نتنياهو.. سُلّم بايدن للنزول عن الشجرة

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم أول أمس الثلاثاء، الجدل حول مستقبل الحرب والعدوان على قطاع غزة، فحديثه العلني عن فقدان "إسرائيل" دعم المجتمع الدولي، ودعوته نتنياهو إلى تقوية وتغيير الحكومة الإسرائيلية التي وصفها بالمحافظة والمتشددة، ألمحت لإمكانية تراجع الدعم الأمريكي للحرب الاسرائيلية المفتوحة على قطاع غزة، وصولا إلى وقفها في القريب العاجل.

في المقابل؛ فإن إدارة بايدن كانت الطرف الأكثر حماساً لمواصلة الحرب والدفاع عن أهدافها، فهل تصح التوقعات بوقفها (الحرب)، أم أنها مناورة أمريكية لتجنب وقف الحرب، وصولاً إلى احتواء تداعياتها وخفض كلفها.

فتصريحات بايدن جاءت كتعليق غير مباشر على مسار الحرب في محوريه العسكري والسياسي، فالمحور الاول تعلق بالأداء العسكري لجيش الاحتلال، وما أسماه بايدن بالقصف العشوائي للمدنيين الذي أفقد (إسرائيل) الدعم الدولي، وهو ما حذر منه وزير الدفاع لويد أوستن في وقت سابق، كونه يقود إلى هزيمة إستراتيجية لـ(إسرائيل).

هزيمة استراتيجية لا تقتصر آثارها على (إسرائيل) وحدها، إذ تحرج الولايات المتحدة وتهدد مكانتها الدولية، وتعرض مصالحها في الإقليم لتهديدات مباشرة، سواء باستهداف قواعدها العسكرية، أو بمقاطعتها ومقاطعة مؤسساتها وسفاراتها في المنطقة، وبعزلها داخل المؤسسات الأممية، فضلا عن التهديد بتوسيع الصراع وإطالة أمد الحرب، وتعريض مصالحها للانهيار بشكل كامل في المنطقة في حال توسع القتال شمال فلسطين بالقرب من الحدود اللبنانية، أو في الضفة الغربية؛ لينتقل إلى دول الجوار، مشعلاً حروباً إقليمية تمتد إلى دول عُرفت باعتدالها السياسي وشراكاتها القوية مع العديد من دول العالم، وخصوصا الغربي، كالأردن.

المحور الثاني تعلق بأداء نتنياهو وحكومته وتوجهاته السياسية للحل ما بعد الحرب، وهو مسار أضعف هامش المناورة للدبلوماسية الامريكية وأعاقها عن الحركة لبناء شراكات سياسية تدعم جهودها العسكرية، ما هدد بإطالة أمد الحرب واستنزاف الدبلوماسية الأمريكية، وعزلها دوليا في ظل الانسداد العسكري والسياسي الإسرائيلي؛ لياتي الحل الامريكي بفتح إدارة بايدن معركة مبكرة مع نتنياهو بتحميله مسؤولية الفشل السياسي والعسكري، على أمل فتح أفق للنشاط السياسي الأمريكي، وتحسين القدرة التكتيكية لدبلوماسيتها التي باتت مشلولة ومعزولة أكثر بتخلي شركائها الأوروبيين عنها، خصوصا بعد قرار الفيتو الأخير الذي لم يدعمها فيه أحد من حلفائها الغربيين سوى بريطانيا وبشكل متحفظ وماكر.

الخلاصة؛ موقف إدارة بايدن من حكومة نتنياهو وعمليات القصف العشوائي خطوة تكتيكية ومناورة للخروج من حالة الانسداد العسكري والسياسي؛ بتحسين قدرة أمريكا على المناورة سياسيا بما يحرم أو يحد من قدرة المقاومة الفلسطينية وحركة حماس على تحقيق نصر سياسي بات مرجحا في ظل الصمود الشعبي والنجاح العسكري الذي قابله فشل عسكري وأخلاقي إسرائيلي امتد ليصبح فشلا امريكيا خالصا.

فشل لم يعد بالإمكان التخلص من أعبائه الثقيلة ومسؤلياته إلا بالتخلص من الورقة الضعيفة والاكثر إزعاجا فيه، وهو نتنياهو وائتلافه الحاكم، فهم الحلقة الأضعف التي تقابلها حلقة المقاومة الأقوى التي لا يمكن إزاحتها من المشهد، طالت الحرب أم قصرت.