هل يمكن تخفيض نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي لـ79 % في 2028؟

في الوقت الذي توقع به وزير المالية محمد العسعس انخفاض إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما نسبته 79 % في نهاية عام 2028 ، شكك خبراء اقتصاديون من امكانية تحقيق ذلك.
 

وأرجع هؤلاء الخبراء استبعادهم تحقيق هذا التوقع إلى الواقع الحالي للاقتصاد الوطني وتواضع معدلات النمو، إضافة إلى كبر حجم المديونية العامة وما تركه من تبعات على الاقتصاد الوطني، إلى جانب قصر السياسات المالية المتبعة محليا.
 

وبغية التغلب على أزمة ارتفاع الدين العام التي يعاني منها الاقتصاد الوطني منذ سنوات طويلة دعا الخبراء إلى ضرورة تغيير السياسة المالية القائمة، إضافة إلى تضمين الموازنة العامة مشروعات محفزة للاقتصاد الوطني وزيادة حصة الموازنة الرأسمالية، إلى جانب وجوب إيجاد حل لمشكلة ارتفاع مديونية شركة الكهرباء وسلطة المياه.

وكان وزير المالية محمد العسعس أوضح على هامش خطاب الموازنة العامة لعام 2024 بأن البيانات تشير إلى التحسن التدريجي في استدامة المالية العامة والدين العام ، حيث سيتراجع، وللسنة الرابعة على التوالي، العجز الأولي للموازنة الذي يقارن بين الإيرادات المحلية والنفقات العامة مستثنيا منها خدمة الدين العام إلى نحو 2.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 مقارنة بـ 5.6 بالمائة في عام 2020 وبتراجع نسبته 62 بالمائة.

وأكد العسعس في خطابه بأن الحكومة ستتمكن من الوصول إلى نقطة الانعطاف في العجز الأولي وتحقيق أول فائض في عام 2028 في ظل الاستمرار سياسة الانضباط المالي دون الاضرار بالنمو، ومواصلة تنفيذ برنامج الحكومة للإصلاح المالي والنقدي.
وترتيبا على ما سبق توقع العسعس أن ينخفض إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للسنة الثالثة على التوالي ليصل إلى نحو 88 % في عام 2024، وليواصل الهبوط التدريجي في السنوات اللاحقة وصولا إلى 79 % في عام 2028.

ويذكر بأن رصيد الدين الحكومي كان قد بلغ حتى نهاية شهر أيلول 2023، بعد استثناء إحصائي لما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، ما قيمته نحو 32 مليار دينار أو ما نسبته 88.7 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لشهر ايلول من عام 2023 مقابل 30.6 مليار دينار في نهاية عام 2022 أو ما نسبته 88.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، شاملا مديونية كل من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه والتي تبلغ نحو 8.8 مليار دينار، وذلك وفقا لبيانات وزارة المالية.

وقال استاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري لـ" الغد" بأن تحقيق توقعات الحكومة بخفض الدين العام خلال الفترة المقبلة وصولا إلى ما نسبته

79 % في عام 2028 يبدو مستبعدا، ويتناقض مع واقع الاقتصاد الوطني والتداعيات التي تركتها المديونية العامة المرتفعة على الاقتصاد المحلي

وأضاف الحموري بان ذلك يتناقض كذلك مع توقعات الموازنة للعام القادم المتعلقة باقتراض نحو 2 مليار دينار لتمويل عجز الموازنة وفوائد خدمة الدين العام مما يعني بأن عجز الدين العام وفوائده سيبقى مستمرا، وبالتالي الحاجة إلى استمرار الاقتراض من أجل ذلك وتراكم في قيمة المديونية.

وأشار الحموري إلى أن ارتفاع الدين العام واستمرار أزمته مخاطر كبيرة على الاقتصاد الوطني حيث أنه يحرم الاقتصاد من زيادة النفقات الرأسمالية وتمويل الحكومة للمشروعات المولدة لفرص العمل، إضافة إلى فرض زيادة الضرائب أو على الاقل عدم تخفيضها، مما يعمق في النهاية من مشكلتي البطالة والفقر.

ومن أجل أن يتم الوصول إلى توقعات انخفاض المديونية، أكد الحموري بأنه يجب أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي أكثر من 5 % على مدار السنوات القادمة، إلا أن بلوغ نسب النمو هذه على المدى القريب غير ممكنة، حيث أن أحسن التوقعات من مختلف الجهات والمؤسسات في العامين القادمين تتوقع ان يبلغ معدل النمو الاقتصادي في الأردن بنحو 2.8 %

وأكد الحموري بأن حل مشكلة الدين العام لدينا أردنيا تستدعي العمل على إيجاد" حلول جراحية على مستوى عميق" لملفات شركة الكهرباء وسلطة المياه، إضافة إلى زيادة حجم الانفاق الرأسمالي، والإسراع في تنفيذ مشروع الناقل الوطني وان احتاج ذلك إلى فتح باب " التمويل الشعبي" لهذا المشروع.

وبدوره اتفق المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة مع سابقه بأنه من المستبعد وغير الممكن ان ينخفض إجمالي الدين العام حتى عام 2028 إلى 79 % كما تتوقع الحكومة، ما لم يتم إعادة النظر بالسياسات المالية الحالية التي تعد جزء من معضلة الدين العام التي يعاني منها الاقتصاد الوطني منذ سنوات طويلة على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة
ولفت زوانة بأن هذه التوقعات التي قدمتها الحكومة من دون الديون المترتبة عليها من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي والتي تناهز 8 مليارات دينار.

يشار إلى ان وزارة المالية، قامت منذ عام 2021، بتغيير منهجيتها في احتساب دينها العام، باستثناء ديونها من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.

وبين زوانة لـ"الغد" بأنه في ظل حجم الدين العام المرتفع في الأردن، فإن تخفيض معدلاته بهذه النسب المعلنة خلال السنوات الخمس الماضية يحتاج إلى فترة زمنية طويلة لا تقل عن 15 عاما.

ومن أجل التغلب على مشكلة ارتفاع الدين العام الجاثمة على الاقتصاد المحلي منذ سنوات طويلة، دعا زوانة إلى ضرورة تغيير السياسة المالية القائمة، إضافة إلى تضمين الموازنة العامة مشروعات محفزة للاقتصاد الوطني وزيادة حصة الموازنة الرأسمالية، إلى جانب وجوب معالجة مشكلة مديونية شركتي الكهرباء والمياه الجاثمة على الاقتصاد الأردني منذ سنوات.

إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي مفلح عقل بأن توقعات وزير المالية الخاصة بانخفاض الدين العام في السنوات القادمة طموح كبير لكنه من الصعوبة في مكان أن يتحقق في ظل أرتفاع عجز الدين العام وخدمة الفوائد الخاصة به.

ولفت عقل بأنه قد يكون هناك مراهنة على تخفيض نسبة الدين من خلال تحسين معدلات النمو الاقتصادي أكثر من تخفيض القيمة التراكمية الدين العام، وبأن ذلك يحتاج إلى نسبة نمو على مدار السنوات القادمة تتجاوز 5 %، موضحا بأن تحقيق معدلات نمو بهذه النسب أيضا مستبعدة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تسود في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة.

ويرى عقل بأن حل مشكلة الدين العام يجب ان تكون أولوية لصناع القرار الاقتصادي لما لها من مخاطر وآثار سلبية على الاقتصاد الوطني، حيث أنها تحد من قدرته على التحسن والنمو .