شمعدان «عيد الحانوكا» اليهودي.. في البيت الأبيض

لم يتأخر كثيراً فخامة الرئيس/بايدن في الاحتفال بعيد الحانوكا اليهودي، خاصة بعدما سبقه إلى ذلك نظيره الفرنسي/ماكرون عندما أشعل شمعة عيد الحانوكا في قصر الإليزيه, بما هو رمز «الدولة العلمانية». وإن كان الأخير حاول انتهاز مناسبة حصوله على «بركات» مؤتمر الحاخامات الأوروبيين, عندما منحوه «طائرة اللورد جاكوبوفيتس، مكافأة له على دوره في مكافحة «مُعاداة السامية»..

استدرك الرئيس بايدن الأمر واحتفل هو الآخر في قاعة البيت الأبيض, بإشعال شمعة عيد الحانوكا/عيد الأنوار اليهودي. منتهزاً هو الآخر المناسبة لتقديم بل الأدق، «تجديد» تقديم أوراق اعتماده كـ«صهيوني», يروم خوض معركة الرئاسة لولاية ثانية. وهو ما تجلّى في الخطاب الذي ألقاه أمام حضور غالبيته من اليهود, صفقوا له كثيراً كما سبق وصفق الحاخامات الأوروبيون لماكرون، مُتجاوزاً/بايدن كل الانتقادات التي وُجّهت لماكرون بإدارة ظهره لمبدأ العلمانية, الذي تلتزمة أيضاً الولايات المتّحدة كون إشعال شمعدان الحانوكا لا يعدو كونه عملاً وطقساً «دينياً» خالصاً.

قام بايدن بتذكير الحضور بانه «لم يتراجع» عن العبارة المدوية التي كان أطلقها منذ سنوات, بانه «ليس عليك أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً..وأنا صهيوني». رغم أنه – أضافِ ـ قد وقع في مشاكل وانتقادات عديدة عندما نطق عبارته هذه, (وإن كان لم يكشف عن تلك المشاكل والانتقادات في مسعى لإثارة مشاعر وتعاطف الحضور). ثم مضى قدماً في التزلف للحاضرين الذين زاد عددهم عن 800 شخص, قائلاً: الدفء والتواصل الذي أشعر مع الجالية اليهودية لا يتزعزع، قافزاً في شكل بهلواني إلى حرب الإبادة التي يشنها جيش الفاشية الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قائلاً: سنواصل تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل حتى «تتخلص من حماس».. مُضيفاً: «كما قلت بعد هجوم 7 أكتوبر، فإن التزامي بسلامة الشعب اليهودي وأمن إسرائيل وحقها في الوجود كدولة يهودية مستقلة.. لا يتزعزع».

التأمل والتدقيق في المفردات والمصطلحات التي وردت في كلمة بايدن, الذي استخدمت بلاده «الفيتو» يوم الجمعة الماضي, لإجهاض مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. يكشف بغير عناء انه/بايدن إنما يُواصل بحماسة لعب دور الشريك الفعلي, لائتلاف القتلة ومجرمي الحرب في تل أبيب..

عندما قال على سبيل المثال: الدِفء والتواصل مع «الجالية اليهودية» والذي أَشعرُ به لا يتزعزع».. والسؤال هنا: هل ثمة «جالية يهودية» في أميركا؟ أم أن يهود أميركا هم مواطنون أميركييون ولدوا وترعرعوا في الولايات المتحدة, وولاؤهم يجب أن يكون لبلدهم الأٌم وليس لدولة لا يربطها بهم سوى الرابط الديني؟. لكن الولايات المتحدة «صادقت» منذ وقت طويل –كما معظم دول الغرب الأوروبي الاستعماري على أن «إسرائيل» هي ممثلة اليهود في العالم كافة. زد على ذلك قوله أنه «سيُواصل تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل حتى تتخلص من حماس». فيما يرى العالم أجمع بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة, أن ما يجري على أرض قطاع غزة المنكوب (كما في الضفة الغربية), هي عملية إبادة ضد المدنيين وكل أسباب الحياة فيهما.

ماذا عن بلينكن الذي ذهب إلى إسرائيل كـ«يهودي» وليس كمواطن أو مسؤول أميركي؟.

حاول وزير الخارجية الأميركي بلينكن تبرير االتصريح اللافت وغير المسبوق, الذي أدلى به فور وصوله لأول مرة إلى دولة العدو الصهيوني (بعد 7 أكتوبر)، زاعماً أن ما يحدث في إسرائيل «يُؤثر عليه بشكل شخصي»، خاصة –أضافَ- وانه «يُعيد التذكير بفترة عاشها الشعب اليهودي، وبسبب طبيعة الهجمات التي تم ارتكابها في السابع من أكتوبر الماضي».

أعاد بلينكن في مقابلة على شبكة (CNN) التذكير بــ«أن زوج والدته كان أحد الناجين من الهولوكوست»، و«أحد أجداده» كان من الذين لاحقتهم قوات, كانت «تستهدِِف اليهود وتقتلهم في المنطقة التي تُعرف حاليا باسم أوكرانيا».

وزعم بلينكن أنه «رغم الارتباط الشخصي فيما يحصل»، إلا أنه بـ«النهاية أميركي ولديه شرف المسؤولية لكونه وزيراً للخارجية ومُمثِّلاً للجميع»، مُنوها أنه يقوم بعمله بما «يخدم ويعكس المصالح والقِيم الأميركية، وما هو مناسب للولايات المتحدة».

مُدعِياً/بلينكن إن «إسرائيل إتّخذت بعض الخطوات المهمة, لحماية المدنيين بشكل أفضل خلال هجماتها على غزة»، مشيراً إلى أن إسرائيل «تستجيب لدعوته للعمل بشكل مختلف في هذه المرحلة من الحرب مع حماس عما فعلته في شمال غزة». لافتاً في نفاق تفوح منه رائحة الكذب, ان (العدد الهائل من القتلى المدنيين في قطاع غزة, بأنه «مُؤلم»، داعياً إلى إنشاء «ممرات آمنة» للمدنيين).

كيف يمكن والحال هذه «تصديق» ما قاله الرئيس الأميركي في حفل إضاءة شمعدان «عيد الحانوكا» اليهودي, بأن ثمَّة خلافات بينه وبين مُجرم الحرب/نتنياهو؟. خاصة دعوة بايدن نتنياهو إلى «تغيير حكومة»؟, مع عِلم فخامة الرئيس وطاقم إدارته, أن نتنياهو.. لا يخوض «معركته» السياسية الأخيرة فقط, بل أن أحدا في كُتل الكنيست الحالية «لن» يتحالف معه, إذا ما فكّ تحالفه مع المتطرفين والحريديم. ما يعني الذهاب إلى إنتخابات مبكرة, وهو أمر يستغرق مدة طويلة. أما حكاية تحوّلات الرأي العالم لغير صالح «إسرائيل», فإن «الفيتو» الأميركي جاهز لدرء كل «المخاطر» المُحتملة على دولة وقادة الدولة الاستعمارية الفاشية.

فـَ«على مَن يتلو بايدن/ وبلينكن..مزاميرهما»؟.

kharroub@jpf.com.jo