رطانة استعمارية.. أو دبلوماسية «المقالات الصحافية المُضللة»؟

اختار وزيرا خارجية بريطانيا وألمانيا، «اللورد» ديفيد كاميرون وانالينا بيريوك، نشر مقالتهما المشتركة في صحيفتين تصدران في بريطانيا، الأولى ناطقة بالإنجليزية/«صنداي تايمز» والثانية بالعربية/«الشرق الأوسط»..وكان لافتاً في الترويج لهذه المقالة هو العنوان المُوحّد الذي تصدّر نشرات وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية الغربية كما العربية, الذي يفيد بأن الوزيرين دعيّا إلى وقف اطلاق نار مُستدام في غزة، ما أوقع كثيرين في «فخ» الاعتقاد بأن تحوّلاً جوهرياً حدث في صفوف المعسكر الغربي الاستعماري, المُؤيِّد بلا كوابح سيا?ية أو أخلاقية أو قانونية لدولة العدو الصهيوني. وهو أمر لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث, ليس فقط كون لندن وبرلين لن تشقّا عصا الطاعة عن واشنطن, أو تغضبان حكومة الفاشيين في تل أبيب، بل خصوصاً إنما منحا – وما يزالان – وقتاً كافياً لجيش النازية الصهيونية لمواصلة الإبادة الجماعية ضد أهالي قطاع غزة، وصرفا النظر في الوقت نفسه عن جرائم الحرب الموصوفة التي يرتكبها مستوطنو العدو وجيشه ضد أهالي الضفة الغربية المحتلة. وإن أَوردا عِبارة مُتلعثمة يُدينان فيها استخدام العنف من قبل المستوطنين, لترحيل الفلسطينيين عن منازلهم بال?وة. (أي انهما لا يُمانعان ترحيل الفلسطينيين عن منازلهم بدون عنف، علماً أنهما لم يُدينا مُقارفات جيش الاحتلال).


دعونا «نفكك» ما جاء في المقالة المشتركة لوزيريّ بريطانيا وألمانيا، بما هما من أشد الدول الغربية دعماً لإسرائيل وحكومتها الفاشية قبل 7 أكتوبر وخصوصاً بعده, على نحو يتماهى مع الموقف الأميركي بل وأزيد.


بدأ الوزيران مقالتهما بفقرة «تضجّ» عمومية في في تركيز مقصود على «اليوم المُؤسّس» لهذا للمشهد الراهن, وهو السابع من أكتوبر. تقول الفقرة الأولى من المقالة «أننا نجتاز أوقاتاً صعبة في الشرق الأوسط، منذ الهجوم البشِع الذي شنّته «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر. ونحن كأبويّْن - أضافا - ينفطر قلبانا حزناً على هذا العدد الكبير من الأطفال الذين يُقتلون أو يُصابون بجراح, بل - استطردا - إن مقتل كل إنسان بريء في 7 أكتوبر وما بعده يُعد مأساة بحد ذاتها, عائلات في حداد - تابعا - ومُجتمعات في حالة ذهول وأزمة تلف المنطقة كل?ا.


لنُدقّق جيداً في المفردات العمومية التي استخدمها الوزيران, والتي لا تشير إلى «جنسية» هؤلاء الأطفال الذي يُقُتلون ويُصابون, فيما تكرّر ذكر 7 أكتوبر أكثر من مرة. ناهيك عن دموع التماسيح التي ذرفاها حُزناً على هذا العدد الكبير (أين وقعَ، وجنسية ضحايا العدد الكبير لا يَذكُران بالطبع).


لنذهب إلى فقرة أخرى.. «تفضح» على نحو واضح, الهدف من دبلوماسية المقالات المُضلّلة التي لجأ إليهما الوزيران, كي يقولا لقادة الدولة الفاشية كما تقول أميركا.. نحن لا نضع خطوطاً حمراء على ما تفعلون وستفعلون في غزة. إذ قالا: «لا يمكن أن يكون هدفنا مُجرد وضع نهاية للقتال اليوم.. بل يجب أن يكون سلاماً دائماً لأيام وسنوات وأجيال وعليه - أضافا - فإننا نؤيد وقف إطلاق النار.. ولكن (فقط) إذا كان مُستداماً».


إذاً هُما لم يُدعوا إلى وقف لإطلاق النار, كما زعمت أو روّجت وكالات الأنباء ومحطات التلفزة الغربية وبعض العربية, ووقعَ في «فخهما» مُحللون وسياسيون وخصوصاً من العرب.


وكي يتّضح الموقف البريطاني/الألماني أكثر, قال الوزيران: دعمّْنا الهُدن الإنسانية مؤخراً, لقد رأينا - واصلا - في نهاية تشرين الثاني أن للهُدن جدواها.. - ولذلك - إستطردا - فإننا نُعزز المساعي الدبلوماسية للاتفاق على (هُدن أخرى), من أجل ادخاله مزيد من المساعدات وإخراج مزيد من الرهائن، حيث لا يزال هناك أكثر من (130) رهينة في غزة, ولكل منهم اقارب وأحباء يعيشون في خوف وقلِق، على حماس - شدّد الوزيران - إطلاق سراحهم فوراً.. إذ من شأن «قساوة» احتجازهم ان تؤدي (فقط) إلى تأخير التقدم نحو السلام.


ثم أعلن الوزيران بوضوح «يُحسدان عليه»..جوهر موقف بلديهما الداعم للعدوان والإبادة الجماعية والمجازر, التي يرتكبها جيش النازية الصهيونية ضد المدنيين الأبرياء والمشافي ومدارس الأونروا, والبُنى التحتية وتدمير كل أسباب الحياة في القطاع المنكوب، إذ قالا بعد كل الثرثرة والكلام الفارغ, الذي امتلأت به مقالتهما التي تفوح منها ثقافة الرجل الأبيض وعنصرية وتفوّقه: (مع ذلك..لا بُد لنا أن نكون واضحين هنا، فنحن «لا» نعتقد أن الدعوة «الآن» إلى وقف عام فوري لإطلاق النار، على أمل أن يُصبح دائماً بشكل او آخر.. هي السبيل المُث?ى للمستقبل».


فهذه السبيل–أضاف الوزيران–تتجاهل السبب الذي اضطَرّ إسرائيل إلى «الدفاع عن نفسها»؛ فقد هاجمت «حماس» إسرائيل بشراسة، وما زالت تطلق الصواريخ يومياً لـِ«قتل المواطنين الإسرائيليين». على «حماس» أن تُلقي سلاحها. دعونا نتخيّل - استطردَا - أننا ضغطنا على إسرائيل لوقف جميع العمليات العسكرية على الفور، فهل ستتوقف «حماس» عندئذ عن إطلاق الصواريخ؟, وهل ستُطلق سراح الرهائن؟ وهل ستتغيّر آيديولوجيا القتل عندها؟.


في السطر الأخير.. لا داعي لمزيد من الإقتباسات, فالموقف البريطاني الألماني في جوهره كما في عموميّته,