عودة الحديث حول الهدن هل بدأ البحث عن مخرج للكيان والأمريكان؟
ليس هناك مَنْ هم أكثر انفصالاً عن الواقع الميداني، ويعرفون ذلك، أكثر من الثلاثي، نتياهو، غالانت وهاغاري، ولكنهم أمام ازمتهم العسكرية بفعل صمود المقاومة، وتكبيدها للمحتلين خسائر جدية مفاجئة، وواقع الأزمة السياسية الداحلية المستفحلة، لم يتبقَ لهم منذ 8 أوكتوبر سوى الكذب الذي بات حديث الإعلام اليومي، أو إدعاء (انتصارات) وهمية لا تثير إلا السخرية حتى في وسائل إعلامهم، شأن الحديث عن الوصول لركام منزل السنوار ومحاصرته، وكأن هذا الركام قاعدة عسكرية.
معاريف تنشر عن مصدرها في الجيش ان المصابين منذ معركة الطوفان بلغ 5000، فكانت الصدمة/ الفضيحة، فيسارع الجيش ليعلن في اليوم التالي، رده على تلك الفضيحة/ الصدمة بالقول إنهم 1593، وفيما يعلن الجيش عدد قتلاه منذ بدء الحرب ب 436، حتى اليوم (12/12)، يؤكد الصحفي الإسرائيلي أرئيل شمعون المطرود من جريدة معاريف، ونشرت تصريحه العديد من المواقع، أن عدد القتلى، حتى يوم الأحد الفائت، بلغ 3850 جنديا وضابطا، علماً أن محلل قناة الجزيرة فايز الدويري ذكر ايضاً حسب تقديراته وتحليله لمجريات المعركة ان قتلى الجيش يتجاوز رقم ال 3000 أيضاً. وإذا اضفت لكل ذلك، الحديث المتكرر والمتصاعد في الأيام العشرة الأخيرة، ما بعد تجدد العدوان الهمجي على القطاع، عن فشل الجيش وعدم تحقيقه لأهدافه، وعن الخسائر الكثيرة وغير المتوقعة، وعن ورطة قطاع غزة ورماله المتحركة، وإذا اضفت لكل ذلك، الفيديوهات المصورة للمقاومة، حول عمليات الاستهداف الناجحة، ومعها الأرقام التي تعلنها المقاومة وباتت تتمتع بالمصداقية، كل ذلك سيعني ببساطة أن الكيان دخل مرحلة الورطة الحقيقية في حربه على القطاع، ما يستوجب البحث عن طريقة ينزل بها عن شجرة المغالاة والعنجهية في وضع اهداف يعجز يومياً عن تحقيقها، امام صمود المقاومة وانجازاتها الميدانية.
هذا على صعيد الحرب على غزة، وفوق ذلك، فجبهة الشمال، ومنذ أربعة ايام تشهد تصاعداً متواتراً في هجمات حزب الله على القواعد والمنشآت العسكرية، واستخدام أوسع للصواريخ الموجهة ضد الأفراد، والصواريخ عالية التدمير من نوع بركان، وكذلك توسيع العملية لعمق 9 كيلومتر شمال فلسطين المحتلة. هذا ما استدعى الدخول الفرنسي على الخط لانقاذ الكيان، تحت عنوان تطبيق القرار 1701، سواء عبر التهديد الصريح، أو عبر الرشاوي، والحديث الصهيوني عن استعداده (لصفقات) مع حزب الله، تبعده إلى ما بعد الليطاني، مقرونة طبعاً بتهديدات تحويل بيروت لما يشبه غزة.
بالتزامن مع ذلك، وبما يؤشر لتنسيق أطراف محور المقاومة، فقد فعّل اليمنيون إسنادهم للمقاومة، ليس فقط باحتجاز اية سفينة إسرائيلية تمر من باب المندب، بل ومنع أية سفينة من المرور إذا كانت متوجهة لموانيء إسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها، وقد نفذوا ذلك ضد السفينة النرويجية ستيرندا التي كانت تنقل النفط للكيان، فقصفوها وأرجعوها. إنه تطور جدي وفاعل وخطير. أما المقاومة العراقية، ورغم محدودية إيقاعها للإصابات في صفوف الجيش الأمريكي المنتشر في العراق وسوريا، إلا أن اعتراف الأمريكيين ب 94 هجوما على قواعدهم حتى اللحظة يعني لهم الشيء الكثير.
ببساطة،ـ فنتياهو، ولاعتبارات انقاذ مستقبله السياسي الشخصي، وكبار القادة العسكريين والأمنيين، ولاعتبار إنقاذ مكانتهم التي تهتكت في 7 أوكتوبر، وتستمر بالتهتك منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وضعوا المنطقة (على كف عفريت)، الأمر الذي لا يرحب به الأمريكان كثيراً لاعتبارات عديدة متعلقة بالداخل الأمريكي وخارجه، خاصة أنهم يعرفون أن نتياهو ومنذ سنين يسعى لجرهم لمعركة مفتوحة مع إيران ومحور المقاومة تُشعل المنطقة برمتها.
أما في الداخل الإسرائيلي فالضغط الشعبي يزداد على الحكومة والجيش لاستعادة الجنود والضباط الأسرى لدى المقاومة، تحت شعار لا يخفونه (أعيدوهم الكل مقابل الكل، ومن ثم إذبحوا غزة)، خاصة بعد الفشل في استعادة اي اسير بعد 65 يوم من المعركة، وباستخدام كل الثقل الاستخباري لهم وللأمريكان والبريطانيين، لا بل محاولتهم اليتيمة تحولت لكارثة وفضيحة.
بوضع كل هذا على طاولة القرار لدى الصهاينة والأمريكان يمكن الافتراض انهم يبحثون عن مخرج ما. وهذا ما ظهر تحديداً خلال يوم الاثنين الفائت. خلال ساعتين فقط تواترت التصريحات والأخبار التي تجعل من هذا الافتراض منطقياً: تصريح لغالانت (ستكون هناك اقتراحات هدن جديدة سندرسها)، وتصريح للبيت الأبيض ( هدن جديدة أمر مهم)، فيما قناة كان العبرية تنقل ملخصاً لما يتناقله الإعلام الإسرائيلي ( إن ثمن الحرب على غزة اصبح ثقيلاً)، فيما ذهبت قناة 13 للقول (الظروف نضجت لصفقة تبادل جديدة).
كل هذا يمكن بطبيعة الحال أن يستخدمه نتياهو ومَنْ حوله للتخفيف عن الضغط عليهم من أهالي الأسرى، فتغدو تصريحاتهم كما أعلن اسامة حمدان (للاستهلاك الشعبي)، ومع ذلك، اعتقد ان التصريحات والأخبار هذه تتجاوز حدود (الاستهلاك المحلي)، لتصل لحدود البحث عن مخرج من الورطة، خاصة إذا أخذنا كل الظروف أعلاه، خاصة فعاليات المقاومة وانجازاتها في غزة، التي أنتجت خسائر مهولة في صفوف الجيش، وخارجها عند الجبهات الثلاث، اللبنانية واليمنية والعراقية.
وبطبيعة الحال، لن يطلب، ولن يلمح، الصهاينة والأمريكيين (لوقف إطلاق النار)، مطلب المقاومة وكل أحرار العالم، فهذا سيكون استسلاماً مشيناً، بل سيعاودون الحديث عن هدن إنسانية لاستعادة الأسرى، ليسوّقوا امام الرأي العام الإسرائيلي المتعطش لثنائية الانتقام واستعادة الاسرى معاً، أنهم يريدون استعادة الأسرى ثم استئناف القتال وحرب الإبادة.
ليس المهم ما تريد وما تصرح به، المهم ما يمكنك تحصيله. وهنا كان رد المقاومة واضحاً، وبعد تواتر تلك التصريحات والأخبار، على لسان أسامة حمدان وعلي هاشم: لا تبادل أسرى إلا بوقف شامل وتام لإطلاق النار. وكأن بالمقاومة تقول لنتياهو وفريقة (ما تتشاطروا)، فهذه المرة ليس هناك هدن ثم تعودون لعدوانكم، هذه المرة وقف العدوان تماماً، وبحث صيغة تبادل، إضافة لأمور أخرى.
والأمور الأخرى سبق لقيادات في المقاومة، حمدان وجبارين مثلاً، أن اشارا لها بوضوح، حين اكدوا أن التبادل لن يكون إلا ضمن بحث سياسي يضع على الطاولة، الأقصى والحصار والإعمار وتعويض غزة والاستيطان في الضفة، وغيرها من القضايا، فالتضحيات غير المسبوقة التي قدمها شعبنا وما زال، لن يجني مقابلها فقط تبادل اسرى، على أهمية تحرير الأسرى وكونها راس المطالب.
الايام القادمة ستكون حبلى بالمتغيرات، وفقط صمود المقاومة وإنجازاتها، والإسناد من المحاور الثلاث، اللبنانية واليمنية والعراقية، ستحدد مسار تلك المتغيرات ومآلتها التي لا نشك أنها لصالح انتصار شعبنا ومقاومته.