلي خلال الأعوام 2016-2020 ما نسبته 75 % من المبلغ المقدر.
- ان مدة الصرف الفعلي تبدأ بعد إقرار مشروع قانون الموازنة ( غالبا في نهاية شهر شباط ) وتستمر إلى نهاية شهر أيلول،
وبالتالي تكون الوزارات والمؤسسات مقيدة بهذه المدة.
- قامت وزارة المالية خلال العام 2023 بإنفاق حوالي 350 مليون دينار كدعم لفرق أسعار المشتقات النفطية حيث تم صرف هذا المبلغ من بند النفقات الرأسمالية.
- يتم إنفاق جزء من هذا المبلغ على المصاريف الجارية في المشاريع قيد التنفيذ والمشاريع المستمرة.
- عدم تناسب القيمة المضافة للمشاريع مع المبالغ المصروفة وخاصة مشروعات اللامركزية والبلديات.
رابعا : الإيرادات
سترتفع الإيرادات العامة في موازنة العام 2024 بمقدار 844 مليون عن مستواها في عام 2023 و بنسبة تصل الى 8.9 %،
وسترتفع نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية لتصل الى 90 %.
اما معدل نمو الإيرادات خلال السنوات العشر الأخيرة فقد بلغ ما نسبته 4.95 %.
وقد شكلت الإصلاحات الضريبية المتمثلة بمحاربة التهرب الضريبي وكذلك التعديلات التشريعية للحد من التجنب الضريبي عنصرا مهما في زيادة الإيرادات الضريبية بالإضافة إلى تطبيق نظام الفوترة حيث سترتفع في عام 2024 بمقدار 673 مليون دينار مقارنة مع عام 2023، رغم انخفاض الإيرادات الضريبة ( إعادة التقدير) لعام 2023 عن المقدر بمقدار 57 مليون دينار.
واعتقد أن فرضية تحصيل الإيرادات ضريبية خلال العام 2024 بارتفاع نسبته 10.2 % عن مستواها في إعادة التقدير للعام 2023، فيها قدر من التفاؤل الذي يحتاج إلى جهد كبير لتحقيقه لا سيما أن أحد أهم فرضيات الموازنة تستند إلى استمرار الوضع الإقليمي الراهن دون حدوث تطورات كبيرة في الاطار الجيوسياسي.
خامسا: خدمة الدين العام والعجز
تفاقمت فاتورة فوائد الدين العام بشكل ملحوظ عن المقدر لعام 2023 وبفارق مقداره 126 مليون، ويعود السبب في ذلك الى الرفع المتكرر لمعدلات الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأميركي، حيث اضطرت الحكومة لإجراء مناقلة في موازنة عام 2023 ليرتفع مبلغ خدمة الدين العام ( إعادة تقدير) ليصبح 1703 مليون دينار.
ومن المتوقع ان تبقى أسعار الفائدة مرتفعة خلال العام 2024 أو النصف الأول على الأقل مما أدى إلى زيادة مخصصات خدمة الدين للعام 2024 بمبلغ 278 مليون ليصل اجمالي المبلغ إلى 1980 مليون دينار و بنسبة ارتفاع مذهلة عن العام السابق مقدارها 16 % لتشكل نسبة 5.16 % من الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، هذا وقد نمت فوائد الدين العام خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 9.14 % مما يشكل استنزاف للإيرادات العامة.
وكما يلاحظ فإن عجز الموازنة العامة بدأ يرتفع فوق فوائد الدين العام منذ عام 2020 وذلك أثر الارتفاع الكبير في العجز والذي ظل باق لغاية اليوم بكل أسف، بمعنى أن معدل العجز من عام 2015 ولغاية عام 2019 كان ما مقداره 868 مليون دينار اما معدل عجز الموازنة منذ العام 2020 ولغاية العام 2024 فقد بلغ 1882 مليون دينار، أي انه تضاعف بأكثر من 216 %.
ويشكل عجز الموازنة لعام 2024 ما نسبته 16.7 % من الموازنة العامة في حين بلغ العجز المجمع ( الموازنة والوحدات الحكومية ) ما مجموعه 2877 مليون دينار ما يشكل نسبته 20.5 % من مجموع النفقات العامة شاملا" الوحدات الحكومية، وهو رقم كبير بالنسبة وبالرقم المطلق.
اما عجز الوحدات الحكومية فقد بلغ 809 ملايين دينار، و تجدر الإشارة إلى أن موازنة الوحدات الحكومية تحقق فائضا مقداره 41 مليونا فيما لو تم استثناء شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه حيث يبلغ العجز في هاتين المؤسستين لوحدهما ما مجموعه 850 مليون دينار.
وقد أشار وزير المالية في خطابه أمام مجلس النواب أن نقطة الانعطاف في العجز الأولي وتحقيق أول فائض سيكون في عام 2028 وان الدين العام سيصل إلى 79 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2028، بحسب خطاب مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2024 صفحة 18.، ويعرف العجز الأولي ( Primary Deficit) مجموع النفقات العامة باستثناء مدفوعات الفائدة مطروح منها الإيرادات المحلية.
وقد بلغ العجز الاولي لعام 2024 ما مجموعه 812 مليون دينار، وتستند فرضية وزير المالية إلى تحقيق معدلات نمو للإيرادات المحلية ( الضريبية وغير الضريبية ) وهو ما يستحق التوضيح في ظل حالة عدم اليقين المصاحبة للحالة الجيوسياسية في الإقليم.
الاستنتاجات والتوصيات
1 - ان نجاح الأردن في التوصل إلى برنامج جديد مع الصندوق يمثل استقرارا نسبيا للمالية العامة واستدامة الدين العام ونوصي باستمرار المتابعة الحثيثة لزيارات المراجعة التي يقوم بها الصندوق.
2 - ضرورة الاستمرار بضبط الإنفاق واستمرار جهود مكافحة الفساد المالي والإداري حيث ما يزال هناك متسع لضبط الإنفاق في الوزارات والوحدات الحكومية.
3 - ان الإصلاحات التي تمت في محاربة التهرب الضريبي وتوسيع قاعدة المكلفين تستحق الإشادة وقد جاءت كثمرة للعمل الجاد المستند إلى الاطار التشريعي، ونوصي بتطبيق نظام الفوترة وتعزيز مبدأ الالتزام الطوعي.
4 - ضرورة التأكيد على جاهزية الوزارات والوحدات الحكومية لتنفيذ المشاريع الرأسمالية والاستفادة المثلى من مخصصات النفقات الرأسمالية المرصودة في قانون الموازنة، باعتبار ان الانفاق الرأسمالي السليم والذكي والمنسجم مع البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي هو احد أسباب زيادة النمو الاقتصادي وتحسين بيئة الاستثمار.
5 - ان آلية اختيار المشاريع الممولة من الإنفاق الرأسمالي يجب أن تتضمن معيار تحقيق القيمة المضافة وذلك بهدف إيجاد النمو الاقتصادي المطلوب.
6 - أهمية الدراسة المتأنية لفوائد القروض وتقليل حدة ارتفاعها من خلال تنويع الأدوات وتوفير مصادر تمويل بديلة، خاصة في ظل الارتفاع الحاد لفوائد الدين العام لعام 2024 وذلك بمقدار 552 مليون دينار مقارنة مع الانفاق الفعلي لعام 2022.
7 - ان مراجعة ملفي شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه أصبح ضرورة وطنية نظرا لما تتحمله الخزينة من أعباء ضخمة نتيجة العجز في هاتين المؤسستين.
8 - مراجعة ملف المتأخرات المالية ودفع المستحقات مما يمكن القطاع الخاص من الاستمرار وتأدية الخدمات بالشكل اللائق.